شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَظاهر السّرف في مُناسبَاتنا
(1)
قال صاحبي: ليتك كنت معي في حفل البارحة لترى العجب الذي نستغربه! قلت وما ذاك؟
قال نزل بعين من أعيان جيراننا ضيوف لا يزيد عددهم عن ثلاثة. أراد أن يحتفي بمقدمهم فأولم لهم ودعا بعض أقاربه ومعارفه إلى ما أولم. إلى هنا والأمر جد عادي. ولكن الشيء الذي يلفت النظر أن ذبائح الوليمة، وإن كنت لا أعرف عددها، ولكني أعرف أن صحاف اللحم الكبيرة ظلت بعد نهاية الأكل كما لو كانت لم تمد إليها يد ضيف لكثرتها كما أن أطباق الفاكهة ظلت على حالها كأنها لا تجد من تناديه لأكلها.. ليتك كنت معي لتعجب لمبالغاتنا وتأسى لهذا الصرف المقيت.
قلت: إنها سمات البادية لا تنفك تلازمنا في أكثر مرافق حياتنا حتى نتفهم الحياة على حقيقتها، ونعرف قيمة الأشياء في جواهرها بعيدة عن قشورها.
إن شأننا اليوم في أكثر ولائمنا واحتفالاتنا يعبر أبلغ تعبير عن مدى ما نتكلفه في سائر مظاهرنا الاجتماعية، وليس بيننا وبين أن نقتصد فيما نتكلف إلاّ أن نرتفع بأذواقنا إلى مصاف الإنسان الراقي الذي يعرف كيف يعبر عن اهتمامه بأية مناسبة سعيدة بأسلوب لا يتكلّف في سبيله بعض الإرهاق والنصب الذي نتكلفه.
إن في استطاعة صاحب الذوق الرفيع أن يقدّر ضيفه بإيناسه وإبداء ولائه وشعوره الطيب أكثر مما يقدره بالسرف المقيت المتكلف.
وأنت ترى أن الأمر بيننا لا يقتصر على مثل هذا الحفل الذي نتكلفه لنستقبل به ضيفاً عزيزاً، بل هي خلة شائعة في أكثر مرافقنا الحياتية ومناسباتنا الاجتماعية.
فحفلات العرس عندنا مظهر صارخ من مظاهر السرف الذي لا يقره عقل، وإذا راق لبعضهم أن يعلّله باقتناص فرص الأفراح فما رأيك في اقتناص فرص الأتراح لنبالغ في ضجتها فتتكلف من المظاهر ما لا يليق بقوم أصيبوا في عزيز لديهم وباتوا باكين.
ألا ترى أننا ننسى ترحنا وننسى بكاءنا في سبيل عادات وتقاليد لا مبرر لها فنستقبل المعزين بولائم لا حدود لها كما لو كان لا يشغلنا شاغل الموت والحزن عن الإعداد لما يجب للعرف المقيت في ضجة لا تختلف كثيراً عن ضجة الزواج والأفراح والليالي الملاح.
إنه حب الظهور المتكلف ينسينا كثيراً من قواعد اللياقة ويأخذ بنواصينا إلى توجيهات نسميها عرفاً دون أن نستوحي عقولنا فيما أقدمنا.
قد يُقال إنها لون من الصدقة وننسى أن للصدقة ألف سبيل إلاّ هذا السبيل.. ذلك إن أردناها صدقة بمعناها الصادق واستطعنا أن نخلص النية فيما نتصدق. نستطيع أن نجعل ولائمنا من مثل هذا النوع وقفاً على المساكين والمحتاجين أو نقدم ثمن ما أسرفنا نقوداً نمنحها أيتامنا وأراملنا وضعفاءنا ومن نحسبهم أغنياء من التعفف، نقدمها لهم منحاً مستورة في بيوتهم، فذلك أجزل مثوبة مما نقدم لوجهائنا وأغنيائنا على موائد هم أغنى الناس عنها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :356  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج