وذاتَ يومٍ رأيتُ الجَوَّ مَكْتَئِبَاً |
يُعمِّقُ الحُزْنَ غَاباتٍ من السَّأَمِ |
وينشرُ الخَوْفَ في الأَجْواءِ مُكْتَسحاً |
شُمَّ الجِبَالِ كبُركانٍ من الحُمَمِ |
يُثيرُ في السَّفْحِ أصواتاً مُجَلْجِلَةً |
تُصَوِّرُ الرُّعْبَ أُخْدوداً من الظُّلَمِ |
والرِّيحُ تَخدِشُ نَبْضَ الهَمْسِ جَائِرَةً |
على المَرافِىءِ ـ إعْصاراً من الضَّرَمِ |
والبحر يُلقي بأَمْواجٍ مُبَعْثرةٍ |
تُحوِّلُ الشَّطَّ أطلالاً من الرُّسُمِ |
شاهدتُ فيه تَباريحي ومَوْجِدَتي |
وكلَّ ما فيَّ من طَفْحٍ ومن كَلَمِ |
حاولتُ أعبرُ شطَّ اليَمِّ مختفياً |
أقاومُ المَوْجَ بالتَّجديفِ في العَتَمِ |
أُقارِعُ الرِّيحَ في عَزْمٍ فيغلِبُني |
عَصْفُ الرِّياحِ بما يُلقيهِ مِنْ رِمَمِ |
يَمَّمْتُ أركضُ للشطآنِ في حَذَرٍ |
أرجو النَّجَاةَ لما في النفسِ من بَرَمِ |
رمى بِيَ الموجُ في دنيا مغلَّفةٍ |
بالزُّورِ ـ بالسَّقْطِ ـ بالإِحْباطِ.. بالوَجَمِ |
شاهَدْتُ فيها أَمَانِيَّ التي يَبِسَتْ |
لِمَا أُعَانِيهِ من كَبْحٍ ومن صَلَمِ |
أشكو الزَّمَانَ وليلاً طالَ مَرقَدُهُ |
يوحي إلى النفسِ بالتَّنْميلِ في القَدَمِ |
نَوَابِضُ الحِسِّ قد جفَّتْ رَوَافدُها |
فَاسْتَهْنَأَ النَّاسُ عَيشَ الذُّلِّ كالرَّخَمِ |
كأنَّما المرءُ لا حِسٌّ يُحرَّكُهُ |
صَوْبَ الفَضيلَةِ والإِحْسَاسِ بالقِيَمِ |
مَنْ يَجْرَعِ الذُّلَّ كَأْساً غيرَ مكترثٍ |
بالمرِّ فيه مَذَاقاً غيرَ ذي طَعَمِ |
يلْقَ الهَوَانَ ويَرضَ كُلَّ مُخْزِيةٍ |
في غير حسٍّ.. ولا نُبْلٍ ولا كَرَمِ |
ويلعقُ الصَّاب في مُرٍّ بلا مَضَض |
ولا يُحِسَّنَّ نَزْفَ الجُرْحِ من وَرَمِ |
وإخْوَةُ الدِّينِ في الأَمْصَارِ يَمْحَقَهُم |
بَطْشُ الطُّغاةِ على مَرْأىً من الأُمَمِ |
ما بالُنا اليومَ لا تَسْخو رجولتُنا |
نَصُدُّ بأساً بَسَيفِ الحَقِّ والقَلَمِ |
نَسْتَنْهِضُ العَزْمَ لا نَخْشَى مُبارَزةً |
شُلّتْ يَدُ القَمْعِ للهَامَاتِ والهِمَمِ |
قد كان بالأمسِ في أعطافنا أَلَقٌ |
يُجذِّرُ الحُبّ بالإجماعِ في الكَلِمِ |
يستنطقُ الصَّحْوَ في أعماقنا وَهجاً |
ويبعثُ الخوفَ في الطَّاغينَ كالرُّجُمِ |
واليوم صِرْنا من الإخْذاءِ في وَجَلٍ |
نستعطفُ الخَصْمَ بالإسراعِ في الدَّعَمِ |
والعالمُ الكُفْرُ لا ينوي مآزرَةً |
وليس نَأْمُلُ ما يُفْضي إلى العَشَمِ |
