شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفى به الدكتور محمد بن سعد بن حسين ))
قبل أن يتحدث المحتفى به الدكتور محمد بن سعد بن حسين اعتذر عريف الأمسية نيابة عن الدكتور عبد الله المعطاني عن وهمه في أن كتاب "أبي الشمقمق" هو من تأليف الدكتور محمد بن سعد بن حسين، في حين أن مؤلف الكتاب المذكور هو الدكتور محمد بن سعد الشويعر، وبعدئذٍ ألقى الدكتور محمد بن سعد بن حسين كلمته شكر فيها مضيفه والحضور وشرح جانباً كبيراً من سيرته الذاتية وجهاده في سبيل الحصول على العلم فقال:
 
- بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين.
- الواقع أني لا أريد أن أقف فيكم خطيباً ولا محاضراً، فتلك مواقف قد مللتها وملتني، أو بعبارة أخرى اشتقت إلى الانعتاق من قيدها وبخاصة أني في هذه الصفوة من رجال الفكر والأدب الذين ليسوا في حاجة إلى تجديد أسلوب الحديث والإِتيان بما ينفض الملالة ويدفع الطلالة عن النفس.
- فهذه مجالات طال وقوف رجال الفكر فيها وإن كان الحيز لا يمل، ولكن سبل التجديد تجدد الحب والشوق إلى منابر العلم ما من ذلك شك. ولكن هل يوجد لدي من أسباب التجديد شيء؟ هل في حياتي فعلاً ما هو جدير بالحديث؟ هذه الأحاديث التي أضفاها عليَّ إخواني حُللاً من الثناء الجميل الذي أشك في أنني قد حصلت ولو على يسير منها. هذا الثناء الجيد الذي أشكر فيه كل واحد منهم باسمه، وأكرر لهم الشكر في هذا، والذين جعلوا في سيرتي أشياء كبيرة جديرة بأن تكون موضوع حديث جعلتني أخجل كثيراً، وجعلت ما في ذهني يتبدد لأني وجدت أني أقل بكثير مما ذكروا وإنهم قد استسمنوا ذا ورم.
- أما سعادة الشيخ عبد المقصود فلست أدري كيف نقدم له الشكر وبأي لسان؟ هذا الرجل الذي سنَّ فينا سنَّة لم يسبق على مثلها إلاَّ ما كان من عمل أبيه رحمه الله الذي سنَّ الاحتفال بأهل الفكر والأدب من قصائد بيت الله الحرام، فصارت سنَّة يذكر بها وتذكر به. ثم جاء ابنه البار لأبيه ولمجتمعه ليجدد هذا العمل وإن كان في صورة أكبر، لكن يظل للأب فضل السبق والشبل من ذاك الأسد كما يقولون.
- لست أدري ما إذا كان في حياتي شيء يستحق أن يذكر؟ فكل ما في حياتي سيرة طالب علم قضى حياته مع العلم ومع الكتاب منذ الصغر، وظل طالب علم وسيظل كذلك، سيظل مصاحباً للكتاب مازال حياً، لست أدري ما إذا كان في سيرتي ما يستحق الحديث أكثر من هذا؟
- طالب علم خرج من قريته إلى مدينة بعد النزوح إليها في تلك الأيام غربةً وهي مدينة الرياض، ثم أبعد به الطموح في طلب العلم فرحل إلى الحجاز وعاش بها فترة بين علماء الحرم المكي الشريف، وأساتذة دار التوحيد بالطائف.
- الواقع أنه كان لي ذكريات جميلة في الحجاز وبخاصة في جدة ومكة وطائف، عشتها جميلة، وظلت تعيش في ذهني جميلة تمدني إذا كان في قولي شيء من الجمال فإن جله إن لم يكن كله من ذلك المصدر الذي نهلت منه في صباي.
- ولست أدري ما إذا كان ذكر الذكريات يجدي في مثل هذا المقام؟ لكن في واقع الأمر سأتحدث عن أشياء يسيرة ليست من ذكرياتي، لأن حديثي عن ذكرياتي في الواقع يعد حديثاً عن النفس. وهذا أمر ربما استسمجه كثيرون، ثم إنه قد يثقل على كثيرين أيضاً، ولذا فإني سأتحدث عن أشياء تتصل بأمور أخرى ذات طابع عام.
- الواقع أنني عندما كنت طالباً كانت لي بعض إسهامات في ميادين التعليم، وكانت بدايتها عندما تعلمت طريقة برايل (1) ، وكنت أول من تعلمها في المملكة على يد طالب سعودي الجنسية، ولكنه يعيش في العراق، جاء ليدرس في المعهد العلمي بالرياض فكان يأتي إلى بيتي سراً لأن الناس كانوا ينظرون إلى طريقة برايل في تلك الأيام على أنها شيء منكر، ربما كان فيها شيء من السحر، ولذلك كان يأتي إليَّ سراً في البيت، وعلمني هذه الطريقة.
- بقي معي نصف شهر تقريباً، ثم بعد ذلك واصلت أنا بنفسي تمرين نفسي بشيء من الجلد والصبر، ثم عزمت على نشرها ين المكفوفين في هذه البلاد.
 
- في سنة 1373زرت الحجاز وحنيني إليها كلما بعدت عنها يشتد وما منا أحد معشر المسلمين والعرب إلاَّ وصدره ملئَ بالحنين إلى الحجاز، وقد قابلت في زيارتي لمكة المكرمة ذلك العام أحد إخواننا المكفوفين فأخبرته بهذه الطريقة، وبدأت أعلمه فمر بنا الأستاذ عبد الله عريف رحمه الله، فأدرك بحسه الصحفي الدقيق والثاقب أننا نمارس شيئاً جديداً، فوقف ثم سألني ما هذا؟ فقلت له هذه طريقة برايل يعني النقط البارزة والحروف البارزة لتعليم المكفوفين، فأخذني إلى مكتبه، وسألني بعضاً من الأسئلة ونشرها في صحيفة البلاد السعودية إذ ذاك. وكان ذلك أول خبر ينشر عن وجود هذه الطريقة في المملكة. ثم إستأذنت من الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم رحمه الله بأن أفتح فصولاً في الفترة المسائية في كلية اللغة العربية لتعليم المكفوفين فأقرَّ لي بذلك وبدأت التعليم، ثم طلبت من الأستاذ عبد الله الغانم أن يشاركني في هذا، فأقبل على الأمر أيضاً، وأذكر أني كنت أسهر الليل لأكتب لستة عشر طالباً، كل واحد أكتب له ورقتين تدريبات أكتبها في الليل، ثم أدرب هؤلاء عليها في العصر، ثم طاب لي وأنا في السنة الرابعة من كلية اللغة العربية أن أدرس الإِنجليزية، وكنت أيضاً ادرس السنة النهائية في الكلية، فكان أمراً شاقاً عليَّ أن أدرس الصبح في الكلية، وبعد المغرب والعشاء أدرس في المدرسة اللغة الإِنجليزية، وإن كنت في الواقع أهملتها فيما بعد وذلك أمرا يؤسف له. وفي العصر أعلم المكفوفين، فوجدت أن هذا مرهق وأنه ربما يحول دوني ودون إنهاء الدراسة في الكلية، فتركت الأمر لعبد الله الغانم بعد ما اعترفت وزارة المعارف بتعليم المكفوفين. ومنحتني مدرسة يدرس فيها الطلبة، وكانت مدرسة سعيد بن جبير المعروفة بمدرسة جبرة في الرياض. هناك أيضاً جانب آخر. بالطبع أنا واصلت متابعة الآلة الكاتبة ومازلت أتابعها حتى الآن، ولدي من الأجهزة المتطورة أحدث الأجهزة وبخاصة هذا الكومبيوتر الذي يحول طريقة برايل من طريق جهاز خاص إلى آلة كاتبة بطريقة المبصرين، وإن كنت لست في حاجة إلى هذا في الواقع على ما ستعرفون، وعلى ما أشار إليه إخواني... أيضاً عندما كنت طالباً في الكلية اتفقت أنا وبعض من زملائي على افتتاح مدرسة ليلية لتعليم بعض الراغبين في إتمام الدراسة الابتدائية، وهم يشتغلون في الوظائف فافتتحنا أولى المدارس الليلية في الرياض، وكان في فصول المدرسة المحمدية وموقعها في الميدان الواقع بين دخنة والمقيبرة (2) الآن.
 
