شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الديالكتيك المتداعي وآثاره في فكر محمد أركون
جاء زمن كنا نشكو فيه من الاستشراق وظلمه المتمثل في تلك التصورات الخاطئة عن الإِسلام، وحضارته، وتاريخه، ومع هذا فلقد وجد بين هؤلاء المستشرقين من كان منصفاً في تقييمه للحضارة الإِسلامية، عادلاً عند تعرضه لتلك الإِنجازات التي قام بها علماء الإِسلام في مختلف ميادين المعرفة. ولكننا بلينا في عصرنا الحاضر بأقوام من بني جلدتنا ينصبون أنفسهم للحديث عن الفكر الإِسلامي في جامعات الغرب ومنتدياته، وليس لهم من هدف إلا التقليل من معطيات الحضارة الإِسلامية، وبصورة أكثر سوءاً وسلبية من المحاولات الاستشراقية التي عرف المسلمون بواعثها الحقيقية وعملوا على تعريتها وتفنيدها. محمد أركون واحد من هؤلاء، يتحدث يوماً بصوت السياسي، ويجادل يوماً آخر بصفة المفكر، ولا يتورع من أن يضع نفسه موضع الفقيه الذي يرجع إليه الناس طالبين رأيه فيما يعترض حياتهم من مشكلات وقضايا، وهو شيء لم يسمع الناس به من قبل ولو تحدث إليهم أحد بهذا الأمر لعدّوا ذلك ضرباً من الأسطورة أو الخيال اللذين يرفضهما الواقع رفضاً باتاً ولا يمكن لمقتضيات العقل وحيثيات المنطق أن تتعامل معهما بتلك الجدية التي يمكنها أن تتعامل بها مع حقائق الأشياء والمستندة إلى الضوابط التي لا يختلف الناس حولها مهما تنوّعت آراؤهم واختلفت توجهاتهم الفكرية.
ـ لقد كان آخر ما تمخض عنه فكر ((أركون)) الذي لا يترك مناسبة دون أن يؤكد فيها على عروبته وإسلامه، ولا نعرف أي نوع من أنواع العروبة يقصد، أما الإِسلام فإن ما يدعو إليه أركون بين الفينة والأخرى من مقولات يتعارض كلياً مع حقائق هذا الدين وشريعته الخالدة - نعم كان آخر ما تمخض عنه هذا الفكر السقيم هو تلك المقولة الفاسدة التي تضمنها موضوعه المنشور في صحيفة البيان المغربية، وعلّق عليها ملحق الفكر الإِسلامي بصحيفة العلم ((أركون بين الفتنة والجنون، بقلم فريد بن عدي)) العدد 2341 محرم 1412هـ ولقد قال أركون: إن ((التراث العربي الإِسلامي أسطورة)) وليس محتوى علمياً.
ـ إن أركون الذي يحاضر في بعض جامعات الغرب يمكنه الرجوع إلى ما كتبه بعض مفكري الغرب وعلمائه عن دور التراث الإِسلامي في مسيرة الحضارة الإِنسانية ولولا هذا التراث لتوقفت هذه المسيرة ولما تمكن إنسان هذا العصر من الاستفادة من المعطيات الحضارية المتعددة، بل إن كبرى جامعات الغرب تحتفي بين الحين والآخر بذكرى علماء الحضارة الإِسلامية من أمثال ((ابن سينا والفارابي والرازي وابن خلدون والإِمام أبي حامد الغزالي وابن رشد)) وغيرهم ممن لا تخفى أسماؤهم على أركون الذي يتخبط في آرائه التي يعتبر من العبث الوقوف عندها، أو محاورته حولها، ولكن افتتان البعض من أبناء الأمتين الإِسلامية والعربية بآرائه الشاذة دفعنا إلى الإِشارة إلى مثل هذا الفكر الذي لا يحتوي حقيقة على ما يمكن أن يطلق عليه مسمى فكر أو ثقافة، ولا بد أيضاً من فهم السياق الفكري الذي تصدر عنه مثل هذه المقولات، فهذا السياق العام يرتكز بصورة رئيسة على الفكر الماركسي الذي ما زال أركون مفتوناً به ومشدوداً إلى مرتكزاته التي أثبت الواقع تهافتها وتناقضها مع الفطرة البشرية، فنحن نجده يشيد بروّاد هذا الفكر قائلاً: ((إن ماركس، ونيتشه وفرويد يمثلون القيمة، وماركس هو الفيلسوف الذي وفر لنا بروز الفكر الجدلي، الذي ينطبق على دور الاقتصاد في التاريخ)) غربال الديالكتيك.
ولم يقتصر أركون على الإِشادة بماركس وفلسفته المادية ولكنه كثيراً ما يستخدم مبادئ الفلسفة الماركسية في تحليلاته وقراءته للفكر الإِسلامي مثل ((صراع الشداد)) و ((حركة التاريخ)) و ((فلسفة التناقض)) . وأركون في هذا المنحى لا يختلف عن تلك الزمرة المحسوبة ظلماً على الفكرين العربي والإِسلامي، والتي ما إن تتلقف شيئاً من الفكر الغربي أو تطلع عليه حتى تبدأ ترديده دون وعي وإدراك، فكيف إذا كان هذا الشيء الذي تلوك ألسنتها به أضحى في الفكر الغربي نفسه من مخلفات الماضي، بل إن المفكرين الغربيين ليخجلون من الإِشارة إليه بعد سقوط الحكم الماركسي والذي لم يكن إلا وهماً كبيراً يعيش بين دفات الكتب وفي رؤوس الفئة المستفيدة وحدها من كدح الفئات المسحوقة في المجتمع واستخدامهم متى شاؤوا في إذكاء روح الصراع في تلك المجتمعات التي ما انكشف الغطاء عنها حتى بدت لاهثة متعبة تبحث عن الحد الأدنى من تطلعاتها ورغباتها المشروعة. ثم إن هذه الزمرة التي يحلو لها الحديث بين الحين والآخر عن عالمنا الذي تنتسب إليه بالاسم فقط، بينما هي في واقع الأمر بعيدة كل البعد عن معايشة واقعه وتفهم الظروف المحيطة به حتى يكون حديثها عنه مبنياً على أسس وضوابط علمية تمكّنها من الاقتراب من تلك المنهجية التي تتهم الجانب الآخر بعدم التزامه بها. هذه الزمرة تتغافل عن أمر في غاية الأهمية وهو أنه لا يمكننا أن نطبق المقاييس التي هي من نتاج الفكر الغربي في هذا العصر على العصور الأوروبية الوسطى مثلاً، وهذا أمر لا يختلف عليه أحد وتحكم به بدهيات المنطق وأولياته المعروفة للناس جميعاً حتى وإن تباينوا في منطلقاتهم وتعددت آراؤهم الفكرية والثقافية فكيف إذا سعت الزمرة الأركونية إلى تطبيق الديالكتيك ((الماركسي)) على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في الفكر الإِسلامي، وإذا كان المحتوى العلمي من وجهة نظرها يرتكز أساساً على اللسانيات الحديثة وعلى وجه التحديد لسانيات ((بنفينست وتشومسكي)) .
إن ذلك - بلا شك - يعد من الظلم والإجحاف الكبيرين، ولهذا فلا غرابة من أن تأتي أحكامهم جائرة وآراؤهم مضطربة ولا غرو أن يغمطوا تراث هذه الأمة حقه، فالرؤية الواضحة لا يمكن أن تصدر عن نفوس يملؤها الحقد على مجتمعاتها وتتحكم فيها الآراء الجاهزة والمقاييس المحدودة العاجزة عن استيعاب المفاهيم الحضارية لكل أمة على حدة والتعامل مع تلك الخصائص التي تتميز بها المجتمعات وتنفرد بها دون غيرها من المجتمعات الأخرى. وباختصار فإن أركون يحفظ الكثير من المصطلحات الغربية الجاهزة ولكنه لا يحفظ شيئاً من تاريخ أمته ولا يمتلك الحد الأدنى من أدوات البحث العلمي وهو التجرد والنزاهة وهذا وحده يكفي في الطعن فيما يطرحه من آراء مبتورة يسعى لتسويقها بيننا بعض أنصاره ومريديه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :681  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 226 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج