شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اليساريون العرب والتاريخ الأسود
ـ قد يخلط البعض بين مواقف العمَّاليين أو اليساريين الغربيين ومواقف الزمرة الماركسية أو اليسارية في العالم العربي، فاليسار الغربي الذي عبّر عن موقفه المعارض للحرب في الخليج لم يفعل ذلك لأنه متعاطف مع الديكتاتورية العراقية أو مقر لاحتلالها غير المشروع لأرض الكويت، ولكن لأنه يرفض نمط الحرب ومبدأ القتال كما ظهر ذلك في موقف اليساريين الغربيين من الحرب العالمية الأولى التي عارضوها في البداية ولكن سرعان ما اقتحموا ميدانها، وهو سلوك يدل على التناقض الذي كانت وما زالت تعيشه الحركات اليسارية في الغرب، ولكن على الرغم من موقفهم من الحرب الأخيرة التي خوّل مجلس الأمن الدول المعنية بالإِقدام عليها بعد استنفاد كل الوسائل السلمية الممكنة، إلا أنهم - أي اليساريين الغربيين - يرفضون الغزو العراقي ويدينونه، وهذا ما عبَّر عنه النائب العمالي البريطاني المستقيل ووزير الظل للضمان الاجتماعي ((توني بانكس)) والذي وصف صداماً بأشنع العبارات قائلاً: ((هذا هو المخلوق المسخ الذي يجر شعبه إلى الدمار الشامل)) ولم يكن ((توني بين)) وزير الطاقة السابق في حكومة ويلسون العمّالية والسياسي البريطاني الشهير المعروف بمواقفه المتميزة في مجلس العموم هو الآخر مقراً للأسلوب البربري الذي أنتهجته القيادة العراقية في تعاملها مع جارتها المسالمة دولة الكويت.
هذا هو موقف اليسار الغربي وهو يختلف عن الموقف الذي عبر عنه الشيوعيون واليساريون العرب والذين رفضوا الحرب من منطلق إقرارهم للغزو العراقي وتأكيدهم على الدعاوي الباطلة التي يرفع شعارها هذا النظام الأهوج ويستخدمها ذريعة يتستر من ورائها على جرائمه وانتهاكاته ويرى هؤلاء اليساريون العرب في شخصية صدام صورة البطل القومي والزعيم المنقذ وما ذلك إلا لأنهم يعشقون الظلم، ويؤمنون بالديكتاتورية، ويتلذذون برؤية تطاير الرؤوس بغير حق وسفك الدماء التي تروي عند أصحابها نزعات الإِثم وشهوات الباطل.
ـ اليساريون العرب الذين ينادون بالوطنية ويعتقدون في دعاوى صدام الكاذبة بتحرير الأرض الفلسطينية المغتصبة هم أول من خان هذه القضية وخذل أهلها بعد قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين سنة 1948م. ومن يرجع إلى رسائل الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي عُرف بانضمامه إلى الحزب الشيوعي العراقي في بداية حياته ثم انفصاله عنه سوف يذهل من تواطؤ الحركات اليسارية في العالم العربي مع الحركة الصهيونية، بل إن السياب يعبر في إحدى رسائله عن ضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه زميله في المسيرة الأدبية ورفيقه في الحزب ((عبد الوهاب البياتي)) لأن هذا الأخير ذهب في طروحاته الشيوعية وما يترتب عليها من مواقف مذهباً غريباً يدل على تخلِّيه عن كل حسٍ وطني وتجرده من كل قيمة إنسانية.
ـ اليساريون العرب وفي مقدمتهم النظام العراقي ومنظمة التحرير الفلسطينية كانوا أول من أقر بالاحتلال الشيوعي للأرض الأفغانية المسلمة ووقفوا مواقف عدائية من الجهاد الأفغاني لتحرير أرضه المسلوبة وقيام الدولة الأفغانية المسلمة، على الرغم من أن معظم الأحزاب الشيوعية في العالم الغربي ومنها أحزاب بريطانيا وفرنسا نددت في ذلك الوقت بهذا الاحتلال وشجبته وهذا في حد ذاته يكفي لتحديد مسار العقلية الاستلابية التي يفكر بها اليساريون العرب، والتبعية المطلقة والعمياء التي ينتهجونها في التعامل مع الأحداث والتي تدل على تخلفهم وانحطاطهم الفكري.
ـ واليساريون العرب رأوا في نبذ دول أوروبا الشرقية للنظام الشيوعي وفي إصلاحات جورباتشوف السياسية، رأوا فيها خيانة للمبادئ وهرطقة فكرية يجب أن تُصَد وتُقَاوم، ومن يريد التأكد من ذلك فليرجع إلى مقالات غالي شكري، وخطب لطفي الخولي، وأشعار محمود درويش، والبياتي، والمقالح، وتنظيرات محمد عابد الجابري.
ـ ليس بغريب على اليسار العربي وفيهم النخبة التي تتطلع - للأسف الشديد - بعض الدوائر الثقافية في العالم العربي إليها على أنها النخبة المنتقاة والتي يجب أن تمنح امتيازاً لتقود عالمنا إلى حيث مرابع الحرية والعدالة والفضيلة، ليس بغريب بعد هذا التاريخ الأسود، والمواقف المخذولة، والتوجهات الخائنة أن يرى هؤلاء في احتلال الكويت شرعية، وفي سرقة الأموال شرفاً وفي انتهاك الأعراض فضيلة، وفي التخريب والهدم والحرق حضارة فكل إناء بما فيه ينضح.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :694  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 225 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.