شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 12 ـ (1)
هناك مثل شعبي يقول.. بنت تخرب بنت.. وولد يخرب ولد.. ويعنون بذلك تأثير رفاق السوء.. في مجال العشرة اليومية.. حيث تقذفه المصادفة السيئة بالشباب السقيم أصلاً في طريقهم.. فيكون بدء سقوطه في الهاوية.. مناسبة طارئة.. أو معرفة عابرة..
ويساعد على الخراب السلوكي.. دائماً وكعامل هام.. حنان الأم في غير محله.. والأداة البسيطة تكون.. وتبقى.. مدار الانحراف المتصل..
ويحكى أنه كانت هناك منذ ربع قرن صداقة قوية ربطت أواصر الولاء والحب بين كل من هلال وصالح.. زميليْ دراسة بفصل واحد.. من مدرسة واحدة.. وقد اعتاد كل منهما في كل ليلة.. أن يكون في بيته.. قبل غروب الشمس.. عادة درج عليها الصبيان والشباب في الأجيال الماضية.. وإلى عهد غير بعيد.. لا ينحرفون عنها.. ولا يتهاون أولياء أمورهم في الإصرار على المواظبة عليها.
ومرت الأيام والشهور والأعوام.. وهما كذلك.. حتى تعارفا ببعض الشباب بمناسبة مدرسية عامة.. ولم يمض على هذا التعارف حين من الوقت حتى دعاهما إلى حفلة سمر.. فيها سماع.. وائتناس.. ومتاع.. فأما صالح فقد رفض الدعوة إطلاقاً.. وأما هلال فقد أغرته أخيلة اليفاعة.. ورؤى المتعة في ألوان جديدة من حياة جديدة فاستجاب للدعوة.. وذهب إلى تلك السهرة..
وكان أبوه صاحب متجر لا يتأخر أبداً عن الحضور لداره بعد صلاة العشاء جماعة في المسجد.. ولما وصل البيت ولم يجد ابنه فيه كالعادة.. بقي هو وزوجته والدة هلال قلقين كل القلق على ابنهما.. يذهب بهما الحب والخيال والفزع كل مذهب.. خشية حدوث مكروه له.. ولهذا فما إن عاد هلال بعد مضي جزء من الليل حتى انهار عليه والده لأول مرة شتماً وتقريعاً.. فضرباً مبرحاً وضع فيه كل آثار مخاوفه السابقة عليه.. وزلزلته.. وحرق دمه وأعصابه في انتظاره.. وقامت الأم بدور الشفيع.. والحامي..
وفي اليوم التالي.. ومع الأيام بدأت الجفوة تأخذ طريقها بين صديقي العمر هلال الذي يؤمن بأنه لا بد للشاب من معرفة الحياة الجديدة.. والتعامل مع الجوانب السرية والسردابية منها.. وصالح الذي أصر على أن في طلب هذه المعرفة.. وذلك التعامل.. بدء الانهيار.. وإن من الخير لصاحبه أن يبتعد عن قرناء السوء.. ونصحه.. بما يستشهد به تقليدياً في هذا الباب.. مثل:
عن المرء لا تسأل.. وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
ومثل: قل لي من صاحبك.. أقل لك من أنت؟.. وهكذا افترقا..
وتكررت الدعوات لهلال ـ فالسهرات.. وساقه الإغراء وضعف المقاومة إلى قبولها.. فالمواظبة عليها.. وحينذاك لم يجد بداً من اللجوء لوالدته يرجوها ويتوسل إليها تيسير الخروج والعودة دون علم الأب.. فهداها حنانها الأعمى إلى المشاركة في ترتيب وتدبير الخطة.. فقد أعطته مفتاح الباب الخارجي للبيت.. وأوصته أن يحضر قبل المغرب في ميعاده حتى إذا أوى أبوه إلى فراشه.. وهو إلى غرفته.. تسلل ثانية منها للخارج.. وسمر.. ثم عاد على خفة وهدوء ففتح الباب.
وسارت الخطة سيرتها.. وبقي المفتاح الخارجي مع هلال.. وسرى الفساد في دمه.. وأدمن الانحراف.. ومات أبوه.. واستلم المتجر. فنقل السمر علانية إلى الدار حيث يقيم هو وأمه.. وأفنى في سهراته الحمراء والسوداء ما خلفه أبوه.. بين دموع والدته.. دعاء عليه مرة.. ودعاء له مرات..
ومالت رقاب الأيام.. ودارت طواحين الهواء.. أياماً.. فشهوراً.. فأعواماً.. فإذا هلال في نهاية المطاف يصبح سائق سيارة.. ثم عاملاً في محطة بنزين..
ومنذ شهرين مر صالح الصديق القديم بالمحطة ليملأ خزان سيارته الخاصة بنزيناً فإذا هو أمام زميل الصبا.. ورفيق الشباب.. فما إن رآه حتى تحرك الماضي.. كعقارب الساعة ثم وقف حيث تقابلا وجهاً لوجه.. وتعانقا.. وتحادثا.. ثم اتفقا على أن يعمل هلال سائقاً خاصاً لدى صالح على شرط واحد. هو:
ألا يكون لبيت هلال إلا مفتاح واحد.. لا ينام إلا بعد وضعه تحت الوسادة. تحت رأسه.. وذلك بعد أن يتمم ليلياً على وجود ابنه الطالب بالإعدادية محمد هلال.. بالدار..
وركبا سوية أحدهما أمام الدريكسون وثانيهما بجواره.. وهما يتذكران ويضحكان..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :815  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 65 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج