شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إدوارد سعيد بين عداء لويس وتنظيرات القشطيني
التاريخ هو الأول من سبتمبر 2003م. الموافق لـ 4 رجب 1424هـ، والمطبوعة هي صحيفة (الشرق الأوسط الدولية)، والكاتب هو الصحافي خالد القشطيني، والموضوع يحمل عنواناً مثيراً (إدوارد سعيد يفوته القطار)، وذلك يعني أن القشطيني الذي كتب مقالة يهاجم فيها إدوارد سعيد الذي عاش في الغرب أكثر مما عاش القشطيني، واعترفت به المؤسسات الغربية أستاذاً ومحاضراً وناقداً ومنظراً وموسيقياً... مما لم يحظ به أي أكاديمي أو كاتب في هذا العصر قد حاول - أي القشطيني - أن ينال من النسر الشامخ وهو جريح، وغضب القشطيني يتركز بأن سعيد الذي يتحدث من منابر غربية معروفة يؤكد على أن الوجود الأمريكي في العراق ما هو إلا ضرب من ضروب الإمبريالية بينما يصر القشطيني في رومانسية حالمة وعجيبة بأن رامسفيلد الوزير الأمريكي وشرذمته من المحافظين المسيحيين الجدد والمؤمنين بالمشروع اليهودي في فلسطين ما جاؤوا إلا لإنقاذ الأمة وجعل هذه البقعة نبراساً ومثالاً للديموقراطية الغربية الموعودة بمعنى أنه ليس لديهم أي أطماع رأسمالية ومادية وهذا ما تعترف به المؤسسات الأمريكية نفسها بينما ينفيه القشطيني الذي يزعم أنه بذل جميع سني حياته أكثر مما بذله (سعيد) لتطوير العالم العربي وتحديثه وعلى الكاتب القشطيني الذي اختار وقتاً مريحاً له للهجوم الجارح على (سعيد) وهي الأيام الأخيرة من حياة هذا المفكر العربي بل العالمي الكبير، نعم لقد وجب على القشطيني أن يبرهن على أنه حمل الراية لتطوير العالم العربي بينما اكتفى الآخرون بالمشاركة في هذه المسيرة المباركة التي قادها بمفرده (انظر: الشرق الأوسط، الاثنين 1/9/2003م ص 19).
لقد تعرض (سعيد) لنقد وهجوم وشتيمة من أساطين الاستشراق في العصر الحديث وفي مقدمتهم الكاتب الصهيوني واليهودي برنارد لويس كما هاجمه أصحاب التوجهات الماركسية في العالم العربي من أمثال صادق جلال العظم والذي أزعجته مقولة إدوارد سعيد في كتابه ذائع الصيت (الاستشراق) والذي صدر سنة 1978م. والتي ذكر فيها أن التحليلات الاقتصادية التي قدمها (كارل ماركس) حول آسيا تتلاءم تماماً وكلياً مع المشروعات الاستشراقية العادية وقد ضمن (العظم) دفاعه عن الماركسية التي اعتبرها (سعيد) لا تختلف عن الرأسمالية في رؤيتها للشرق واستغلالها له سياسياً واقتصادياً كتابه الموسوم (الاستشراق والاستشراك معكوساً) والصادر عن (دار الحداثة في بيروت).
ولقد أشاد (سعيد) في كتابه (الاستشراق) بالمفكر الغربي نورمان دانيال والذي اعترف بأن أحد القيود التي أثرت على المفكرين المسيحيين الذين حاولوا فهم الإسلام كان قيداً مصدره منطق المشابهة، إذ بما أن المسيح هو الأساس الذي يقوم عليه الإيمان المسيحي افترض هؤلاء المفكرون خطأ أن موقع محمد من الإسلام هو كموقع المسيح من المسيحية، ومن هنا جاءت تسمية الإسلام باسم مثير للجدل وهو المحمدية.
وبهذا يكون (سعيد) الذي دافع عن حضارة الإسلام دفاعاً عقلياً ومنطقياً قد استشرف الوضع العالمي قبل ما يقرب من ربع قرن من الزمن، وهي أن العامل الديني يلعب دوراً كبيراً في رؤية الغرب للعالم العربي و الإسلام، كما وضح (سعيد) أيضاً دور وسائل الإعلام الغربية في تشويه صورة العربي والمسلم من خلال كتابه الذي أصدره في بداية الثمانينيات الميلادية وهو (تغطية الإسلام) ولم يحل وجود (سعيد) في الغرب دون دفاعه عن قضيته الوطنية (فلسطين) والتي غادرها إلى المنفى سنة 1947م وكان عمره آنذاك حوالي 12 عاماً لأنه ولد في القدس سنة 1935م، وعندما قام سعيد بتثبيت هويته الفلسطينية من خلال كتابه الذي أصدره باللغة الإنجليزية بعنوان (بعد السماء الأخيرة) (1986، (Faber and faber واسم الكتاب مأخوذ من أبيات للشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش والتي يقول فيها:
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة.
أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة.
وهي تشكل مقطعاً شعرياً من قصيدته التي أبدعها بعد خروج منظمة التحرير من بيروت في سبتمبر 1982م بعد تثبيت (سعيد) لهويته الفلسطينية المقدسة شنت عليه بعض الدوريات الصهيونية هجوماً شديداً إلى الحد الذي زعمت فيه أن أسرته لم تكن تملك داراً خاصة بها في مدينة (القدس) مما يوضح الهوس الصهيوني الشديد بأسطورة أرض الميعاد. وإذا كان السلوك يعد معياراً أساسياً في تحديد هوية المثقف، فإن (سعيد) لم يمنعه حمله للجنسية الأمريكية وتدريسه في أرض جامعاتها من زيارة الجنوب اللبناني بعد تحريره ومشاركة عامة الناس فرحتهم وسرورهم برحيل العدو بعد عقدين من الزمن ولم يسلم بعد هذا الموقف الوطني من حملة صهيونية شرسة ولكنه لم يعبأ بها، وكان بإمكان سعيد أن يفعل مثل عدد كبير من العرب الذين هاجروا ونزحوا ونسوا أرضهم وقضيتهم ولكنه بحكم ضميره الإنساني المتوهج آثر أن يكون مدافعاً عن قضيته وهويته وتراثه وحضارته إلى آخر أيام حياته وهذا هو النضال حقاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :625  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 338 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.