الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > هَل يتعيّن على المعْدم أن يحج؟

هَل يتعيّن على المعْدم أن يحج؟

قال صاحبي: وصاحبي في هذه المرة من وفود بيت الله الحرام ألف الترحال والتنقل بين مدن المصائف وبلاد المعارض كما فهمت واختلط بمناسبات الزحام مرات ومرات.

قال صاحبي هذا: ألاحظ أنكم تتساهلون في قبول الوافدين إلى بلادكم دون أن تفيدوهم بما يكفي مؤونتهم من إقامة وسكن وما يكفي نفقاتهم للعيش وسائر لوازمهم الضرورية بين حلهم وترحالهم ولهذا يبدو فقرهم واضحاً في كل حركاتهم بين المشاعر. لقد شهدت منهم ألوفاً يسكنون الشوارع ويعانون من صنوف الحرمان ما تبدو آثاره واضحة للعيان فلو نظمتم أمر غشيان بلادكم ففرضتم على كل قادم أن يثبت موجوده النقدي بمقدار معين يكفي حاجته من النفقات، ويحفظ قيمته كإنسان لأحسنتم إلى إنسانية كل المعدمين الذين يتعسّفون لشيء لم يفرض عليهم. فالحج استطاعة ولا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها.

قلت: إن بلادنا تألم لما ألمت له، بل وتعاني في سبيله الكثير. فشوارعنا لا تستقيم فيها نظافة، ومياديننا لا يحكمها نظام ما دام المعدمون من الحجاج وهم ألوف مؤلفة يحتلون زواياها وأركانها فيملؤونها بأوساخهم ولا يعفونها من فوضاهم، ونحن نحاول معهم ليفهموا أن الدين يربأ بهم أن يرهقوا أنفسهم ويرهقونا معهم ويرهقوا الحجاج بما يسببونه لهم من مصاعب ولكن كل محاولاتنا إلى عبث.

إن ما تنفقه موازنة بلادنا في سبيل الشؤون الصحية وتنظيم الشوارع وتوسعتها ونظافتها توازي ضعف ما يربحه المتكسبون من أبنائها في سائر مجالات الكسب من الحجاج، ومع هذا فنحن نحتسب كل ما نفعله أو ننفقه في سبيل ضيوف بيت الله، ونتمنى لو قدر هؤلاء المعدمون موقفهم منا وخففوا شيئاً من وطأتهم علينا لتصبح خدماتنا ذات أثر فعّال له جدواه ولكن هيهات.

وأنت تسأل علماءهم في كل أقطار الدنيا: هل يتعين على هؤلاء المعدمين أن يحجّوا فيعانون من شظف العيش وعسر الفاقة ما يعانون، فلا تجد بينهم مَن يقرهم على هذا العنت أو يرضاه لهم، ومع هذا تأبى جموعهم إلاّ أن تمضي في سوء ما فهمت.

نحن من جانبنا لا نريد أن نصدهم رغم ما نقاسي نحن، وتقاسي بلادنا، ويقاسي حجاجنا من لأوائهم ونرى من الخير أن نترك لحكوماتهم أمر النظر في شؤونهم فمن الخير ألاّ تتركهم يغادرون بلادهم ليتكففوا العيش ويتمرغوا في الحرمان فيسيئون إلى سمعة حكوماتهم أبلغ السوء. هذا ما نراه ونسأل الله أن يوفقهم لما يصون رعاياهم.