لو ساءَلتْني ـ ما تريدُ من الدُّنا؟ |
لأجبتُها نفحاً من الأيمانِ! |
يُثْري فؤادي باليقينِ ويجتلي |
في خافقيَّ ـ مَحَبَّةَ ـ الإِخْوَانِ |
ويجبُّ عني شَاطِحَاتٍ عشتُها |
مقرونةً ـ بالسُّهْدِ.. بالحرمانِ |
ويعيد لي دفقَ الفضيلةِ والهُدَى |
إني ظمئْتُ لِفيضِهِ الرَّيانِ |
أَلفيتُ نفسي عبرَ شُطآنِ الهوى |
في مَرْفَءِ الأَهْوَاءِ والأَشجانِ |
خمسونَ عاماً قد مَضَتْ من رحلتي |
في إثرها ـ نَيْفٌ ـ بلا نُقصانِ |
قَضَّيْتُها في التِّيهِ لاهيةً بها |
نفسي ـ بنزغٍ دَائْمِ الجَيَشَانِ |
فخطوْتُ نحو فجاجها ـ مُتصابياً |
غَرًّا ـ بحسنِ جمالها الفتَّانِ |
تتهامسُ الأطيارُ قربي والرُّؤَى |
شَلاَّلُ ـ تِبْرٍ حالِمَ الذَّوَبَانِ |
تشدو على ناي الغرامِ تَوَلُّهاً |
يُشجي الفؤادَ بهمسةٍ وحنانِ |
والزَّهرُ يَنْثُو بالعبيرِ ملاطفاً |
عُشَّاقَهُ ـ بالليلِ ـ في تَحْنَانِ |
والرَّوْضُ يضحكُ والرَّبيعُ معطَّرٌ |
والموجُ ـ ينأَى ـ تارةً ويُداني |
والبدرُ في حضنِ السَّمَاءِ مُقَبِّلٌ |
ثغرَ الورودِ.. ورقصةَ الأَغصانِ |
إنِّي أُحسُّ الشَّوقَ بينَ جوانحي |
سحباً تفيضُ بِغَشْقَةِ الهَتَّانِ |
اعتامني وَهَجُ الحياةِ فلمْ أعدْ |
أَقْوَى على ردٍّ لهُ ـ ورِهَانِ |
فاستنفرَ الخلجاتِ فيَّ صبابةً |
محمومةً بالنَّزْفِ ـ كالبركانِ |
فعطفتُ صَوْبَ الليلِ أشكو صبوتي |
وأَبُثُّهُ ـ أَنَّاتِ قلبٍ وانِ |
لم يصغِ ليلي للشَّكَاةِ وللجوَى |
بل قال: إنَّا في الضَّنى أَخَوَانِ |
ضَيَّعْتَ عمركَ يا جَهُولُ مناجياً |
سربَ الحمامِ ـ بنشوةِ الهَيْمَانِ |
عجباً ـ لليلِ ـ الصَّمْتِ يشكو بَوْحَهُ |
بلواعجٍ ـ شَفَّتْ عن الكِتْمانِ |
فيقول إنِّي قد جهلتُ مَسيرَتي |
في ناظريَّ غشاوةُ العُمْيَانِ |
لكَأَنَّهُ جرعَ الصبابةَ والهوى |
كأْساً من الإِسقاطِ والأحزانِ |
فرأى الحياةَ مليئَةً بتناقضٍ |
وتنافرٍ ـ يغشى بني الإنسانِ |
فانسلَّ لا يلوي على معنى الرِّضَى |
في عالمِ التَّدْليسِ ـ والنُّكْرانِ |
وجد الأنامَ بلا نُهَىً متحفِّزاً |
ينقضُّ مثلَ مخالبِ السَّعْرانِ |
رسمَ الحياةَ بنُغْلها وشُطوطها |
وسقوطها في سلَّةِ الخُذلانِ |
ماذا جنيتُ من الحياةِ وزيفها؟ |
من بعد ـ خَمْسِين ـ سوى الغثيانِ؟ |
يا حبذا عودُ السَّليمِ إلى الهدىً |
في خافقيهِ طلاوةُ الإِيمانِ! |
ينسابُ نورُ الحقِّ بينَ شغافهِ |
شمساً تُضيءُ ـ بنورها ـ الرَّباني |
وتعيدُ للنفسِ الكئيبةِ نبضَها |
وتقيلها من ـ حَمْأَةِ الأَشْجَانِ |
تستلهمُ ـ التوحيدَ ـ في خفقاتِها |
نوراً يشعُّ ـ بخافقٍ ـ حَرَّانِ |
فيعبُّ من نهرٍ زلالٍ ـ فيضهُ |
كالكوثرِ المعسولِ للظمآنِ |
ويغذُّ في ركبِ الحياةِ مصاولاً |
بسجيَّةٍ تسمو على ـ البُهْتاَنِ |
لا يعتريهِ اليأْسُ في عزماتهِ |
ضعفاً ولا ضرباً من الإِذعانِ |
تطَوَّفُ الأحلامُ في حدقاتهِ |
حِسَّا يقيهِ تخالجَ الألوانِ |
ينداحُ في أعماقهِ شطحُ الهوى |
وتحيدُ عنهُ لجاجةُ الغفلانِ |
يسمو على الأهواء حسًّا مرهفاً |
مستهلماً ـ بقداسةِ القرآنِ ـ |
يتلو من ـ الآياتِ ـ ما يُسري الضَّنى |
متأَمِّلاً في الكونِ في الإنسانِ |
فاللَّهُ ـ قد خلقَ الأَنامَ بقدرةِ |
حكمتْ زمامَ الكونِ في إتقانِ |
يا حبذا أَرجُ الفضيلةِ والتُّقى |
نبعٌ من التِّبْيَانِ ـ والبرهانِ |
تستنشقُ الأنفاسُ زَهْوَ عبيرهِ |
نفحاً شذيًّا فائحَ الأردانِ |
يجلو عن النفسِ الضَّياعَ وحيْرةً |
كانتْ تنزُّ بخفقها ـ الحيرانِ |
فتُرى بذورُ الحقِّ نبتاً مزهراً |
في خافقٍ سامٍ على العِصْيَانِ |
لا يجتويهِ الشَّوقُ عبرَ شغافهِ |
فيقينُهُ أَقوَى ـ من الطُّوفانِ |
يفترُّ بالآمال ضاحكةَ الرؤى |
في ناظريهِ شفافةُ الأمعانِ |
تتكلَّسُ الأحلامُ دون رغابهِ |
وتصدُّهُ عن زلَّةٍ وهوانِ |
وتعيده للرشدِ حيثُ المجتنى |
نبضٌ من الإحساسِ في الوُجْدانِ |
مستنفراً قلباً ترهَّلَ بالجوى |
يوماً وكان.. ضحيَّة ـ السُّلْوَانِ |