شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 18 ـ (1)
وكانت للشعر في المجتمع العربي صيرورة وانتشار تولدت عنهما حيثية أدبية يستغلها ذو الجاه أو الشأن.. دعاية تطير بها شهرته ويثبت بها مركزه بين الناس.. أو يستعملها سلاحاً يشهره على أعدائه ومنافسيه ينتصر به عليهم بمقدار ما يؤثر ذلك في أقدارهم..
كما كان الشاعر العربي القديم يشعر في نفسه لنفسه بما يعود عليه.. ويجديه من شعره يعيش به بعضهم للتكسب وللارتزاق.. بينما يصعد به بعضهم.. نباهة قدر.. وذيوع صيت..
ويحتل الشعر فيما كان عليه إلى حد ما مكان الصحافة في دور من أدوارها الماضية.. رواية وصيرورة.. حل فيها حينذاك الصحفيون مكان أولئك الشعراء.. مراقي ومهابط مختلفة بالطبع!
ومثالنا اليوم على ما سلف ـ أعشى همدان ـ واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث.. ويكنى المصبح.. وهو شاعر كوفي فصيح.. وكان في صدر حياته أحد القرّاء للقرآن.. ولما كان عديلاً للشعبي عامر بن شراحيل زوج أخت زوجته فقد أتاه يوماً وقال له.. إنني رأيت كأني أدخلت بيتاً فيه حنطة وشعير.. وقيل لي.. خذ أيهما شئت.. فأخذت الشعير، فقال: إن صدقت رؤياك.. تركت القرآن وقراءته.. وقلت الشعر فكان ما قال..
وكانت نهايته أنه خرج مع ابن الأشعث فأتى به إلى الحجاج أسيراً في الأسرى.. فقتله صبراً.. وهو موضوعنا في أثر الشعر حينذاك ذاتياً لقائله.. وتأثيراً في سواه..
ويحكى ـ أن شجرة بن سليمان القبسي كان والياً من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي على بعض أعمال السواد.. وكان شجرة خياطاً في بدء حياته العملية..
وصادف أن عرضت لأعشى همدان حاجة فأتى إلى شجرة وسأله أن يعينه على قضاء حاجته هذه.. فردّه عنها ولم يستجب لطلبه ـ ولا لرجاله في قضائها.. فقال الأعشى يهجوه.. معيراً إياه بما فيه جرياً على العادة آنذاك.. باحتقار الصانع:
لقد كنت خياطاً.. فأصبحت فارساً
تعد.. إذا عد الفوارس من مضر
فإن كنت قد أنكرت هذا.. فقل كذا
وبين لي الجرح الذي كان قد دثر
وإصبعك الوسطى عليه شهيدة
وما ذاك إلا وخزها الثوب بالإبر!
ومرت فترة من الزمن.. حتى إذا قدم شجرة على الحجاج ذات يوم لاستلام عطائه قال له الحجاج.. أرني إصبعك لأنظر إليها.. فقال شجرة أصلح الله الأمير. وما تصنع بها؟ قال أنظر إلى صفة الأعشى ووصفه إياها.. فخجل شجرة.. فقال الحجاج لحاجبه.. من المعطى أن يعطى الأعشى من عطاء شجرة كذا.. وكذا.. ثم التفت إليه وقال:
يا شجرة.. إذا أتاك امرؤ ذو حسب ولسان.. فاستر عرضك منه!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :889  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 71 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.