شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في التجمهر مُشاركة عمْياء!
قال صاحبي: ألاحظ أن بعض القصص الخرافية تعيش وتنمو وتترعرع في أوساط كثيرة ربما احتفت بها كما تحتفي بالحقائق الصحيحة، وأغرب من هذا أنك تصادف في هذه البيئات من تزكى فيه عقله وذكاءه مع هذا فلا تلبث أن تراه مسوقاً مساق غيره من بسطاء الناس وجهلتهم تغمره الأسطورة فينسى ملكاته الناقدة ويعطل طاقتها!
قلت: وليس في هذا جديد على الحياة. فالناس ما تجمهروا إلاّ تفاعلوا وهذا الذي تزكي فيه عقله وذكاءه لو صادفته الأسطورة منفرداً لواجهها في ذكاء واستطاع أن ينقد دقائقها. أما وقد غمرته البيئة بغبائها وساقته مساق الجماهير. فليس من السهل أن ينفرد إلاّ إذا تمتع بعقل جبار فذ يستهين الخروج ولا يبالي أن ينعت بالشذوذ.
إن التجمعات تلغي طاقة أصحاب الطاقات العقلية، وتسوقهم إلى المحاكاة تلقائياً، وتقتل ملكة التروي أو تخنقها. فالعاقل الذي يجبن عن الاعتداء على الناس ويقدر مسؤولية ذلك، ولا يجرؤ على قتل أحد أو تدمير بيته.. هذا العاقل كثيراً ما تسوقه المشاركة الجماهيرية فيتقدم إلى القتال في ميادينه العامة يقتل، ويذبح، ويمثل تحت تأثير الغوغائية المسيطرة..
يشارك في تدمير المدن، وإشعال الحرائق، ونهب الأموال، وإشاعة الفوضى وهو غائب عن رويته، منفصل عن اتزانه العقلي، مأخوذ بحركة التوتر الجماهيري الشائع حوله!
إن التجمع كثيراً ما يحيل الجماهير إلى ظروف نفسية خاصة تهيئهم للمشاركة العمياء، والتقليد الغبي، والانفعال السلوكي. فنحن نرى البيئة التي يحترم أفرادها غطاء الرأس مثلاً ويعتمدونه مظهراً من مظاهر الآداب العامة لا يلبث هؤلاء الأفراد أن ينسوا ما ألفوا إذا تجرأ بعض أصحاب الجرأة على كشف الرأس وتابعهم آخرون وآخرون حينئذٍ تمحى الآية، وتبدأ الرؤوس المكشوفة تأخذ مركزها في الأدب العام ويتتابع الناس خلفها بتأثير التفاعل الجماهيري.
أريد بعد هذا أن أقول إنه في مثل هذه الظروف الجماهيرية تجد القصص الخرافية والأساطير الوهمية تربتها صالحة للنمو.. ينفعل الجمهور بسلوك البسطاء من أفراده فلا يدقق حقيقة ما يسمع لأن حواسه مهيأة لقبول الإيحاء وبذلك تأخذ الخرافة مكانها في البيئة، ثم لا تلبث أن تترعرع كلما امتد مداها من الشيوع، وتستطيع أن تمكِّن لنفسها بقدر ما يتسع جمهورها، وأن تثبت بقدر ما يتقادم عليها من أجيال حتى تصبح حقيقة لها مركزها بين الحقائق الناصعة. وتظل على أمرها حتى ينهض لها جبار مفرد من شواذ الحياة فيعلن عصيانها، ويقاسي الكثير في حربها حتى يظفر بمن يتابعه وإذ ذاك يأخذ رأيه دور المشاركة الجماعية وعندئذ يبدأ انحلالها تلقائياً بنفس الأسلوب الجماهيري الذي هيأ لنموها من قبل!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :304  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 72 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج