الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > مِن تُرّهات التّاريخ!! (2)

مِن تُرّهات التّاريخ!!

(2)

قال صاحبي: وما أخبار قيلت عن الوليد الخليفة الأموي.

قلت: أفصحت لك فيما أسلفت عن رأيي في بعض نقلة التاريخ ممن شايع الباطل خدمة لأغراضه أو رجاء لمنفعته أو مشايعة للقائمين بالأمر أو ميلاً للتندر والفكاهة فتركوا لنا بذلك أرتالاً من الأكاذيب احتضنها التاريخ في غفلة من الحياة فباتت محسوبة عليه.

أيصح في حدسك ما يذكره بعض الرواة عن الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك أنه أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة.

وهل يدور في خلدك أنه يستفتح بالمصحف فأله؟ فتطالعه الآية وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (إبراهيم: 15) فيعمد إلى سهامه يرمي بها المصحف حتى يمزقه وهو يقول:

تهددني بجبار عنيد

نعم أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم بعث

فقل يا رب مزقني الوليد

إن إنساناً يملك ولو ذرة من عقل لا يستطيع أن يصدق أمثال هذه الروايات عن فجَّار يجاهرون بعصيانهم ويفخرون فكيف تصدر عن خليفة يحتل الذروة العالية في بيئات تدين بالإسلام ويعرف على أيسر تقدير أنه لا يليق بسياسة مركزه العظيم أن يجاهر بمثل هذا الكفر الصراح ليترك نقلة الأخبار يشيعونها عنه ويسجلونها عليه.

إنها ترّهات لا يشك عاقل في أنها كانت تختلق اختلافاً لخدمة الخصوم.. للدعاية السيئة.. لرواج الباطل، وإنها كانت إلى ذلك مصادر رزق للنفعيّين.

ذكروا أن الفرزدق سئل مرة (كيف تهجو الحجاج وكنت تمدحه في قصائد عامرة؟ فقال: نكون مع الواحد منهم ما كان الله معه فإذا تخلى عنه انقلبنا عليه).

هذا هو التلوّن المقيت الذي منيَ به التاريخ في مختلف عصوره فأضاع صواب أرجح العقول وبلبل أفكار النقلة والمؤرخين.

إننا في أشد الحاجة إلى حصيلة واسعة من الذكاء وملكة جدّ فاحصة ننقد بها كل ما نقرأه فندقق ظروف نقله وحقائق رواته وسائر الملابسات التي هيأت لتسجيله وإلاّ فسنظل مرتهنين بالبلبلة والارتباك.