شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
برلمانات ديمقراطية مصغرة في البيوت الخليجية
اثنينيات وأربعائيات وخميسيات وديوانيات ناجحة في السعودية والخليج (1)
بقلم: نجم عبد الكريم
المجالس في المملكة العربية السعودية قد أخذت عناوين وأسماء أصحابها، والأيام التي تعقد فيها: (أحادية راشد المبارك)، (اثنينية عبد المقصود خوجه) ـ في جدة ـ، (اثنينية عثمان الصالح) في الرياض، (أربعائية العشقي).. الخ.
وفي الكويت يسمونها الديوانية.. ولما كانت الديوانيات لا تسير على منهج منتظم، فقد تم الاتفاق بيني وبين مجموعة من المثقفين والإعلاميين، على أن نلتقي في كل يوم أربعاء، في بيتي، لنبحث في موضوع ثقافي أو فكري محدد.. ورحب بالفكرة الأديب عبد الرزاق البصير، والإعلامي رضا الفيلي، ونائب مدير وكالة الأنباء الكويتية أحمد دشتي، والأستاذ التربوي المعروف الدكتور محمد جواد رضا وغيرهم.
واستمرت جلساتنا لعدة أشهر، إلى أن تم غزو الكويت وحاولت في لندن أن أكرر التجربة نفسها، حيث أقمت في منزلي عدة ندوات (خميسية)، ساهم فيها: الطيب صالح، واللاذقاني، والقشطيني، وإياد أبو شقرا، وأحمد عباس صالح، والدكتور عباس مهاجراني، وكثيرون غيرهم.. ولكن للأسف لم نتمكن من الاستمرار لأسباب متعددة، رغم الرغبة الشديدة لدى الكثيرين من الأصدقاء!!
والمجالس في المملكة العربية السعودية تحتل مكاناً بارزاً من النشاطات الاجتماعية.. فإلى جانب مجالس الأمراء المفتوحة، والتي يتوافد عليها الناس، هناك المجالس الأخرى، التي كثيراً ما يلتقي فيها الأقارب، والأصدقاء، والضيوف، وهي مجالس مستمرة باعتبارها جزءاً من نسيج المجتمع السعودي.
ولكن ما نحن بصدده، هو تلك المجالس الخاصة التي تكاد تكون نخبوية، مثل (اثنينية) عبد المقصود خوجه في جدة، حيث صارت معلماً ثقافياً، يستضاف له في كل يوم اثنين أحد المثقفين من كتّاب وشعراء وقاصين، ورجال الإعلام، وقد تيسر لي أن ساهمت في أكثر من (اثنينية)، وأذكر في إحداها أن الخوجه كان يقيم حفلاً لنزيه عاشور، قنصل لبنان في جدة، عندما نقل عائداً إلى بلاده، فارتجل أحد الشعراء الحضور هذه الأبيات:
عاشور ضيفك أم رؤى لبنان
تغزو القلوب بحسنها الفتّان
إني أرى في القصر دوحة أرزة
وأشم بيروتاً بعبق عبيرها
في جدة فكلاهما إلفان
يتزينان من البحار قلائداً
وكلاهما للبحر ينتسبان
أما في الرياض فقد تيسر لي أن أحضر أكثر من مرة في (اثنينية) الأستاذ عثمان الصالح تحدَّث في إحداها الشيخ عبد العزيز التويجري عن تجربته في الكتابة، وخصوصاً مؤلفه الذي يتناول فيه لمحات من حياة الملك عبد العزيز رحمه الله، وكذلك حضرت تلك الأمسية التي تحدَّث فيها الأمير نواف بن فيصل عن الشباب وعن الحركة الرياضية.
أما (أحادية) الدكتور راشد المبارك، فإنها تتميز بكثافة حضور الأساتذة الجامعيين والأكاديميين، وقد كان معي في (أحادية) راشد المبارك الصديق شفيق الحوت الذي خرج مبهوراً بهذه الظاهرة، وتمنَّى لو أنها تسود العالم العربي.
ووجدت أن (أربعائية) العشقي غالباً ما يدور فيها البحث في الأمور الدينية، والفقهية.
ديوانيات الكويت تفتح في الأمسيات، وأحياناً في الأصابيح، ومؤخراً بدأت النساء تشارك بفتح ديوانيات لهن، وهي ليست مقتصرة على النساء فحسب، بل لكلا الجنسين، بدأت بتلك الظاهرة الدكتورة رشا الصباح، وكيلة وزارة التعليم العالي، لكنها ـ أي الظاهرة ـ ظلت محصورة في نطاق ضيق، ولم تتسع!!
والحديث عن ديوانيات الكويت قد يطول، ولكنني سأذكر نموذجين أحدهما الراحل عبد العزيز حسين، حيث كانت ديوانيته تعج بالأكاديميين وأساتذة الجامعة والمثقفين.. والثاني هو خالد سعود الزيد، الذي انتهى به المطاف بتركيز اهتمامه على التصوف، فكانت ديوانيته مقصداً لكل من يهتمون به.. ناهيك بديوانيات أخرى كانت أشبه بالمنابر السياسية.
والديوانية في الكويت، أصبحت تقليداً من تقاليدها، حيث تتم مناقشة الكثير من الأمور فيها. أما في الإمارات فإن مجلس العويس قد أفرز حدثاً هاماً وهو جائزة (سلطان العويس) التي أصبحت تمنح مليون دولار سنوياً للمبدعين في مجالات الثقافة المختلفة.
