شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مَكَّتِي وَشَلاَّلُ الضِّيَاءِ
مهدَاةٌ إلى ابني الوحيد ((هاني)) علَّه يستشرفُ في نبضاتِها مجتلى الحبِّ الصادقِ في نفسٍ تزدادُ حنيناً وشوقاً إلى ربى ((مكة الطاهرة)) كلَّ ما طرأَ اسمُها الشريفُ على لساني وخافقي.
كفاك شرفاً وتكريماً يا مكّةُ الحبيبةُ، أن تكوني بيتَ اللّه ـ وقبلةَ عباده المسلمين، ومهبط الوحي الأمين وفي بطاحك الطّاهرة وُلِدَ سيّدُ المرسلين ـ سيّدنا محمد بن عبد اللَّه خيرُ الأوّلينَ والآخرِين. ويكفيني تشريفاً أن أستجليَ مسترسلاً في خواطري من هالات نوركِ الوضَاءِ المنبثِق من كلّ حجرٍ من حجارك وكل ذرّة رمل من رمالك ـ فإليك ـ مكتي العزيزة أبعثُ هذا الاستجلاء المتدفّقَ.. من أعماقي شِعْراً يفيضُ بِصْدق الأحاسيسْ.
قُمْ حَيِّ ((مكّةَ)) وارْسُم نَاعِمَ الكَلِمِ
يا أيُّها الشّاعرُ الغرِّيدُ في الحَرَمِ
حَيِّ الأُباةَ سُراةَ القومِ مُجْتلياً
مَعازِفَ الشَّوْقِ بالأَشْعارِ والنَّغَمِ
مِن أَرضِ ((مكّة)) شَعّ النّورُ مُؤْتلقاً
وَجْهاً يُجَلِّي عَتَامَ اللّيلِ والسُّدُمِ
هَذا ((حِراءٌ)) على مَرْأى يُطالِعُنا
قِنْديلَ ضَوْءٍ يَفيضُ النُّورَ للأُمَمِ
قدْ خصَّهُ ((اللَّه)) بالتّنزيلِ فَانْقَشَعَتْ
سُودُ الغَمَائِمِ في الأَمْصارِ والتُّخُمِ
وجَاءَ ((جِبْريلُ)) بِالآيات مُعْجِزةً
إقْرَأْ ((مُحمّدُ)) قولَ الحقِّ واستَلِمِ
فَراحَ يَرْكُضُ في خَوفٍ وَمَوجِلَةٍ
لما تَغَشَّاهُ مِنْ نُورٍ وَمِنْ عِظَمِ
قالت ((خَديجةُ)) هلْ تَخْشَى مُجانَفَةً؟
وَأنْتَ في النّاس تُقري الضَّيفَ من عَدَمِ؟
وَأنْتَ في النّاس أخلاقٌ مُطهَّرةٌ
وَصوْتُ عَدْلٍ.. وبَيْتٌ فارعُ الشَّمَمِ
جاءتْ لـ ((وَرْقَةَ)) تحْكي أَمْرهُ عَجَباً
فقالَ.. لا ضيْرَ يا بْنَ السّادةِ الشُّهُمِ
هذا هُو الحقُّ قدْ بانَتْ دلائلُهُ
فاسْتَلْهِمِ النُّورَ في رِفْقٍ وفي حَمَمِ
يا ليت أنِّي أعيشُ العُمْرَ أطْوَلَهُ
حتى أرى النُّورَ شَفَّافاً على الأُطُمِ
قدْ جاءَ ذِكْرُكَ في التَّوْراةِ مُسْتَبِقاً
يحكي بأنّكَ نُورُ الحقِّ في الظُّلَمِ
مِنْ ((مَهْبِط الوَحي)) فاضَ النُّورُ مُنْتَشراً
يَهْدي الخَلائقَ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ
قوْمي هُمُو الصِّيدُ أهلُ العِلْمِ مَعرِفةً
والنُّبْلِ والرُّشْدِ والإِدْراكِ والفَهَمِ
كانُوا هُداةً إلى التّوحيدِ سَعْيُهُمو
شَدُّوا الرَّكائِبَ لا يخْشَوْنَ مِنْ عَتَمِ
اسْتَنْهَضُوا الدِّينَ في أعماقِهِمْ وَهَجَاً
فكانَ كالنُّورِ يَهديهِم وكَالعَلَمِ
جازوا إلى ((الصِّين)) والإيمانُ مِشْعلُهُم
يَدْعون للحَقِّ والأَخْلاَقِ والكَرَمِ
ما كانَ يَنْشُدُ أَهْلي هَتْكَ مَحْرَمةٍ
أَوْ يَلحقُون مُفِرَّاً وآهِيَ القَدَمِ
شَدُّوا الوِثَاقَ على عَزْمٍ يُوحِّدهم
فكان ما كان مِن فَتحٍ.. ومِن عِظَمِ
كم هذَّبوا النَّاسَ بِالأَخْلاَقِ يحفزُهُم
نورٌ مِنَ الدِّين في الأجنَابِ والهِمَمِ
وكان فيهم ((رسولُ اللَّهِ)) سيِّدُنَا
يدعو إلى الحَقِّ في صَبْرٍ وفي وَأَمِ
أسْرى به ((اللَّهُ)) ليلاً والدُّجَى أَلَقٌ
فباتَ يَعْرُجُ للأسْمَى.. مِن القِمَمِ
((بالرُّسْلِ)) صَلَّى إماماً وهو سيِّدُهُمْ
فجاء ذلك إخذَاءً.. لِمُغْتَمِمِ
يا سيِّدَ الخَلقِ مَالي ما أُنَمِّقُهُ
مِن البَيَان سِوَى شعري ومُنتظِمي
لا يبلغُ الشّعرُ مهما كان قائلُهُ
مدحَ ((النَّبيِّ)) ولو فيضاً من الدِّيَمِ
كم بتَّ تدعو إلى التّوحيد مُحتسباً
وتَرْكِ ما كانَ من سَقْطٍ ومِن لَمَمِ
بلغْتَ يا سيِّدي المعْصومَ منزِلةً
لم يرْقَ فيها أُولُوا عزمٍ مِن الأُمَمِ
أوْحى لكَ ((اللَّهُ)) أن بلِّغ رسالَتهُ
فجِئتَ بالحقِّ والتّشريع والحِكَمِ
كم خَصَّكَ ((اللَّهُ)) بالإعْجَازِ فانفجرت
بينَ الأصابع عَيْنٌ عَذْبَةُ الطُّعَمِ
أَسْقَيْتَ صَحْبَكَ والأَنْظارُ شاخصةٌ
تستَلهِمُ النُّورَ بالإحْساسِ كالحُلُمِ
وفي ((حُنينٍ)) يجيء ((الرُّوحُ)) يسْأَلُهُ
هَلْ أسْحقُ القومَ بالأجْبالِ في التُّهمِ؟
فكُنتَ بالرِّفْقِ تدعو رُغم ما جَهلوا
رَبّاهُ.. هَدْياً فإنّ القومَ في صَمَمِ
أَنِرْ ((إلهي)) طريقَ الرُّشْد مُغْتَفِراً
فأَنتَ أكْرَمُ مَن يُرْجى.. لمُعْتصِمِ
حمَلْتَ للنّاسِ دينَ ((اللَّهِ)) مُؤْتَزِراً
بالصَّبْرِ واللِّينِ والأخلاقِ والكرمِ
وَكُنتَ في الرُّسْل آخرَ من يُبلِّغُنَا
رِسالةَ الدِّينِ في بِرٍّ كمُخْتَتِمِ
اخْتاركَ ((اللَّهُ)) للتّوحيدِ تحْمِلُهُ
وللهِداية إكْليلاً.. مِنَ النُّجُمِ
أَفْضَيْتَ للنَّاسِ أنّ ((اللَّهَ)) خالِقُهُم
وليسَ في الحقِّ ما يدعو إلى البَرَمِ
