شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
والآن بَعد أن استقلت بلاد العَرب
قال صاحبي: ما تناحر بين صفوف العرب اشتد أواره كلما اشتدت أزمات الأيام.
قلت: لا يعلم إلاّ الله مقدار ما عانى العرب على اختلاف أقطارهم في سبيل الاستقلال والحرية حتى انتهوا إلى ما ظفروا به في أعقاب الحرب الأخيرة وباتوا ناعمين بما ملكوا من مقدراتهم وما نالوا من استقلالهم.
إن أكثر المتناحرين اليوم في أقطار العرب من أصحاب اليمين أو الشمال كانوا من خيرة المجاهدين في ميادين النضال الحر عانوا في سبيل بلادهم ما لا يحتمله إلاَّ حُرٌّ فجاهدوا وقاسوا من أجلها ألواناً من شظف العيش وتعرضوا لأصناف من الأهوال لا يعلم مداها إلاّ الله حتى استطاعوا أن يثبتوا أحقيتها في الحياة، ويؤيدوا مركزها بين العالم المستقل، ويهيئوها للجلوس في مصاف أمثالها من الأمم الحية.
كان العرب في حقبة سالفة من الدهر لا ينعون على أنفسهم شيئاً كما ينعون جهلهم وتخلفهم عن مواكب الحياة فما كادوا يملكون مقدراتهم حتى تزاحمت أقطارهم على منابع العلم ينهلون منها ونشط المخلصون لتعبيد كافة المسالك في سبيل الظفر بالمكان الذي يليق بشعوبهم ويساعدهم على إعدادها إعداداً له قيمته بين معاصريهم من أمم الأرض.
وفي سبيل الظفر بتلك المكانة تنادوا بالوئام واستطاعوا أن يجمعوا شتاتهم في هيئات اتخذت مكانتها بين هيئات الأمم واستطاعوا أن يرفعوا أصواتهم بين جنباتها وأن يدللوا على مبلغ حيويتهم وأن يتركوا أثرهم في جميع المحافل التي ترتادها أقوى الأمم وأكثرها جدارة بالحياة؟؟
فهل جدّ بعد هذا ما أساء إلى كيانهم وزعزع الثقة في مركزهم الجديد بين مصاف الأمم؟
إنه سؤال تلوح في ثناياه علامة استفهام بارزة الخطوط.. وإنه إحراج لا يعرف العربي المخلص لقوميته كيف يتخلص من وخزه المؤلم.
إن أخشى ما أخشاه أننا شرعنا بتناحرنا نعرِّض بلادنا من جديد لمشاكل كنا في أشد الغنى عن التعرض لها.. وإننا بتنا منذ اليوم نعود القهقرى إلى مضاجعنا القديمة قبل أن نستيقظ، وأصبحنا نشرع معاولنا لتهدم كل ما بذلناه من جهد وتنقض جميع ما بنيناه لحرية بلادنا واستقلالها.
شرعنا نحتك بالأقوياء من غير طينتنا ونمتحن إمكانياتنا الجديدة بما لا تستطيع الثبات فيه إذا جد أوان الجد فإذا عصفت بنا العواصف غداً وإذا اجتثت ما بنيناه لحريتنا واستقلالنا وحرمتنا ما ظفرنا به بعد طول الجهد فالذنب في هذا ليس ذنب الطامعين بقدر ما هو ذنب المتناحرين من بني قومنا في سائر أقطارهم.
فهل يخفف المحتاجون بعض غلوائهم ويعودون إلى ضمائرهم فيحاسبونها على ما اقترفوا بعنادهم وما عرَّضونا له بتناحرهم؟ أم هم سائرون فيما أرادوا من شطط حتى يسلموا بلادهم إلى أسوأ العواقب وأشدها خطراً على حياة الحرية والاستقلال؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :331  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 156
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.