ونحن قومٌ أَضَعْنا أهلنا سَفَهاً |
وليس فينا ثَقيفُ الرَّأْي والحِكَمِ |
((القُدْسُ)) تشكو وما في السَّاحِ ((مُعْتَصِمٌ))
|
يقول ((لبَّيْكِ)) يا ((قدْسَاهُ)) في شَمَمِ |
وليس في السَّاحِ مَنْ يُصغي لصرختِها |
يهبُّ كالرِّيح سبَّاقاً إلى الحَرَمِ |
كأنَّما النُّغْلُ والأَحقادُ تَنهَبُنا |
وليس فينا ((صَلاحُ الدِّينِ)) ذو الشِّيَمِ |
هل دَمْدَمَ اليَأْسَ في أَجْنَابِنَا مَلَلاً |
واغْتَالَنَا الحَبْطُ بالتَّمْزيقِ والصَّرَمِ؟ |
أم أنَّه الخِزْيُ لا نَدري بَوَاعِثَهُ |
قد صفَّدَ الجَأْرَ بالإِكْباتِ والصَّمَمِ |
وفي ((سَراييفو)) نَرَى دَحْراً لأمَّتِنَا |
وحَربَ ((تَنْصير)) وزِلْزالاً من الحُطَمِ |
يَسْتبدلُ العِزَّ في تاريخنَا نَزَقاً |
وينشر البَغْيَ والإفْسادَ في الأَدَمِ |
يَدُكُّ أهلاً لنا في الدين إخوتُنا |
من غير ذنبٍ جَنَوْا ـ يا وَكْسَةَ الذِّمَمِ |
((الصِّرْبُ)) جاثوا دياراً كُنَّ آمِنَةً |
ولوَّثوها بِهَتْكِ العِرْضِ والحُرُمِ |
واليوم نشكو ((بكوسوفا)) وما جلبتْ |
مخالبُ الغَدْرِ من ذُلٍّ ومن كَدَمِ |
وعالمُ الكُفْرِ في أَنْيابِهِ سَعَرٌ |
يُحارِبُ الدِّينَ إسْقاطاً كَمُتَّهَمِ |
وإخوةُ الدينِ في ((الشِّيشانِ)) تَحْصُدُهم |
مَنَاجِلُ البَغْيِ حَصْدَ العُشْبِ بالجَلَمِ |
ما بالُنا اليومَ لا نَقْوَى مُنازَلةً؟ |
هل أصبحَ العزمُ مَشْلولاً من الدَّسَمِ؟ |
أم أنّه الجبْنُ والإهْطَاعُ يَنْهشُنا |
أينَ البطولاتُ للأجدادِ من قِدَمٍ؟ |
والمسلمون بأعدادٍ مكثَّفةٍ |
وليس فيهم أَبِيُّ النفسِ والهِمَمِ |
غابوا عن الدينِ فاندكَّتْ معاقِلُهُمْ |
واستحكَمَ الضَّعْفُ في الأعماقِ كالسَّقَمِ |
أمْسَوْا من الهَوْنِ أجساماً مجوَّفَةً |
تطفو على الماءِ أشلاءً من اللَّمَمِ |
يا خِسَّةَ النّفسِ إِنْ أقْعَتْ ركائبُنا |
عن المَسيرِ إلى العَلْياءِ والقِمَمِ |
واجْتاحَنَا الخَوْفُ في عَزَماتِنَا شَطَطاً |
يُخَدِّرُ النَّفْسَ بالإِذْعَانِ للسَّلَمِ |
يَا وَصْمَةً العَارِ في هاماتِنَا خَجَلاً |
ممَّا نُواريهِ مِنْ سَوْءاتِ مُنْهَزِمِ |
قد شُرِّدَ الأهلُ والأبناءُ في صَلَفٍ |
واستنسرَ الفَأْرُ تيَّاهاً على النُّجُّمِ |
يصولُ بالغدر فتَّاكاً بِوَحدَتِنا |
يُبَرْكِنُ الرُّعْبَ في الأمصارِ والتُّخُمِ |
والمسلمونَ على شُعَبٍ مُمَزَّقةٍ |
((اللَّهُ أكبرُ)) كَمْ في النفسِ مِنْ أَلَمِ؟! |