((فاللَّهُ)) حقٌّ ((إلهٌ)) ليس يُعجِزُهُ
كُثْرُ السُّؤال لمنْ يرجوهُ ـ في عَشَمِ
وليس بالعقْل نُحْصي أَمْرَهُ دَرَكاً
فالعقْلُ في النّفْس محدودٌ على نُظُمِ
لكنّما النُّورُ في الأعْماق يُبْصِرُهُ
جَلَّتْ له الذَاتُ عن وصفٍ وعن زَعَمِ
وَيَومَ ((بَدْرٍ)) دعَوْتَ اللَّهَ مُرتَجِياً
نَصراً إلى الدِّينِ لا نصراً لمُغْتَنَمِ
فأَزَرَتْكَ جُنُود ((اللَّهِ)) مُرْسَلَةً
تَرمي بِسَهْمِكَ بُرْكاناً مِنَ الحُمَمِ
حَسْبُ المَلائِكِ أَنْ هَبَّتْ مُناصِرَةً
بأَمْرِ ربِّكَ زِلزالاً.. مِنَ الضَّرَمِ
فكانَ نَصْرٌ على الكفَّارِ مَبْعَثُهُ
صِدقُ العزيمةِ والإِيفَاءِ للذِّمَمِ
فتحت ((مكّة)) تُنجي الدِّينَ من سَفَهٍ
قد عَمَّ بالجهلِ والعُبَّادِ لِلصَّنَمِ
دخلْتها الصُّبْحَ بالتكْبيرِ مُبْتَدِئاً
فأستشْعرَ القومُ آيَ الحُبِّ والرَّأَمِ
فكنتَ أهلاً لما أُعْطيتَ من شَرَفٍ
تُعامِلُ الناسَ في برٍّ وفي رَحِمِ
أزْكَى الصّلاة على ((طه)) مُشَفِّعِنا
والصَّحْبِ والآل.. ما قامتْ على الأَكَمِ
بِيضُ الحَمَائِمِ يَشْدو صوتُها غَرِداً
يفْتَرُّ بالشُّكْرِ والتَّسبيحِ في نَهَمِ
إليكِ يا ((مكَّتي)) والشّوقُ يُلْهِبُني
بين الجَوانِحِ جيّاشاً مِن النَظَمِ
أهدي السّلامَ لأرضٍ طابَ مَسكَنُها
بالأمْنِ بالحُبِّ بالخيراتِ بالنِّعَمِ
مَن ذا يلومُ مُحبَّاً جاء يَنْشُدُها
وَمنْ يلومُ مُشعًّا بالهوى العَرِمِ
يستَنْطقُ البَوْحَ في أعماقِهِ وَلِهاً
ويرْسُمُ الشّعْرَ ألواناً على الأَدَمِ
يسْتَمْسكُ البابَ والأسْتَارَ في أمَلٍ
أن يَقْبَلَ ((اللَّه)) تَوْبَ العائِدِ النَّدِمِ
فـ ((اللَّهُ)) فردٌ ـ إلهُ ـ العرش نَطْلُبُهُ
لما نُحِسُّ من الإحْباطِ.. والأَلَمِ
يا غافِرَ الذَّنْبِ إن النّفسَ مُثْقلةٌ
بما تُواريهِ مِن سَفٍّ ومن كَظَمِ
فكُن وِجَائي ليومٍ بَاتَ يَنْظُرُني
فأَنْتَ أكرَمُ مَن يُرْجَى لِمُنْسَقِمِ
واغْفِرْ ((إلهي)) ذُنُوبي إنَّني طَمِعٌ
لفيضِ جودِكِ بِالإِصفاحِ عن لَممِي
وامْنُنْ على الخلقِ يا ربَّاهُ مغفرةً
من فيضِكِ الثّرِّ تمْحُ زَلَّةَ القَدَمِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :920  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 47 من 75
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.