ويتحدثون في البحرين عن مجالس أدبية وثقافية، وخصوصاً في مكتبة (التاجر)، لكنها انقرضت، ولما سألت المرحوم إبراهيم العريض عن سبب انقراض الديوانيات الفكرية والأدبية في المجتمع البحريني، قال لي: إن هذا الأمر أصبحت تتولاه المؤسسات الرسمية والنوادي، ولم يعد من ضمن اهتمامات الأفراد.. وبالفعل فقد تأكدت من مقولة العريض عندما دعاني النادي الأهلي في المنامة لإلقاء محاضرة فيه.
وكما قلنا في بداية هذا الموضوع: إن الإنسان ككائن اجتماعي يستأنس بالالتقاء بكائن آخر، خصوصاً في العصور الأولى حين كان يبحث عن حل للغز معنى الحياة، فوق كوكبنا، فنجده يحاول مجتهداً فك طلاسم ذلك اللغز بالمناقشة، وبالحوار، مما أثرى الحياة الإنسانية بالأفكار والآراء التي أوصلت نتائجها الإنسان إلى ما هو عليه من التطور والرقي.
وهي المحاولات نفسها التي جعلت من سقراط يلتقي بتلامذته ومريديه بين معابد أثينا، ويطرح عليهم تساؤلاته، كي يثير فيهم مكامن شهوة المعرفة، والاستنباط.
وهي التي دفعت بالمعلم الأول أرسطو طاليس من اتخاذ مزرعة أكاديميوس مكاناً يطوف حوله مع تلامذته مشياً على الأقدام، لتنبثق بعد ذلك مدرسة المشائين، ثم تصبح كلمة (أكاديمية)، رمزاً لذلك الجهد الإنساني.
والحديث يطول عن الرواقية التي جعلت من اللذة أساساً للحياة، وكم لعب التجمع الإنساني أدواراً في رقي البشرية، في الحضارات العراقية والمصرية والإغريقية.. وإذا قفزنا عن ظروف تطور الفكر المسيحي، ووقفنا أمام العرب قبل الإسلام، سنكتشف أنهم كانوا يتميزون بهذا اللون من التجمعات والمنتديات كالمربد، وسوق عكاظ، ودار الندوة.
ولما منّ الله على البشرية بالإسلام، أصبح المسجد هو المكان الشرعي لمناقشة الأمور الحياتية كافة. وعلى امتداد الخلافتين الأموية والعباسية، وردت روايات كثيرة عن مجالس يجتمع فيها الناس ليبحثوا في القضايا الفكرية والثقافية.. ومعظم المأثورات العربية تنقل لقارئها ما كان يدور في تلك المجالس، إلى أن ضمرت عقب هيمنة الدولة العثمانية.
يقول المنظر الإعلامي (ويلبر شرام):
((إن العرب، والمسلمين منهم تحديداً، هم من أكثر الناس اتصالاً بعضهم ببعض، من دون أن تكون بينهم معرفة سابقة، فالواحد منهم عندما يقبل على جماعة، لا بد أن يبادرهم بالقول (السلام عليكم) فيردّون هم عليه بدورهم (عليكم السلام).. وهذه خاصة اتصالية يتميز بها العرب على غيرهم من الناس)).
وقد صدق المنظر الإعلامي في ما طرحه، فالمجالس، والديوانيات المنتشرة في الوطن العربي، لا تكتفي بردِّ السلام فحسب، بل يأتي بعد السلام النهوض فالمصافحة، فالعناق أحياناً.
نعود إلى المجالس أو الديوانيات ذات الطابع الأدبي، فنجدها ظلت مسكونة في وجدان المهاجرين العرب الذين أفرزوا لنا أدباً مهجرياً متميزاً بنكهته الخاصة؟
والحديث يتشعب بنا، لو وقفنا على تفاصيل المجالس التي كانت تعقد في الشام ومصر، والعراق، بالإضافة إلى ما جئنا عليه في مجالس الخليج.. فمجلس مي زيادة في مصر كان منتدى علم وأدب، حيث تعقد فيه حلقات في كل يوم ثلاثاء، ويتلهف على حضوره الكبار من الشخصيات، لدرجة أن الشاعر إسماعيل صبري قال فيه:
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقاً إلى الماء
إن لم أمتع بمي ناظري غداً
لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء
ولم يحظ مجلس بشهرة مجلس مي زيادة، سوى مجلس العقاد الذي كان يعقد في كل يوم جمعة، وقد أتيح لي أن أحضره عدة مرات بصحبة وكيل وزارة الإعلام الكويتي صالح شهاب، وانتهزت في إحدى الزيارات فرصة لأسجل للعقاد لقاءً إذاعياً لبرنامج أدبي كنت أقدمه.
وقد أفرد أنيس منصور كتاباً ضخماً عنوانه: (كانت لنا أيام في صالون العقاد).. صحيح أن أنيس تحدَّث عن نفسه أكثر مما تحدَّث عن العقاد، لكن الكتاب يعد وثيقة تؤرخ لهذا الصالون، وما كان يدور فيه من مناقشات.
* * *
إن ظاهرة (المجلس)، أو (الديوانية)، باتت مهددة بالانقراض أو على أقل تقدير، أنها ستقتصر على المناسبات، كالزواج، والأعياد، وفواتح الوفيات.. والمناسبات الاجتماعية الأخرى، بسبب إقبال الناس على وسائط الإعلام المختلفة كالتلفزيون والإنترنت. ولذا فعلينا أن ننتبه.. فإن الواجب يدعونا للحفاظ على المجلس، والديوانية.. لتبقى الظاهرة الاجتماعية الإنسانية، التي درجنا عليها.. منذ أن بدأ الإنسان يفكر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :415  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.