شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 11 ـ (1)
وفي تاريخنا الشعبي.. رغم محدوديته.. وضيقه.. بعض الحكايا.. أو الأقاصيص.. أو الحواديت.. ولكنها للأسف لا تعبر إلا تعبيراً جسدياً محضاً.. لا رمزياً.. أو معنوياً.. رقيق الدلالة.. رشيق المضمون..
كما أن أغلب ما يتناوله.. هو موضوع الجن.. والعفريت.. والدجيرة.. وذلك بحكم الظلم الدامس لا تقوى.. على تبديده.. شهقات الفوانيس.. أو آلات الشموع.. أو أنفاس لمبات الغاز.. والمشاعل.. فالعفاريت والجن والأشباح عامة.. رفقاء الظلام.. طريد النور.
ويحكى أنه كانت هناك.. بالقرب من سوق العلوي بمحلة اليمن بمدينة جدة.. طاحونة.. وبها ملحق يعتبر سكناً خاصاً وهو مؤلف من غرفة.. وبيت ماء.. ولقد دأب مالكها على عرضها للإيجار لمن يرغب.. متكتماً عيبها.. وسبب العزوف عنها أول الأمر.. حتى استفاض الخبر.. وتواترت الرواية.. وعرف الناس عنها ما جهد صاحبها في أن يجعله سراً مكتوماً..
ذلك أنه لا يكاد يستأجر تلك الطاحونة أحد من الناس.. ويقضي ليلته الأولى بها حتى يصبح اليوم الثاني.. وهو إما أصيب بلوثة في عقله ـ أو بعاهة في جسمه.. أو بذهول وبخرس لا يفهم معهما ماذا جرى عليه..
وعم الخبر أهل الحارة جميعاً.. وبقيت الطاحونة مهجورة.. بل وأطلق عليها اسم ((الطاحونة المسكونة)) حيث تحاشى معظم الأفراد المرور من جانبها وبالأخص في الليل.. زيادة في التحوط.. وإمعاناً في الخشية.
وسمعت بالأمر الست ((ظريفة)) وهي عجوز وحيدة.. ورقيقة الحال.. تأوي في طرف من أطراف خرابة كبيرة.. حيث تبيع الدنجوه.. واليوبر.. وبعض الحلويات وألعاب الأطفال.. فتقدمت لمالك الطاحونة تسأله أن يسمح لها بالسكنى بطاحونته.. وباستغلالها تجارياً من قبلها بعد تصفية موجوداتها.. على شرط أن تسكنها مجاناً لعام واحد.. ثم تفرض لها أجرة معقولة.. فقبل المالك شاكراً لها هذا العرض الكريم.. وهكذا انتقلت الست ظريفة للطاحونة المسكونة.. وكان ذلك حدثاً هاماً في تاريخ الحارة.. وتحدياً لم تقدر عليه الرجال..
وبدأت ظريفة ليلتها الأولى.. بعد إكمال نهارها.. فبعد أن صلت المغرب.. هيأت العشاء، ثم تناولته.. ولم تلاحظ أي شيء.. حتى إذا صلت العشاء، وتهيأت للنوم ولم يكد يستغرقها برز لها عفريت مشوّه الوجه والملامح.. عملاق.. قوي البنية.. وصرخ فيها قائلاً: شغليني.. شغليني.. شغليني.. وليكن معلوماً لديك أنه إذا عجزت عن إيجاد شغلة جديدة لي فسيحصل لك ما لا تحمد عقباه.
فقالت له الست ظريفة.. نظف الطاحونة.. فأتم نظافتها في لمح البصر فطلبت منه أن يبني الجزء المتهدم من الحوش.. فأكمله حالاً.. فسألته أن يحل محل الدابة ويطحن الموجود من أكياس الحب وسواها.. فأنهى ذلك في دقائق معدودات.. وصرخ بها.. شغليني.. فركبها الذعر أول الأمر.. ثم فكرت.. واستراحت لفكرتها..
وهنالك.. انطرحت أرضاً.. ونامت على جنبها الأيمن.. وأعطت العفريت مروحة يد تكروني.. وأشارت له إلى أذنها اليسرى.. وقالت له:
روح على هذا الخرق.. حتى تسده وأخذ العفريت يروح.. ويعاين فتحة الأذن بين ساعة وأخرى فيجد الخرق على حاله.. لم ينسد.. وابتدأ يتململ ثم أدركه التعب وهو لا يزال مستمراً في الترويح.. دون انقطاع.. بينما استغرقت الست ظريفة في نومها المتصل العميق..
وعلى وجه الفجر.. وقد بلغ الإعياء والضجر بالعفريت منتهاهما.. انقلبت الست ظريفة فجأة على جانبها الأيسر.. مرسلة بطبيعتها ريحاً ذا صوت عالٍ.. وممطوط.. فشهق العفريت.. وصرخ ما هذا؟..
فأشارت إلى فتحة أذنها اليمنى وأجابته:
هادا خرق.. ثاني.. يا الله.. روح.. روح..
هنالك.. أطلق العفريت ساقيه للريح.. وصاح بها:
وداعاً.. وداعاً.. فلن أعود إليك.. أبداً.. لأنه لا علم لي ولا قدرة لدي .. على سد الخروق..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :888  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.