شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الطيب في علاقات حرجة وانعكاسات المشهد الحضاري والفكري
سعادة الأخ الكريم الأستاذ محمد سعيد الطيب - الثلوثية
لقد كنت - دوماً - الحفيّ بالكتاب، يوم أعطيته انطلاقته الحقيقية في بلادنا، وإن لم يؤازرك - يومها - واقع ثقافتنا وفكرنا، فارتفعت أصوات (العدّال) من كل مكان تلومك على ما فعلت وكنت وما زلت أقول إنه لولا تلك المبادرة الجريئة لما عرف جيل اليوم ما يفترض أن يعرفه ولو في - الحد الأدنى - عن شحاته والعوَّاد، وعبد الله عبد الجبّار، وغيرهم.
ونظرت إلى الكتاب الذي أهديت - متفضلاً - وظننت أن (علاقات حرجة) من تأليفك، فإذا أنت الذي قدّمت للكتاب، ثم قدمته للزملاء في الساحة وغاب عن الفعل الجميل مؤلفه، وتلك مأساة (المؤلفين) الذين يصعدون السُّلمَ في الزمن الصعب أو الحرج.
قرأت المقدمة يا عزيزنا كما ألمحت في الإهداء (بشويش)، ووجدت أن نصيحتك في محلها... فتوقفت كثيراً عند قولك (إننا بحاجة إلى استراتيجية إعلامية عربية جديدة، تتعامل مع هذا الواقع بفكر متفتح وخطة إعلامية جادة لا تقتات من إرثها الإعلامي العتيق الذي يعتمد على مخاطبة الذات)... أخي... أبا الشيماء... إن السياق الحضاري والفكري الذي تعيشه الأمة - منذ زمن - هو السبب وراء هذا التخلف أو التعثر أو التشنج الإعلامي الذي أشرت إليه في عبارات مكثفة وموحية بل وموجعة، وما أحوج الأمة إلى الألم الذي - ربما - قادها إلى الاستيقاظ من هذا السبات الطويل، نعم... عزيزي... لقد فاتنا أننا رمينا وراء ظهورنا مفردات الحضارة التي ورثنا إياها هذا الدين الخاتم والذي اختار له جزيرة العرب موطناً ومنطلقاً، ليس كخاصية لما يزعم أحدهم في تلك السلالة النقية من دماء الروم والعلوج كما فجعنا به أحدهم فيما أطلق عليه (خصائص الجزيرة العربية)، وقاد الهوى مؤسسة رسمية لنشره والترويج له، وهذا يعني أننا نخرج من تاريخنا قسراً بحسب رأي الكاتب: ابن المقفع، وابن قتيبة، والغزالي، وابن سينا، والفارابي، والرازي وحتى أحمد شوقي - لينعم هو - ومناصروه - بالسلالة النقية من الدماء المختلطة. كانت مفردات حضارتنا تعني باحترام الرأي الآخر فلم نسمع عن لغة التكفير التي سادت إلا في العصور المتأخرة والتي توسعت فيها دائرة نشر العلم والثقافة، إلا أنها استغنت عن تلك الروح التي سادت والتي عبر عنها سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما سُئل عن الخوارج، هل هم كفار: فقال ما معناه: هم من الكفر فروا، ثم سُئل هل هم منافقون، فقال ما معناه - إن المنافقين لا يصلون كثيراً وهؤلاء يقومون الليل ويصلون كثيراً، فقالوا مخاطبين خريج مدرسة النبوة الصادقة: إذاً من هم؟ فكان رد ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم (هم إخواننا بغوا أو خرجوا علينا)، وهي المفردات التي عبر عنها الخليفة أبو جعفر المنصور والذي خاطب جلساءه مادحاً زهد العالم المعتزلي المشهور عمر بن عبيد فقال في حقه: (كلكم طالب صيد إلا عمرو بن عبيد)، وروى بعض أصحاب الحديث عن ابن عبيد هذا، و السؤال الذي نبحث يا أبا الشيماء عنه سوية: ماذا لو وجد هذا الرجل - بعلمه وزهده أو قيمته الفكرية والعلمية - في هذا العصر... هل سوف تكون فرصة لنلتف حوله أو نأخذ عنه أم أن التهمة سوف تكون جاهزة... ودعني اختلف معك يا أبا الشيماء وأعلم أن صدرك يتسع لهذا وسواه في داخل مجلسك أو خارجه.
إن ما نشاهده اليوم من سوق الناس في الولايات المتحدة إلى الأقفاص والزنزانات وافتقار محاكمة المتهمين كما ذكرت إلى الحد الأدنى من العدالة أو مقومات الحياة إن هذا وسواه ليس بغريب على الحضارة الغربية المادية، فهي ألقت القنابل على هيروشيما ونجازاكي، وهي التي حاولت أن تبيد شعب فيتنام، وهي التي قتلت الأبرياء في حادثة صيد الحمام في دنشواي، وهي التي أذاقت عمر المختار صنوف العذاب من فوق المشانق، وهي التي كانت وما زالت تنظر إلى جرائم (بيجن) و(شامير) و(شارون) في (دير ياسين)، (وكفر قاسم)، و(قبية)، و(صبرا وشاتيلا) و(قانا)، نعم: إنها تنظر إليها أو من خلال بعض دوائرها المتخصصة بكثير من الإعجاب، فمرأى الدماء - غير اليهودية والمسيحية - لا يثير شفقة ولا يستحق إدانة، نعم: إنها حضارة المادة والتي نشأت بعيداً عن الدين، ويفترض علينا بعد هذه العقود الطويلة من التعامل مع الغرب أن ندرك بأن مفاهيم الشفقة والرحمة والعدالة هي أساس حضارة هذا الدين الإسلامي ولكننا مطالبون بأن نجسدها في سلوكياتنا إزاء بعضنا البعض، كما فعل ذلك سيد البشرية محمد بن عبد الله عليه صلاة الله وسلامه وصحابته والتابعون من بعدهم، وكان تجسيدهم لها عن صدق هو القوة الحقيقية وراء انتشار هذا الدين العظيم حتى عند أصحاب الشعور الشقراء، والعيون الزرقاء، والبشرة البيضاء، فهم لم يسمعوا كلمة أعلاج وروم، والتي جاءت للأسف من أحد المحسوبين على العلم وأهله يقول حامل لواء السلالة النقية (وعليه فينبغي سد منافذ التهجين لأول رائد للإسلام: العرق العربي، لتبقى سلاسل النسب صافية من الدحل، وملامح العرب سالمة من سحنة العلوج والعجم، صانها الله من تلكم الأذايا والبلايا)... ترى إلى أي اتجاه نسير، وأي الطرق نتخير ونريد؟ وتحت أي (الرايات نقاوم؟) وترى ماذا نحن قائلون لأمهات المؤمنات الطاهرات من أمثال مارية القبطية وصفية بنت حيي بن أخطب،وأنّى لنا بهذا الأسلوب الانتقائي والشاذ نفاخر بأنه في تاريخنا الحضاري - العظيم - تزوجت زينب بنت جحش الهاشمية بـ (زيد بن حارثة) الذي سمي لعظم منزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (حِبّ رسول الله)، وهو الذي عقد اللواء - بعد انتقال الحبيب إلى الرفيق الأعلى - لابنه أسامة على جيوش العرب النقية كما تقول المرجعية الجديدة، فقاد الصحابي الهاشمي عبد الله بن عباس رضي الله عنه خطام ناقته، وقال الحبر قولته المشهورة (هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا)؟ وإنني لأحس بشخص الصحابي - الذي قطع الفيافي والمسافات - باحثاً عن نبي آخر الزمان حتى استقر به المقام بالمدينة التي لا يطيب للبعض حتى أن نصفها (بالمنورة)، إنني لأحس بسيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه يعاتبنا بشدة على هذا المنحى الخطير جداً ويقول ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقي: سلمان منا أهل البيت، وعلى هذا النهج سار الصحابي الجليل عمر بن الخطاب فقال أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا... يعني بلال بن رباح رضي الله عنه.
شكراً... أبا الشيماء... فلقد أخذت بنصيحتك في الالتزام بالقراءة المتأنية وكان الفضل بعد الله لك في هذه الشجون والتباريح المؤلمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :649  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 340 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج