شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كيف نعذر من شجعوا على ثقافة التشدد وانحازوا للرأي الواحد؟
يجب أن نكون صرحاء مع أنفسنا قبل أن نكون كذلك مع الآخرين فالأزمة التي نعيشها - اليوم - على أكثر من صعيد - وذلك لا يمثل عيباً أو نقيصة فجميع أمم الأرض تعيش أزمات وتمر بظروف صعبة - إن هذه الأزمة تتلخص في دور (الكلمة). (فالكلمة) التي جاء بها الإسلام هي مفردة مترسخة في قاموس الحب والوئام وحسن الظن، والكلمة التي نهى عنها وحذر منها ديننا هي كلمة الغلظة والجفوة وسوء الظن أو افتراضه على أكثر من صعيد، ولقد وحد المغفور له الملك عبد العزيز - رحمه الله - هذه الأرض بمفردات في غاية السمو والشفافية - وواجه كلمات التشدد والانحراف التي برزت قبل - حوالي سبعين عاماً - والتي تتصل برأي فئة متشددة إزاء وسائل الحضارة المعاصرة، قابلها - رحمه الله - بعدم الانصياع لتلك الفئة فلقد كان يدرك - رحمه الله - حجم الخسارة التي سوف تنتج من الانسياق وراء هذا التشدد أو مداهمته، فبرزت أسماء وقامات شامخة في ميدان الثقافة الإسلامية معروفة باعتدالها من أمثال المشائخ، عبد الله بن بليهد، وعبد الله بن حسن آل الشيخ، وحسن المشاط، وعباس مالكي وعبد الله خياط وصالح الزغيبي وألفا هاشم وعبد المؤمن وعبد الظاهر أبو السمح ومحمد بن مانع، وعبد الرزاق حمزة، وطاهر الدباغ، وأبو بكر داغستاني - رحمهم الله - وأن الناس لتترحم في هذا البلد على جيل من العلماء الربانيين الذين آمنوا بوحدة الوطن، وحذروا من الانسياق وراء العصبيات القبلية والنزعات الفئوية المضللة، وتعاملوا مع مدارس الفكر الإسلامي المتعددة بكثير من سعة الأفق ورحابة الصدر، فلم يمنع مثلاً: عالم (مالكي) متعمق مثل الشيخ عمر بن حمدان المحرسي - رحمه الله - من الاختلاف مع معاصريه من أقطاب المدرسة المالكية في قضية الإسبال في الصلاة، وكان فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح - إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف - يسمح لأتباع مدرسة الإمام أبي حنيفة ومنهم الشيخ الحافظ عباس القارىء من أداء صلاة الوتر على المذهب الحنفي بعد انقضاء صلاة الجماعة في شهر رمضان المبارك، وأتذكر هذا الأمر الذي كان يجري على مسمع ومشهد الجميع على مقربة من خوخة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وقام فضيلة الشيخ عبد الله الخليفي - رحمه الله - أحد أئمة المسجد الحرام بأداء دعاء القنوت في صلاة الصبح جرياً على رأي مدرسة الإمام الشافعي حتى يوضح للناس بأن دعاء القنوت له أوقات مختلفة، ولم يمنع أخذ الشيخ الخليفي بمذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - على الأخذ برأي آخر معتمد وله دلالته على احترام الرأي الآخر ولا أعرف ما هي ردة فعل بعض طلاب العلم المتشددين لو سمعوا إماماً يجهر بالبسملة في الصلاة على رأي الإمام الشافعي، أو أنهم رأوا فضيلة الشيخ الرَّباني عبد العزيز بن باز - رحمه الله - يقف مسلماً على القبر الشريف، وهو ليس في حالة سفر بل في حالة إقامة حيث كان رئيساً للجامعة الإسلامية بالمدينة؟ ترى ما هو قولهم؟ وهل يشكك أحد في مرجعية هؤلاء العلماء الدينية؟ ولقد نقل إليَّ من أثق فيه أن أحد طلاب العلم في مكة المكرمة يبحث عن المساجد التي تصلي صلاة التراويح عشرين ركعة فيكتب لجهات دينية مسؤولة عن فساد الإمام الذي لا يأخذ برأي محدث العصر في صلاة التراويح - إحدى عشرة ركعة فقط - مع أن إجماع المسلمين على عشرين ركعة ثم يوتر بصلاة، فلقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الأول من الفتاوى (ثبت أن (أبي بن كعب) كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان ويوتر بثلاث فرأى الكثير من العلماء أنه هو السنة لأنه قام بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر)، وفي مجموع الفتاوى النجدية (إن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ذكر في جوابه عن عدد ركعات التراويح - أن - عمر - رضي الله عنه، لما جمع الناس على أبي بن كعب كانت صلاتهم عشرين ركعة) وصلاة التراويح من عهد الصحابة - رضي الله عنهم - إلى هذا العصر الذي نعيشه - تصلى في المسجدين الشريفين عشرين ركعة، فكيف نحاسب إمام مسجد آخر على عدم أخذه برأي محدث العصر - على زعمهم - والمسجدان الشريفان يسيران على ما يسير عليه المسلمون في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
إني قصدت بإيراد هذه القضية أي صلاة التراويح والخلاف فيها موجود - كمثال حي فقط إلا أن الأمر تطور إلى حد غريب، فوجدنا من بعض طلاب العلم من ينسبون إلى الضلالة كل من صلى صلاة التراويح عشرين ركعة ووصل بهم التشدد إلى أن يشبهوا الزيادة في التراويح على إحدى عشرة ركعة بمن يصلي الظهر خمس ركعات وسنة الفجر أربع ركعات، ولقد قرأت هذا القول الخطير الذي يدل على قصور في الفهم وانغلاق في التفكير، وانتصار للرأي الغريب والشاذ، يقول من غذوا فكر التشدد في بلادنا (ما مثل من يزيد في التراويح على عشرين ركعة إلا كمن يصلي صلاة يخالف فيها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المنقولة عنه بالأسانيد الصحيحة، فهو كمن يصلي الظهر خمساً، وسنة الفجر أربعاً وكمن يصلي بركوعين وسجدات).
يقول الشيخ محمد علي الصابوني في كتابه القيم (الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح) تعليقاً على هذا الرأي الغريب وهذا أوضح في الجهل وسوء الفهم من الشمس في رابعة النهار! إذ كيف يسوغ لعالم يدعي المعرفة والنبوغ، بل ويزعم الاجتهاد في أمور الدين، أن يقيس الفريضة على النافلة ويجعل الزيادة في صلاة قيام رمضان كالزيادة في الصلاة المفروضة) ص82، ولنشاهد آثار مثل هذا التعصب على أبنائنا، فإذا رأى الشاب الذي ليس له من علوم الشريعة وأحكامها نصيب - أن أباه وأمه يصليان صلاة التراويح عشرين ركعة ولا يأخذان برأي شيخه - الغريب - مع أن المسألة تدخل في باب النافلة - إذا رآهما الابن أو الابنة على ذلك اتهمهما في عقيدتهما لأن شيخه قاس الفريضة على الناقلة) فوهم هذا الابن أو تلك الابنة بأن التقصير في هذه المسألة يدخل في باب الأعيان والفروض، ومن هنا يشق عصا الطاعة، ويحيل البيت إلى ساحة للخصام والشقاق، ثم يزيد أن شيخه أفتى له بأن لبس الذهب للمرأة حرام، مع إجماع الفقهاء على جواز لبس الذهب للنساء، فإذا رأى مثلاً - والدته تلبس شيئاً من حليها خاصمها وربما لج في خصومته، ومن هنا تتأسس مشكلة العصيان والخروج على المجتمع بداية من المنزل وانتهاء بما هو أشد وأعظم، لذا فإنه يفترض محاسبة من تسببوا وما زالوا يعملون على نشر ثقافة التشدد والانغلاق المنطلقة من رأي آحادي عقيم في قضايا ليس لها صلة بما هو معروف من الدين بالضرورة بل في أمور فرعية محضة وهذا الذي عرضنا له جزء يسير من مشكلة حقيقية نعاني منها في ساحة الثقافة والفكر ولقد حان وقت المصارحة والمكاشفة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :596  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 339 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .