شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أحبب ما استطعت
قال صاحبي: أعرف فلاناً من عشاق الفضيلة، ولكنه يحيا حياة كالحة كئيبة تتميّز بألوان من الفظاظة والكره تبدو في معاملته للناس وسلوكه معهم، فكيف لي أن أوفق بين تعشقه للفضيلة وسلوكه البغيض في معاملاته للناس.
قلت: إن الفضيلة كثيراً ما تكون عرضاً من أعراض التديُّن الصادق ولا يكون التديُّن صادقاً إلاّ إذا لمس شغاف القلب ففتح مغالقها لحب الناس طائعهم وخاطئهم، وذلك مصداق ما يقوله تعالى وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ (آل عمران: 159).
يستطيع المتدين الفاضل إذا أحب الوجود وما في الوجود من إنسان أو حتى حيوان أن يسع الكل بخلقه العالي، فلا يحقد ولا يكره ولا يفرض مقاييسه الفكرية على كل مآتي الحياة، ولا يقنع بتفسيراته على اعتبار أنها ولا شيء غيرها.
يستطيع المتدين الفاضل أن يجعل للفضل مكاناً بين خلجاته النفسية وأن يحس إحساساً مرهفاً بآلام الخاطئين وأنَّاتهم، فيتوجع لما يتوجعون ويحتال لهدايتهم وخلاصهم بما أمكنه من الوسائل الحبيبة التي تترك أثرها الصادق في توجيههم.
إن الذين يكرهون سلوك الآثمين في حرد أو حقد ويلذ لهم أن يبالغوا في مقتهم وتحقيرهم يعيشون أكثر ما يعيشون في ضيق وكآبة وبغض محض، وهم أعجز من أن يقودوا إلى رشاد أو يهدوا إلى سبيل مستقيم.
على عكس الفاضل السعيد بمزاياه الموهوبة الذي يعرف كيف يفتح صدره للجاهل والخاطئ.. يعرف كيف يفتح للحب آفاقاً تتسع لكل ما يصادفه من ألوان الناس.. ذلك هو المطمئن إلى فيض الله الواثق من رحمته.
ولست أعني بهذا أن نمد للآثمين في مجالاتهم ونطمعهم في آثامهم.. لا لست أعني هذا.. ولكنني أعني أن الفاضل لا يجب أن يحقد على مثل هذا النوع، أو يعاملهم في سلوك بغيض بقدر ما يجب أن يتمنى لهم الرشاد ويحتال لهم في سبيله، وأن يحس بآلامهم إحساساً رهيفاً وأن يؤمن بالحب.. والحب العميق الذي يسع مجتمعه بما في مجتمعه من إنسان أو حيوان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :290  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج