شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
ثم فتح باب الحوار بسؤالين وردا في معنى واحد، السؤال الأول من الأستاذ عبد السميع محمد راضي، يقول:
- كيف يمكن للعربية أن تنهض في ظل سيطرة العامية، التي سيطرت في الغالب على كل دروب الحياة، لا سيما السياسي منها والإعلامي؟
 
- وفي نفس المعنى سأل الأستاذ غياث عبد الباقي قائلاً:
- تشهد الساحات الثقافية والأدبية على امتداد الوطن العربي دعوات مشبوهة، تدعو لاستعمال اللغة العامية بدلاً من اللغة الفصحى، لغة القرآن الكريم، لغة الأمة الإسلامية؛ وقد قام العديد باستخدام العامية في فنون الأدب المتنوعة، قصة، مقالة، شعر.. وانتشرت تلك الموجة في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ؛ فما رأيكم في تلك الدعوات، وما هي أخطارها على لغة الضاد؟
ورد الدكتور بدوي طبانة قائلاً:
- هذا سؤال نشأ من قوم مخلصين غيورين على لغتهم، وعلى لسانهم، وعلى لغة قرآنهم.. ولست أقول شيئاً أكثر من أن هنالك أدباً في العامية، هذا الأدب نسميه عندنا في مصر: الموال أو الأزجال، وأنتم تسمونه: الشعر النبطي؛ وربما كانت له أسماء أخرى في بعض الدول العربية؛ وأقول إنَّ الأدب بطبيعته فن جميل يتسع لكل شيء؛ في كتابات الأقدمين أقول للأخوين الفاضلين شيء لطيف، عالم كبير اسمه: ابن الخشاب، كان يسير فيقف على حلقات الحواة والمشعوذين، فيأتي تلاميذه ويقولون له: أنت أعلم الناس في زمانك، ما وقوفك في هذه الأماكن الرذيلة؟ فيقول لهم: "لو رأيتم ما رأيت وسمعتم ما سمعت ما عجبتم، إنني أسمع من هؤلاء كلاماً لم أسمعه من عالم ولم أقرأه في كتاب" هذا ابن الخشاب، نحن لا ننكر على هذا الأدب ما فيه من خيال جميل أو تصوير بديع، وإنما لا بد من اللغة أن تكون أساساً لهذا التعبير الجميل، اللغة العربية ليست اللغة العربية فقط، بل اللغة العربية في أحسن حالاتها لا بد أن تكون هي الأساس للتعبير عن الشعر، تعبير جميل وصادق الجمال ركن فيه، والأدب فن تأبى طبيعته الابتذال، بل فيه خصوصية الأديب، خصوصية اللفظ، خصوصية المعنى؛ ولذلك يعجبنا هذا الأدب، وما لم يكن فيه شيء من ذلك فلا قيمة لهذا الأدب، لأن الأدب ليس تعبيراً فقط.
- فكل أصحاب اللغة يعبرون، وتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق، يعني أرسطو سماه حيواناً ناطقاً، هذه الدعاوي كلها من غير شك على حساب اللغة العربية؛ ولسلامة موسى - وهو أديب معروف أكثر من بدوي طبانة خمسة آلاف مرة مثلاً - له كتاب اسمه: "البلاغة العربية واللغة العصرية" في هذا الكتاب يقول: إن الأدب ليس الأدب الَّذي تعرفونه، هذا أدب الفقاقيع يقول: "انظروا إلى السيادة هي السيادة اللغوية" وسبيل ذلك عنده أن نأخذ من اللغة العربية أكثر ما نستطيع؛ يقول عندنا ازدواجية لغة كتابة ولغة خطاب، وهذه الازدواجية تزول بأن نأخذ من العامية أكثر ما نستطيع ومن العربية أكثر ما نستطيع، ونكون منهما مزاجاً لغةً واحدة؛ هذا رأي يقوله، وهو رأي - طبعاً - هدام؛ ولعل الدكتور القحطاني قرأ رأيي في هذا الموضوع، لأني ذكرت رأيي بالتفصيل، وقلت له: أنت تشير إلى السيادة اللغوية وتشير إلى الهنود.. الهنود طردوا المستعمر؛ وأقول لهؤلاء: ليس هذا أدباً إلاَّ إذا جمع الشرطين: خصوصية التفكير وخصوصية التعبير، وخصوصية التفكير هي أن أرى في الأدب غير ما أسمع من الناس وغير مـا أقرأ في الصحف؛ وخصوصية التعبير هي: خصوصية تكون في المحاكاة..
- وأقول للإخوة - وأعرف منهم فضلاء من دعاة هذا الشعر النبطي أو شعر الموال أو الزجل - أقول لهم، ما قال أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد: أيها اليونانيون: "تعلموا اللغة العربية" أنا أقول: أيها العرب: "تعلموا اللغة العربية" هذا ما أقوله لهم، فهذا رأيي الواضح الصريح في هذه القضية.
- وأذكر أنني كنت في ندوة شعرية، وعرضت عليّ ألوان من الشعر، وكنت أنا المحكم فيها، فيها شعر عمودي فيه وزن وقافية، وفيها شعر تفعيلات، فيها شعر عامي.. أما شعر التفعيلة اللطيف فكان تعليقي عليه أنه واقف يتراقص، نحن لسنا بحاجة إلى شعر راقص، بل نحن في حاجة إلى عبارة معبرة؛ أما الشاعر فقلت له: أنت الأديب في حارتكم، وليس الأديب على مستوى الأمة العربية.. كل عناية بالعامية إنما هي على حساب الفصحى، الهدف منه هو التمزيق لهذه الأمة.
 
ورد سؤال من الأستاذ زياد جمعة قال فيه:
- سمعنا كثيراً عن أناس يقولون: إنهم أدباء ويبرعون في الإنتاج الأدبي، هم - في الواقع - غير ذلك؛ فهم يسرقون نتاج غيرهم لينشروه تحت أسمائهم؛ فماذا تقول لهؤلاء؟ وهل مر معك أحد من هؤلاء؟
وأجاب سعادة الضيف قائلاً:
- .. من جهة مرَّ بي نعم مرَّ بي، وأنا أؤمن بالاشتراكية في العلم، إنما في خصوصية من الخصوصيات.. كأن تأخذ كتاباً - مثلاً - وتسرقه وتطبعه وتسوقه لحسابك؛ فهذا لا يجوز.
- ولقد أحضر أحد الإخوة صفحتين من قائمة كتب دار نشر في لبنان في بيروت تحتويان على مؤلفات الدكتور بدوي طبانة، وقامت الدار بعرض بعض الكتب، أنا أعتقد أن الَّذي يسرق ما في جيبك من النقود أرحم من الَّذي يسرق فكري وعاطفتي، وكل العوامل التي تجعل لي كياناً في هذه الحياة، أنا قيمتي أنِّي مؤلف هذا الكيان، فلماذا يعتدي الآخر ليسرق هذا الكيان؟
 
ووجه الأستاذ أحمد عائل فقيهي السؤال الآتي:
- أرجو إعطاءنا إلماحة عن ملابسات معركتكم الشهيرة مع الأستاذ علي العمير على كتاب الفهرست.
وأجاب الدكتور بدوي طبانة على السؤال بقوله:
- الَّذي كان بيني وبين الأستاذ علي، مسألة هينة، بل هي أهون من الهوان، ولكنه شاب، وصاحب قلم، وصاحب بيان، وصاحب عضلات أيضاً؛ فابتدأ ينقدني في موقف من المواقف وكان الموقف عزيزاً عليّ وهو منزل صديقنا الأستاذ الحبيب عبد العزيز الرفاعي - رحمه الله - وعن طريق عبد العزيز الرفاعي عرفت أفاضل من في هذه البلاد، وعن طريق عبد العزيز الرفاعي عرفت الأستاذ خوجه الَّذي أجلس إلى جانبه الآن، وعن طريقه عرفت هؤلاء الأفاضل، وكنت أقرب الناس إليه وكان أقرب الناس إليِّ، سواء جئت هنا أو جاء إلى القاهرة - عليه رحمة الله -.
- فالمسألة بسيطة، أنا رجل أنتسب إلى العلم، إنَّ كلمة فلسفة يعرفها أساتذة الفلسفة بأنها مكونة من مقطعين، فيلو: ومعناها محب، وسوفيا: ومعناها الحكمة؛ فمعنى فيلسوف الحقيقي: محب للحكمة؛ فأنا محب للحكمة ومحب للمعرفة، وأول من سَمَّى نفسه فيلسوفاً وهو سقراط.. تواضعاً، لأنه عاش في زمن السفسطائيين الَّذين كانوا يدعون أنهم أهل الحكمة.
- فأنا متطلع إلى المعرفة وأخطئ كما يخطئ البشر، ولكن ليس عن عمد طبعاً، ويبدو أنني قلت كلمة كانت غريبة على الأسماع، والناس عبيد ما سمعوا وعبيد ما ألفوا، وعملنا يتطلب منا أن نصحح للناس تصحيح معلوماتهم إن كانت تحتاج إلى تصويب؛ فقلت ذات مرة في مجلس الشيخ عبد العزيز: إنَّ كتاب الفهرست لصاحبه محمد بن إسحاق النديم، فالنديم صفة لمحمد الأولى؛ وأصر الأستاذ على ابن النديم، فرجعت للمراجع العلمية حتى أعرف إن كان كلامي صحيحاً أم خطأ، فوجدت طبعة محققة في طهران، اسمها كتاب الفهرست للنديم بالخط الكبير، طبعة جديدة، وتحقيق جديد، صورتها حتى استوثق، وكنت أتمنى أن أكون مخطئاً، وليته قال لي: أنت غلطان فحسب، ولكنه قال: إن بني عمك فيهم رماح؛ فقلت له: إن هذا عجز بيت أصله: جاء شخيخ عارضاً رمحه أن بني عمك فيهم رماح وشرحت له البيت ولم أقل له: إنني أعلم، ولكني أردت أن يعرف الناس الحقيقة.
- فكتب مقالة فرددت عليه بمقالة، فكتب مقالة أخرى تمادى فيها وجاوز الحد، فكتبت مقالة وأوضحت فيها ما عندي، ولم يحل بيني وبين نشرها إلاَّ صديقي الكبير الدكتور محمد عبده يماني.. وزير الإعلام، وكنت أتمنى أن يكون هنا؛ وما زالت تلك المقالة موجودة عندي حتى اليوم لم أنشرها، احتراماً للصديق الكريم الدكتور محمد عبده يماني، الَّذي أحبه من أعماقي؛ وانتهت المسألة.. فإذا بالرجل يعود فيكتب هذه الكلمة الطيبة عني يثني علي ثناء طيباً فيما بعد، قلت: الحمد لله، أثنى علي ثناءاً طيباً في الكلمة التي أعتقد أنها عندكم.
 
ثم قرأ الأخ الأستاذ الصعيدي الرسالة التي بعث بها الأستاذ علي العمير إلى سعادة المحتفي سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه، والتي أعرب فيها عن تقديره واحترامه للمحتفى به، ولما قدمه من خدمة للعلم والمعرفة، فقال:
- يقـول علي العمير أن خصومتي الشخصية أو الأدبية مـع الدكتور بدوي طبانة سنة 1407هـ، لا تمنعني من أن أقول عنه كلمة الحق متى وجب قولها، لا أبخسه حقه ولا أقلل من قدره، وذلك هو دأبي - إن شاء الله - مع سواه من الأدباء؛ وقد وجدتني مدفوعاً إلى أن أقول كلمة الحق عن د. طبانة، حين عثرت منذ أيام - في المكتبات - على كتابه الضخم الجليل القدر "معجم البلاغة العربية" الَّذي أعتبره أفضل عامل من العوامل التي يمكن أن تساعد على فهم علوم البلاغة العربية، بعد أن تحجرت على أيدي بعض النقاد العرب الَّذين أخضعوها للفلسفة أو غيرها من القوالب غير العربية، إلى الحد الَّذي استغلقت معه مفاهيمها على طلاب العلم، وبخاصة في عصرنا هذا؛ وكلنا يعرف أن هناك كثرة كثيرة من الكتب الحديثة المهمة التي عالج فيها أصحابها موضوعات البلاغة العربية من مختلف جوانبها، وألقوا عليها الكثير مـن الأضواء التي ساعدت علـى إحياء ذكرها بقدر أو بآخر، ود. بدوي طبانة - نفسه - أحد الَّذين ساهموا - بمؤلفاتهم - في إحياء ذكرى البلاغة العربية، ولكن ليس بالقدر نفسه كما هو في كتابه هذا الَّذي نتحدث عنه: "معجم البلاغة العربية" فهو بهذا الكتاب قد تجاوز نفسه وتجاوز جميع زملائه ومعاصريه، حيث لا شك أن ضغط علوم البلاغة على هيئة معجم قد جعلها أقرب كثيراً إلى الأفهام، كما جعلها أسهل كثيراً لرجوع الباحثين أو طلاب العلم إلى ما يريدونه منها..
 
وعلق المحتفى به الدكتور بدوي طبانة على الرسالة فقال:
- أنا أشكره على هذا، وهو كلام كتبه من قديم وأنا قرأته؛ واليوم اتصل بي وقال: إنني سأكون موضع التكريم من الأستاذ الجليل عبد المقصود خوجه، وإنه حريص على أن يحضر، وأثنى عليَّ ثناءاً طيباً شكرته عليه وسعدت جداً بهذا؛ كلنا خدام حقيقة، لقد كان شاباً، والشباب له فورة؛ ليست خصومة حين اختلف مع بعض الإخوان، ففي مجمع اللغة العربية قد اختلف مع بعض الأعضاء في أشياء، فالعلم والرأي ليس فيه ما يدفع إلى الخصومة والتنافر؛ أنا لا أزعم أن رأيي هو الرأي الصائب فقط.. من يقول هذا؟ لا يقول هذا إنسان يعرف حق العلم.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :495  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 171
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج