شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 17 ـ (1)
.. ومن غير البيئة العربية نلاحق.. في بساطة تامة.. الفكرة رمزاً.. والهدف إيحاء.. والخيال ضرباً من الاستحالة ننساق لتقبلها.. توصلاً إلى الغرض.. وختاماً للنهاية غير المرفوضة.
يحكى أن إحدى المدن الألمانية البائدة في عهد موغل في القدم عاشت تعاني مشكلتها الكبرى لا يشغل بال سكانها سواها.. ذلك أن بها من الفئران ما لا يعد ولا يحصى.. كميات آخذة دائماً في الزيادة.. وكيفيات متعددة متنوعة بالفأر الأبيض والأسود والضئيل والجسيم والطويل والقصيرة والأنثى والذكر وما بينهما والمسالم والمشاكس إلى آخر الأنواع والأصناف..
ولقد تسببت كثرة الفئران في جعل سكان المدينة لا يهنأون بطعام أو بشراب.. ولا بجلوس أو بنوم.. أو بأي نوع من أنواع الراحة وهدوء البال.. وحين أصبحت حياتهم جحيماً فأرياً لا يطاق تجمهروا أمام دار العمدة طالبين منه أن يجمع أعضاء مجلس المدينة ليتدبروا الأمر للوصول لحل يريح المدينة وأهلها من عناء وإرهاق الفئران المشاركين لهم في حياتهم.. أو أن يعتزلوا مناصبهم لتختار البلدة عمدة جديداً وأعضاء مجلس جدداً سواهم.
وعلى ذلك.. دعا العمدة الأعضاء وعقدوا مجلساً فوق العادة.. وبدأت الاقتراحات تتوالى.. فمن قائل لا بد من إيجاد مصائد كبيرة وحديثة.. ومن قائل لا بد من الحصول على نوع من السموم الفتّاكة. ومن قائل.. ينبغي تجنيد فرقة من الأهالي تخصص لمطاردة الفئران وقتلها بكل مكان.. وبينما العمدة يستعرض الآراء ويقدح زناد الفكر إذ طلب الإذن منه للمقابلة شخص غريب عن البلدة.. غريب في زيه وفي أطواره.. وحينما قابله واستنكر زيه عرف أنه زمار. وأنه سمع عن المشكلة الفأرية الكبرى.. وأنه على استعداد تام لتخليص المدينة وأهلها من فئرانها دفعة واحدة وبأقصر وقت وأسرع وسيلة.. ولكنه يطلب مقابل ذلك خمسمائة قطعة ذهبية من عملة البلدة.. فابتدأ العمدة المساومة من خمسين فما فوق.. والزمار مصر على الرقم الذي فرضه وحينذاك فكر العمدة في استحالة الإبادة السريعة وليست لدى الزمار أية آلة سوى مزماره.. فوافق على المبلغ.. وأعطى كلمته للزمار بتسليمه إياه حال إنهاء مهمته بالقضاء على الفئران كافة.
وعاد العمدة إلى المجلس المنعقد.. وخرج الزمار ينفخ في مزماره بنغمات خاصة.. ما راع الناس من تأثيرها إلا رؤيتهم للفئران تنصب من كل بيت وشارع وزقاق.. وكل جحر وركن وشق.. تنتظم جماعات وراء جماعات خلف الزمار الذي استمر ينفخ في مزماره بتلك النغمات الخاصة.. والقوافل الفئرانية بكل أشكالها وبجميع أصنافها وراءه.. حتى وصل إلى البحر وخاضه فعلاً.. فدخلته الفئران وراءه.. لتفرق آحاداً ومئات وآلافاً.. حتى لم يبق منها فأر واحد.
وبذلك أخذ السكان رجالاً ونساء وأطفالاً في الاحتفال بخلاصهم من مشكلتهم الكبيرة أروع احتفال.. ولكن حينما أتى الزمار إلى العمدة مطالباً بالخمسمائة قطعة ذهبية المتفق عليها أصر العمدة على دفع الخمسين فقط ولم يبال بتهديدات الزمار ولا بوعيده.. عائداً ثانية إلى المجلس المنعقد.. إلا أنه لم يكد يستقر به الجلوس حتى سمع نغمات جديدة من الزمار وقد انساب الأطفال من بنات وبنين وراءه يدقون الأرض بأقدامهم الصغيرة ويتابعون الأنغام بصفيرهم حتى تجاوز الزمار وجميع أطفال المدينة من ورائه حدود البلدة وأوغلوا في الخلاء.. هذا والعمدة يطمئن الأهالي على أطفالهم وأنهم سوف يعودون حتماً!
ولكن ما كان أشد هلع الناس وحزنهم حين غاب الزمار ووراءه كل أطفالهم بين جبل انشق من وسطه.. ثم عاد كما كان.. حيث كوّن هؤلاء الأطفال بعيداً.. بعيداً.. مدينة جديدة حديثة.. يسكنها جيل جديد.. لا صلة بينه وبين أهله في مدينتهم القديمة بكل ما فيها.. من ناس.. وعادات.. ومجالس.. وفئران.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :867  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.