قُمْ حَيِّ ((مكّةَ)) وارْسُم نَاعِمَ الكَلِمِ |
يا أيُّها الشّاعرُ الغرِّيدُ في الحَرَمِ |
حَيِّ الأُباةَ سُراةَ القومِ مُجْتلياً |
مَعازِفَ الشَّوْقِ بالأَشْعارِ والنَّغَمِ |
مِن أَرضِ ((مكّة)) شَعّ النّورُ مُؤْتلقاً |
وَجْهاً يُجَلِّي عَتَامَ اللّيلِ والسُّدُمِ |
هَذا ((حِراءٌ)) على مَرْأى يُطالِعُنا |
قِنْديلَ ضَوْءٍ يَفيضُ النُّورَ للأُمَمِ |
قدْ خصَّهُ ((اللَّه)) بالتّنزيلِ فَانْقَشَعَتْ |
سُودُ الغَمَائِمِ في الأَمْصارِ والتُّخُمِ |
وجَاءَ ((جِبْريلُ)) بِالآيات مُعْجِزةً |
إقْرَأْ ((مُحمّدُ)) قولَ الحقِّ واستَلِمِ |
فَراحَ يَرْكُضُ في خَوفٍ وَمَوجِلَةٍ |
لما تَغَشَّاهُ مِنْ نُورٍ وَمِنْ عِظَمِ |
قالت ((خَديجةُ)) هلْ تَخْشَى مُجانَفَةً؟ |
وَأنْتَ في النّاس تُقري الضَّيفَ من عَدَمِ؟ |
وَأنْتَ في النّاس أخلاقٌ مُطهَّرةٌ |
وَصوْتُ عَدْلٍ.. وبَيْتٌ فارعُ الشَّمَمِ |
جاءتْ لـ ((وَرْقَةَ)) تحْكي أَمْرهُ عَجَباً |
فقالَ.. لا ضيْرَ يا بْنَ السّادةِ الشُّهُمِ |
هذا هُو الحقُّ قدْ بانَتْ دلائلُهُ |
فاسْتَلْهِمِ النُّورَ في رِفْقٍ وفي حَمَمِ |
يا ليت أنِّي أعيشُ العُمْرَ أطْوَلَهُ |
حتى أرى النُّورَ شَفَّافاً على الأُطُمِ |
قدْ جاءَ ذِكْرُكَ في التَّوْراةِ مُسْتَبِقاً |
يحكي بأنّكَ نُورُ الحقِّ في الظُّلَمِ |
مِنْ ((مَهْبِط الوَحي)) فاضَ النُّورُ مُنْتَشراً |
يَهْدي الخَلائقَ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ |
قوْمي هُمُو الصِّيدُ أهلُ العِلْمِ مَعرِفةً |
والنُّبْلِ والرُّشْدِ والإِدْراكِ والفَهَمِ |
كانُوا هُداةً إلى التّوحيدِ سَعْيُهُمو |
شَدُّوا الرَّكائِبَ لا يخْشَوْنَ مِنْ عَتَمِ |
اسْتَنْهَضُوا الدِّينَ في أعماقِهِمْ وَهَجَاً |
فكانَ كالنُّورِ يَهديهِم وكَالعَلَمِ |
جازوا إلى ((الصِّين)) والإيمانُ مِشْعلُهُم |
يَدْعون للحَقِّ والأَخْلاَقِ والكَرَمِ |
ما كانَ يَنْشُدُ أَهْلي هَتْكَ مَحْرَمةٍ |
أَوْ يَلحقُون مُفِرَّاً وآهِيَ القَدَمِ |
شَدُّوا الوِثَاقَ على عَزْمٍ يُوحِّدهم |
فكان ما كان مِن فَتحٍ.. ومِن عِظَمِ |
كم هذَّبوا النَّاسَ بِالأَخْلاَقِ يحفزُهُم |
نورٌ مِنَ الدِّين في الأجنَابِ والهِمَمِ |
وكان فيهم ((رسولُ اللَّهِ)) سيِّدُنَا |
يدعو إلى الحَقِّ في صَبْرٍ وفي وَأَمِ |
أسْرى به ((اللَّهُ)) ليلاً والدُّجَى أَلَقٌ |
فباتَ يَعْرُجُ للأسْمَى.. مِن القِمَمِ |
((بالرُّسْلِ)) صَلَّى إماماً وهو سيِّدُهُمْ |
فجاء ذلك إخذَاءً.. لِمُغْتَمِمِ |
يا سيِّدَ الخَلقِ مَالي ما أُنَمِّقُهُ |
مِن البَيَان سِوَى شعري ومُنتظِمي |
لا يبلغُ الشّعرُ مهما كان قائلُهُ |
مدحَ ((النَّبيِّ)) ولو فيضاً من الدِّيَمِ |
كم بتَّ تدعو إلى التّوحيد مُحتسباً |
وتَرْكِ ما كانَ من سَقْطٍ ومِن لَمَمِ |
بلغْتَ يا سيِّدي المعْصومَ منزِلةً |
لم يرْقَ فيها أُولُوا عزمٍ مِن الأُمَمِ |
أوْحى لكَ ((اللَّهُ)) أن بلِّغ رسالَتهُ |
فجِئتَ بالحقِّ والتّشريع والحِكَمِ |
كم خَصَّكَ ((اللَّهُ)) بالإعْجَازِ فانفجرت |
بينَ الأصابع عَيْنٌ عَذْبَةُ الطُّعَمِ |
أَسْقَيْتَ صَحْبَكَ والأَنْظارُ شاخصةٌ |
تستَلهِمُ النُّورَ بالإحْساسِ كالحُلُمِ |
وفي ((حُنينٍ)) يجيء ((الرُّوحُ)) يسْأَلُهُ |
هَلْ أسْحقُ القومَ بالأجْبالِ في التُّهمِ؟ |
فكُنتَ بالرِّفْقِ تدعو رُغم ما جَهلوا |
رَبّاهُ.. هَدْياً فإنّ القومَ في صَمَمِ |
أَنِرْ ((إلهي)) طريقَ الرُّشْد مُغْتَفِراً |
فأَنتَ أكْرَمُ مَن يُرْجى.. لمُعْتصِمِ |
حمَلْتَ للنّاسِ دينَ ((اللَّهِ)) مُؤْتَزِراً |
بالصَّبْرِ واللِّينِ والأخلاقِ والكرمِ |
وَكُنتَ في الرُّسْل آخرَ من يُبلِّغُنَا |
رِسالةَ الدِّينِ في بِرٍّ كمُخْتَتِمِ |
اخْتاركَ ((اللَّهُ)) للتّوحيدِ تحْمِلُهُ |
وللهِداية إكْليلاً.. مِنَ النُّجُمِ |
أَفْضَيْتَ للنَّاسِ أنّ ((اللَّهَ)) خالِقُهُم |
وليسَ في الحقِّ ما يدعو إلى البَرَمِ |
((فاللَّهُ)) حقٌّ ((إلهٌ)) ليس يُعجِزُهُ |
كُثْرُ السُّؤال لمنْ يرجوهُ ـ في عَشَمِ |
وليس بالعقْل نُحْصي أَمْرَهُ دَرَكاً |
فالعقْلُ في النّفْس محدودٌ على نُظُمِ |
لكنّما النُّورُ في الأعْماق يُبْصِرُهُ |
جَلَّتْ له الذَاتُ عن وصفٍ وعن زَعَمِ |
وَيَومَ ((بَدْرٍ)) دعَوْتَ اللَّهَ مُرتَجِياً |
نَصراً إلى الدِّينِ لا نصراً لمُغْتَنَمِ |
فأَزَرَتْكَ جُنُود ((اللَّهِ)) مُرْسَلَةً |
تَرمي بِسَهْمِكَ بُرْكاناً مِنَ الحُمَمِ |
حَسْبُ المَلائِكِ أَنْ هَبَّتْ مُناصِرَةً |
بأَمْرِ ربِّكَ زِلزالاً.. مِنَ الضَّرَمِ |
فكانَ نَصْرٌ على الكفَّارِ مَبْعَثُهُ |
صِدقُ العزيمةِ والإِيفَاءِ للذِّمَمِ |
فتحت ((مكّة)) تُنجي الدِّينَ من سَفَهٍ |
قد عَمَّ بالجهلِ والعُبَّادِ لِلصَّنَمِ |
دخلْتها الصُّبْحَ بالتكْبيرِ مُبْتَدِئاً |
فأستشْعرَ القومُ آيَ الحُبِّ والرَّأَمِ |
فكنتَ أهلاً لما أُعْطيتَ من شَرَفٍ |
تُعامِلُ الناسَ في برٍّ وفي رَحِمِ |
أزْكَى الصّلاة على ((طه)) مُشَفِّعِنا |
والصَّحْبِ والآل.. ما قامتْ على الأَكَمِ |
بِيضُ الحَمَائِمِ يَشْدو صوتُها غَرِداً |
يفْتَرُّ بالشُّكْرِ والتَّسبيحِ في نَهَمِ |
إليكِ يا ((مكَّتي)) والشّوقُ يُلْهِبُني |
بين الجَوانِحِ جيّاشاً مِن النَظَمِ |
أهدي السّلامَ لأرضٍ طابَ مَسكَنُها |
بالأمْنِ بالحُبِّ بالخيراتِ بالنِّعَمِ |
مَن ذا يلومُ مُحبَّاً جاء يَنْشُدُها |
وَمنْ يلومُ مُشعًّا بالهوى العَرِمِ |
يستَنْطقُ البَوْحَ في أعماقِهِ وَلِهاً |
ويرْسُمُ الشّعْرَ ألواناً على الأَدَمِ |
يسْتَمْسكُ البابَ والأسْتَارَ في أمَلٍ |
أن يَقْبَلَ ((اللَّه)) تَوْبَ العائِدِ النَّدِمِ |
فـ ((اللَّهُ)) فردٌ ـ إلهُ ـ العرش نَطْلُبُهُ |
لما نُحِسُّ من الإحْباطِ.. والأَلَمِ |
يا غافِرَ الذَّنْبِ إن النّفسَ مُثْقلةٌ |
بما تُواريهِ مِن سَفٍّ ومن كَظَمِ |
فكُن وِجَائي ليومٍ بَاتَ يَنْظُرُني |
فأَنْتَ أكرَمُ مَن يُرْجَى لِمُنْسَقِمِ |
واغْفِرْ ((إلهي)) ذُنُوبي إنَّني طَمِعٌ |
لفيضِ جودِكِ بِالإِصفاحِ عن لَممِي |
وامْنُنْ على الخلقِ يا ربَّاهُ مغفرةً |
من فيضِكِ الثّرِّ تمْحُ زَلَّةَ القَدَمِ |