شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 13 ـ (1)
لقد تذكرت وأنا أهم الآن بسرد حكاية قصيرة تعطي المثال عن الغفلة والمغفلين.. نادرة واقعية حدثت في أول رحلة قديمة لنا إلى مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية.. وكنا أصدقاء ثلاثة من شباب هذا البلد.. في ذلك الوقت.. وصادفنا في شارع فؤاد أحد المواطنين وكان مثلنا يزور القاهرة لأول مرة، في حياته.
وأود أن أقرر قبل ذكرها أنه كان شاباً من أبناء البيوتات القديمة.. ثرياً.. أنيقاً.. لطيف المعشر.. صافي السريرة نقي القلب.. إلا أنه مع الأسف الشديد أمي العقل والفكر عاش في بلده لا يعرف إلا الخروج من باب الدار لباب المدرسة.. ليعود إليه كما ذهب منه وكما رجع منها ـ أبيض الذاكرة مقفل الذهن.. بكر البصيرة لم يفتضها علم.. أو يثبتها فهم..
الخلاصة أنه سلم علينا بحكم قرابته البعيدة لأحدنا.. وأنه من بلدنا.. ولما عرف أننا سندخل أحد المعارض الكبيرة لشراء حاجيات تلزمنا أبدى الرغبة في صحبتنا.. وحين وصلنا.. ودخلنا المعرض الكبير.. رأى دمية تمثل فتاة عليها بعض الأزياء النسائية للعرض.. كموديل غير بشري لها.. فأبى سلمه الله.. إلا أن يتمسك بالسنّة المباركة في إفشاء السلام.. فسلم عليها باعتبارها إحدى بنات آدم وأخواتنا في البشرية.. وطبعاً لم يظفر منها بجواب.. فبان على وجهه الضيق.. ولما سألته ماذا به.. وما دهاه؟ قال: تصور الأخلاق هنا.. لقد سلمت على هذه.. وأشار إلى الموديل ولكنها لم تتنازل لرد السلام علي.. فقرصته في كتفه.. ووشوشته.. قائلاً له.. إنها امتنعت عن ذلك لوجود محرم بجانبها.. وأشرت إلى موديل بجانبها.. يمثل شاباً عليه بعض الملابس.. لعرضها كأزياء حديثة للرجال..
ولقد تداولنا الرواية فيما بعد بيننا باعتبارها مثلاًً محسوساً.. وبرهاناً مادياً على صدق بعض النوادر القديمة جداً.. والمبثوثة في بعض الكتب التي ربما حين يقرأها أحدنا يستنكر المبالغة فيها.. وعدم جواز ورودها عن أنماط من الناس اختلطت لديهم البلادة الذهنية.. باهتزاز الذاكرة.. بالتسريح.. رغم الطيبة.. وسلامة النية..
فمثلاً.. كان أحدهم قائماً يصلي.. فأخذ قوم بجواره في المسجد يصفونه بالصلاح وبالتقوى.. فقطع الصلاة.. وقال: وأنا مع هذا صائم اليوم..
ومنهم.. من دعا.. فقال اللَّهم اغفر لي.. ولأمي ولأختي، ولامرأتي.. فقيل له.. لم تركت ذكر أبيك.. فقال: لأنه مات وأنا صبي لم أدركه.
ومنهم.. من جاء إليه جماعة يسألونه المساعدة في كفن جار له مات.. فقال.. ما عندي الآن شيء.. ولكن تعالوا في يوم آخر فربما تيسر عندي شيء مما تطلبونه.. فقالوا له:
فهل نملحه.. إلى أن يتيسر عندك شيء؟..
وعلى ما سلف ذكره..
يحكى أن مغفلاً كان يسوق عشرة حمير.. فركب واحداً منها وعدها.. فإذا هي تسعة حمير.. ونزل فعدها فوجدها عشرة حمير.. فركب وعاود الكرة.. فوجدها حسب حسابه.. تسعة حمير.. حتى إذا نزل أخيراً وعدها فإذا هي عشرة حمير.. بالتمام وبالكمال.
فقال: لا.. الأحسن لي أن أمشي على قدمي وأربح حماراً.. خير كثيراً من أن أركب وأخسر حماراً..
وهكذا.. قطع المسافة على قدميه حتى بلغ قريته متعباً.. محموماً.. مشرفاً على الهلاك..!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :788  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 66 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.