شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 16 ـ (1)
.. للفكاهة لدى العرب أسوة بسواهم من الأمم تاريخها المروي مبعثراً بين الكتب وأمهاتها في روايات شتى.. ولقد ضحكوا ـ كغيرهم.. من فكهين هواة ـ أو محترفين وجدوا بالطبيعة للترفيه بعد عناء أعمال.. وفي أعقاب مهام ومشاكل..
ومجالس الخلفاء وأخبارها تحفل بهذه الطائفة.. بل لقد ظهروا في المجتمع العربي الإسلامي في وقت مبكر.. فقد ورد خبر نعيمان المزاح الذي أضحك النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وكان من البدريين.. ومنهم أبو علقمة وقد أضحك الناس بتقعره اللغوي، فإنه كان يستعمل لغة غريبة على أسماع الناس.. وأبو العير الذي يمثل إلى حد كبير فئة من المكتسبين بفكاهتهم وبحمقهم.. وكذلك أبو العيناء المشهور بسرعة خاطره وحسن جوابه ولطافة معشره.
ومن المشاهير في هذا الباب أبو دلامة.. زند بن الجون.. وهو كوفي أسود مولى لبني أسد.. كان أبوه عبداً لرجل منهم فأعتقه.. وأدرك آخر أيام بني أمية.. ولكنه في أيام بني العباس.. فقد مدح أبا جعفر المنصور ذاكراً قتله أبا مسلم الخراساني بقصيدة منها هذان البيتان:
أبا مسلم.. خوفتني القتل.. فانتحى
عليك بما خوفتني الأسد الورد
أبا مسلم.. ما غير اللَّه نعمة
على عبده.. حتى يغيرها العبد!
ومن أخباره.. أنه دخل على المهدي وهو يبكي فقال له.. ما لك؟.. أجاب: ماتت أم دلامة!.
وأنشد لنفسه رثاء فيها:
وكنا كزوج من قطا في مفازه
لدى خفض عيش ناعم مونق رغد
فأفردني ريب الزمان بصرفه
ولم أر شيئاً قط أوحش من فرد
فأمر له بثياب وطيب ودنانير.. وكان ذلك في نفس الوقت الذي دخلت فيه أم دلامة على الخيزران فأعلمتها أن أبا دلامة قد مات.. فأعطتها مثل ذلك.. وخرجت..
فلما التقى المهدي والخيزران عرفا حيلة الزوج والزوجة.. وجعلا يضحكان لذلك ويعجبان..
ولتمثيل حسن التخلص من مأزق حرج.. وبديهة الملكة الساخرة تقتص من نفسها حين يصعب عليها النيل من غير ذاتها يُحْكَى الآتي:
دخل أبو دلامة على المهدي وعنده إسماعيل بن محمد.. وموسى بن عيسى.. والعباس بن محمد.. ومحمد بن إبراهيم الإمام.. وجماعة من بني هاشم.. فقال له أنا أعطي الله عهداً لئن لم تهج واحداً ممن في البيت لأقطعن لسانك.. فنظر الجالسون إلى أبي دلامة.. فكان كلما بادل واحداً منهم النظر غمزه بعينه بأن عليه رضاه.. إن تجاوزه لسواه..
قال أبو دلامة.. فعلمت أني قد وقعت وأنها عزمة من عزمات المهدي لا بد منها.. فلم أر أحداً أحق بالهجاء مني ـ ولا داعي للسلامة من هجاء نفسي باعتباري واحداً ممن في البيت.. كما قال.. فقلت:
ألا أبلغ إليك أبا دلامة
فليس من الكرام.. ولا كرامة
إذا لبس العمامة.. كان قرداً
وخنزيراً.. إذا نزع العمامة
جمعت دمامة.. وجمعت لؤماً
كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا
فلا تفرح.. فقد دنت القيامة!؟
فضحك القوم.. ولم يبق أحد منهم إلا إجازه.. وقد تخلص هو من مطب عميق الهوة!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :920  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.