الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > - 10 -

ـ 10 ـ ⁽¹⁾

لفظ الفكاهة في ذاته يعطينا فكرة لازمة إيجابية من ناحية المحادثة الأخوية الضاحكة.. والضاحكة ذاتها لنادرة.. أو لنكتة.. أو ما شابههما.. كما يعطينا فكرة متعدية سلبية من ناحية المفهوم الدال على أن التفكه في ذاته تناول وتجريح لأعراض ولعيوب ولمفارقات الناس..

ورغم تباين الصور في معنى الفكاهة تجني عليه اللفظة تعريفاً لغوياً.. أو علمياً.. أو مفهوماً شائعاً مع غموض المؤدَّى الواحد في اشتقاقه.. أو وضوحاً عرفاً سائداً ومتداولاً بين الناس.. فإنها ـ الفكاهة ـ محطة إنسانية يقف بها الفرد مزوّداً بطاقة نفسية جديدة تعينه على هضم أسى.. أو إشاعة فرحة.. أو غسيل قلب..

والمبالغة أحياناً أساس لها.. لكن مع تجاوز المعقول فإننا نرتاح للصورة متى جاءت فنية محبوكة في بابها.. فمثلاً.. قالوا.. إن جماعة شاهدوا مؤذناً يؤذن من ورقة مكتوبة.. فقالوا له.. أما تحفظ الأذان.. قال.. سلوا الإمام.. فأتوه.. فقالوا السلام عليكم.. فأخرج دفتراً وتصفحه.. ثم قال.. وعليكم السلام.. فعذروا المؤذن!

والركوب على أكتاف الأغبياء الحمقى.. أحياناً.. مرقاة طبيعية للوصول للفكاهة.. اختراعاً أو تلفيقاً يصوّر الأساس كيفما كان.. فمثلاً: دخل رجل من النوكى ـ الحمقى ـ على الشعبي وهو جالس مع امرأته.. فقال: أيكما الشعبي ـ فقال: هذه! فقال ما تقول أصلحك الله في رجل شتمني أول يوم من رمضان.. هل يؤجر؟.. قال.. إن قال لك: يا أحمق فإني أرجو له..

ومثلاً.. قال أبو دمية الفاص.. كان اسم الذئب الذي أكل يوسف ((هملاج)).. فقالوا له إن يوسف لم يأكله الذئب.. قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف..

وأخونا العتابي الشاعر المسترسل البليغ.. واسمه كلثوم.. وهو صاحب المحاورة القصيرة بينه وبين الموصلي الذي أخبره أن اسمه هو الآخر.. كل بصل.. صاحب نوادر طريفة.. ومنها ما حكاه عثمان الوراق قال:

رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب مدينة مشهورة.. فقلت له: ويحك أما تستحي؟.. فقال لي.. أرأيت لو كنا في دار فيها بقر.. أكنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك؟.. قلت:لا. قال: فاصبر.. حتى أعلمك أنهم بقر..

فقام.. فوعظ.. وقص.. ودعا.. حتى كثر الزحام عليه.. ثم قال لهم:

روى لنا غير واحد.. إنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يطأ النار!..

فما بقي واحد منهم إلا وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة أنفه.. ويقدر هل يبلغها أم لا؟..

فلما تفرقوا.. التفت العتابي لصاحبه ـ قائلاً: ألم أخبرك أنهم بقر..

* * *