- في سنة 75 راق لي أن أحاول تجربة جديدة أيضاً وهي تعلم الآلة الكاتبة. آلة المبصرين، وكان هناك معهد يسمونه المعهد السعودي لتعليم الآلة الكاتبة في شارع محمد عبد الوهاب وهو الشارع الذي يربط بين ميدان دخنة وميدان الصفاة. فالتحقت فيها أياماً ما لست أدري الآن أكانت نصف شهر أم أكثر بقليل؟ ثم اشتريت لي آلة على الرغم من غلاء الريال عندنا تلك الأيام، وبدأت أدرب نفسي على هذه الآلة في البيت، فأصبحت أكتب ما أريد بطريقة المبصرين أو بطريقة المكفوفين، ولعل الذي حملني على تعلم آلة المبصرين في الواقع أن آلات المكفوفين في تلك الأيام كانت بطيئة وليست كما هي الآن. ولم تتوفر الآلات التي نراها الآن فمثلاً كتابة حرف الظاء الذي يتكون من ست نقط بآلة المكفوفين تضطرني إلى غرس القلم ست مرات لكي تخرج بظاء. فوجدت أن هذا يطيل العملية، فبدأت أفكر لماذا لا أتعلم طريقة المبصرين؟ والحمد لله نجحت فيها. أما ميلي إلى الأدب فقد بدأ في الواقع في وقت مبكر جداً من حياتي، كان ذلك عندما كنت أسمع في المسجد الحديث عما يرد في كتب الوعظ، وما يقوله الواعظون من رجال السلف الصالح الذين كانوا يستشهدون حيناً بأبيات تطربك وإن قصدوا بها أشياء أخرى، فمثلاً:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فقم فاعتلف تبناً فأنت حمار
 
أو:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى
فأنت وعِيرٌ في الفَلاةِ سواء
 
- يستشهدون بهذا للتدليل على معاني سامية في أذهانهم هم لكننا نتلقف هذه الأبيات فتروقنا ربما في بعض الأوقات من وجه لم يقصد إليه أولئك الأئمة، وربما في وقت آخر نفهم مقاصد أولئك الفضلاء من أئمة السلف من أمثال ابن القيم، وابن تميمة، وابن رجب، وأمثال هؤلاء من العلماء الفضلاء. لكن اهتمامي بالأدب الاهتمام الجاد إنما كان بعد صلتي ببعض شيوخي من أمثال الدكتور عبد السلام سرحان رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والدكتور محمد فرج العقدة رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.
- هؤلاء نبهوني على أن الأدب شيء غير ما كنت أفهمه عندما كنت أقرأ لطائف العارف لابن رجب أو مفتاح دار السعادة لابن القيم أو ما أشبه ذلك، وبدأت أهتم بالأدب وأبحث عن كتبٍ في وقت مبكر من أيام دراستي، فقرأت للرافعي، وللمنفلوطي، ولطه حسين، ولزكي مبارك، وللزيات، وقرأت أيضاً لابن رشيق وللجاحظ، وكل ذلك وأنا فيما يقابل الأولى متوسطة، وكنت إذ ذاك في دار التوحيد، وكانت المكتبات العامرة في الطائف، وعلى أبواب الحرم الشريف، كنا نأتي ونتزود منها بالكتب، وكنا نفضل الكتاب على قوت اليوم في الواقع.. ولذلك والحمد لله عندي كثير من تلك الكتب في طبعاتها الأولى والتي اشتريتها في تلك الأيام.
- الشيخ الدكتور محمود فرج العقدة رحمه الله، من الرجال الذين تركوا أثراً في حياتي أثراً كبيراً جداً، وكذلك الدكتور عبد السلام سرحان. ولا بأس أن أحكي لكم عن الدكتور عبد السلام سرحان. مما يخفف طول الحديث وثقله عليكم.
- عندما تقدمت لدار التوحيد أريد الالتحاق بدار التوحيد حوَّلني الشيخ عبد العزيز بن مانع رحمه الله وأسكنه جنانه إلى أستاذين جليلين لا أدري إذا كانا على قيد الحياة أو اختارهما الله؟ هما صالح خزامي، وإبراهيم نوري.. فاختبراني فلما حكما عليَّ بالرسوب.. خرجت متضايقاً وكان معي بعض الإِخوان الذين رسبوا. فلاقاني الشيخ محمد بن مانع عند الباب.. وقال لي: ماذا صنعتم؟ قلت له: لقد رسبنا يا شيخنا.. قال: لا.. من يدرس في الحرم وعلى محمد بن إبراهيم يرسب؟! فاصطحبنا معه ثم استدعى الشيخ صالح خزامي والشيخ إبراهيم نوري وطلب منهما أن يعطيانا مهلة أسبوع فذهبنا إلى الحرم واستأجرنا رجلاً لا أريد أن أذكر اسمه. كان شاباً في تلك الأيام، وكان يشتغل بطوافة الحجاج والمعتمرين، استأجرناه ليعلِّمنا شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، فكان يقرأ علينا في ابن عقيل، وبعد قليل ينسلّ إلينا النوم فيذهب ويطوف، ثم يعود ويوقظنا ويقول تمت الساعات المتفق عليها.
- المهم أن ربنا سبحانه وتعالى قيض لنا النجاح والتحقت بدار التوحيد، وجاء درس الإِنشاء وما أدراك ما الإِنشاء، أنا لا أعرف شيئاً اسمه الإِنشاء. فذهبت إلى السوق ووجدت كتاباً فيه موضوعات إنشائية نسيت عنوانه.. لكنه مجلد ضخم فاشتريته، واستعنت به في السرقة منه. وكان الأستاذ.. الدكتور عبد السلام سرحان هو مدرِّس الإِنشاء رحمه الله، ولم يكن صوته وهيبته بأقل ضخامة من ذقنه في الطول والعرض، جاء وأخذ ينادينا واحداً واحداً قائلاً: من الذي أخذ عشرة؟ من الذي أخذ تسعة.. إلى أن وصل إلى خمسة فقال: من الذي أخذ خمسة؟ فسكتُّ، لأنني الوحيد الذي أخذ خمس درجات، فكرِّرها ثم قال: مَنْ هو محمد بن حسين؟ قلت له: نعم يا أستاذ.. قال: أنت أخذت خمسة؟ قلت له: أبداً.. أنا ما كتبت وأنا سأقدم كراستي غداً قال: كتبت.. قلت له: ما كتبت.. قال: تقسم قلت له: لا والله إذا وصلت المسألة إلى القسم فقد كتبت ولكن لم تعجبني الدرجة لأنها أقل من درجات زملائي. فوبَّخني على سلوكي، ومنذ تلك الساعة كرهت حضور حصته بل أهرب من المدرسة من مهرب ضيق يمكن من يريد الهروب من الانتفاع به.
- وفي ذات يوم رصد لي وجاء وأمسكني بأنفي وصار يجرني إلى الفصل، وبالطبع نحن ورثنا من آبائنا احترام العلماء واحترام شيوخنا وإجلالهم وإن ضربونا وأهانونا إلاَّ فالإِمساك بالأنف ليس باليسير، فانقدت له، وكان أن تبين خطأه رحمه الله، فأخذ يثني عليَّ ثناءاً حتى جعلني وكأني من الناس الكبار في العلم، فخجلت منه وصرت أحاول الكتابة فكان ذلك بداية معرفتي كيف أكتب.
- ثم جاء من بعده أستاذ اسمه علي كرسون، وكنا في درس الإِنشاء ولم يكن هناك من يكتب لي. وكان قد رأى معي "المعذبون في الأرض" لطه حسين فاستأذنته في الخروج فقال: لا أمنعك ولا آذن لك بالخروج فقلت: هذا لا يجوز، ولكني جلست لأني لا أستطيع ما دام لم يأذن لي. فجاء وجلس إلى جانبي وقال: إذن هل قرأت كتاباً عنوانه المعذبون؟ قلت له: نعم. فقال لي: لا تستصغر فكرك أمام أي فكر.
- نعود إلى الدكتور محمود فرج العقدة، هذا الرجل من الرجال الذين أحببتهم، وكان يدرسنا الأدب في كلية اللغة العربية في الرياض وقبل أن أذكر هذا الأمر أقول لكم: إني لو تحدثت لكم عن ذكرياتي مع أساتذتي أولئك العلماء الفضلاء الذين كانوا يأتون بهم من كليات الأزهر ليدرسونا في دار التوحيد، لطال بنا الوقت ولكن أقتصر على من لهم شأن كبير.
- الشيخ محمود فرج العقدة.. هذا رجل تقي زاهد وورع، وهو من أساتذة الأدب رحمه الله واسكنه فسيح جناته، الرجل الذي نبَّهني إلى شيء كان يجب أن أنتبه إليه من زمن وأنا طالب ذلك الشيء هو الأدب السعودي، هذا الرجل الذي حثني على الالتفات إلى الأدب السعودي والاهتمام به هو الشيخ محمود فرج العقدة.
- أهداني هذا الرجل كتابين.. أولهما التيارات الأدبية للأستاذ عبد الله عبد الجبار، وثانيهما وحي الصحراء لمحمد سعيد عبد المقصود خوجه، وعبد الله بلخير. نبهني هذا الإِهداء اللطيف وإن لم يقل لي شيئاً في هذا إلى أن هناك مجالاً يجب أن أهتم به. ومن هنا بدأ اهتمامي بالأدب السعودي. واستطعت والحمد لله أن أخدم الأدب السعودي الخدمة التي أستطيعها.
 
- ولا أريد أن أذكر لكم ما بذلته في هذا لأني لا أريد أن أثني على نفسي بأكثر مما أثنيت، ولا أريد أن أثقل أدمغتكم بالكلام الذي قد لا تكون له فائدة.
 
- من منطلق هذه الهدية المشتملة على كتاب "وحي الصحراء" بدأت صلتي بالشيخ محمد سعيد عبد المقصود خوجه. كان اهتمامي به وأنا طالب، ولكن شغلتني أمور وهموم وأشياء أخرى لا أريد أن أذكرها هنا، ثم فرغت للتنقيب عن أعمال هذا الرجل، وبدأت أصور كل ما في صحف المملكة من كتاباته وما كتب عنه، ووجدتني أمام ثورة هائلة في الأدب والتاريخ والاجتماع والأماكن والبقاع، وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي كل من جوانب حياتنا، لأن الرجل كان رجل مجتمع.
- وجمعت هذه الأعمال وأخذت أصنف فيها وأنا أتلمس أخبار هذا الرجل ولم أجد من يرشدني إلى هذا الرجل ولا من يمدني ولو بأخبار يسيرة عنه.
 
- وكتبت بحثاً يسيراً في مجلة كلية اللغة العربية عن "وحي الصحراء"، ووقع في يد أحد الفضلاء الذين كانوا يعملون مع الشيخ عبد المقصود فقال لي: هل لقيت ابنه؟ وهل تعرف ابنه؟ فخجلت وتضاءلت حتى ظننت أني لم أعد موجوداً.
 
- رجل له أثر كبير في مجال الأدب والفكر ثم لا أهتدي إلى ابنه.. ولا تكون لي صلة بابنه.. فقلت في خجل: لا والله، لكن لو تفضلت فأخذت لي منه موعداً أكون لك من الشاكرين وأردفت قائلاً: ولكن هل أنت متأكد أنه ابن محمد سعيد عبد المقصود خوجه؟ فأجابني: نعم.. بسرعة تم الاتصال بالشيخ عبد المقصود الذي استجاب وأعطاني موعداً وأنصفني من وقته ومنحني ما لديه من خبر وأثر ودلَّني على بعض الفضلاء فاستطعت أن أجمع عن هذا الرجل شيئاً وإن كان لدي أشياء قد وعدت في إخراجها في كتاب أكبر من هذا إن شاء الله. لقد قلت لكم في بداية حديثي إني أود أن أستبد بالحديث وأن يكون حديثي معكم حواراً نبيح لأنفسنا مقاطعة المتحدث بالسؤال والاعتراض فأنا ممن يرى جدوى مثل هذا النقاش وممن يتسع صدره للاعتراضات والانتقادات التي قد يرد عليها وقد لا يرد، ولكن على أية حال ألفت مع أبنائي أن أقول لهم أولاً مهمتي معكم الإِجابة على الأسئلة، فإذا كان لأحد من إخواننا نقاش حول أية نقطة أو اعتراض أو ما إلى ذلك فلعل في صدري من الرحابة شيئاً مما ذكره شاعرنا الهارب (3) ، وأقول الهارب لأنه تركنا في الرياض وجاء إلى هنا لعله يحاول أن يجذبنا، وإن كانت قلوبنا مجذوبة إلى هذه البلاد في الواقع ومشدودة إليها دائماً.
 
- أقول: لا أدَّعي أنني رحب الصدر وإنما أتمنى أن أكون ذلك مستقبلاً ولكم أن تناقشوني فيما شئتم وتعترضوا على ما شئتم ولا اعتراض لي على هذا إطلاقا.
 
- الذي أود أن أختم قولي به هو تجديد الشكر لرائد هذه الاثنينية، هذا الرجل الذي سن هذه السنَّة التي لم يسبقه إليها غيره وأعطاها من وقته ما هو أغلى من كل شيء. وما ذاك إلاَّ من منطلق حبه للفكر وخدمة الفكر. وإنما يخدم الفكر، وإنما يحب الفكر، وإنما يخلص للفكر الرجال الفضلاء كبار النفوس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :613  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 187 من 230
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج