شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عَوْدَةُ التَّائِهِ؟
لو ساءَلتْني ـ ما تريدُ من الدُّنا؟
لأجبتُها نفحاً من الأيمانِ!
يُثْري فؤادي باليقينِ ويجتلي
في خافقيَّ ـ مَحَبَّةَ ـ الإِخْوَانِ
ويجبُّ عني شَاطِحَاتٍ عشتُها
مقرونةً ـ بالسُّهْدِ.. بالحرمانِ
ويعيد لي دفقَ الفضيلةِ والهُدَى
إني ظمئْتُ لِفيضِهِ الرَّيانِ
أَلفيتُ نفسي عبرَ شُطآنِ الهوى
في مَرْفَءِ الأَهْوَاءِ والأَشجانِ
خمسونَ عاماً قد مَضَتْ من رحلتي
في إثرها ـ نَيْفٌ ـ بلا نُقصانِ
قَضَّيْتُها في التِّيهِ لاهيةً بها
نفسي ـ بنزغٍ دَائْمِ الجَيَشَانِ
فخطوْتُ نحو فجاجها ـ مُتصابياً
غَرًّا ـ بحسنِ جمالها الفتَّانِ
تتهامسُ الأطيارُ قربي والرُّؤَى
شَلاَّلُ ـ تِبْرٍ حالِمَ الذَّوَبَانِ
تشدو على ناي الغرامِ تَوَلُّهاً
يُشجي الفؤادَ بهمسةٍ وحنانِ
والزَّهرُ يَنْثُو بالعبيرِ ملاطفاً
عُشَّاقَهُ ـ بالليلِ ـ في تَحْنَانِ
والرَّوْضُ يضحكُ والرَّبيعُ معطَّرٌ
والموجُ ـ ينأَى ـ تارةً ويُداني
والبدرُ في حضنِ السَّمَاءِ مُقَبِّلٌ
ثغرَ الورودِ.. ورقصةَ الأَغصانِ
إنِّي أُحسُّ الشَّوقَ بينَ جوانحي
سحباً تفيضُ بِغَشْقَةِ الهَتَّانِ
اعتامني وَهَجُ الحياةِ فلمْ أعدْ
أَقْوَى على ردٍّ لهُ ـ ورِهَانِ
فاستنفرَ الخلجاتِ فيَّ صبابةً
محمومةً بالنَّزْفِ ـ كالبركانِ
فعطفتُ صَوْبَ الليلِ أشكو صبوتي
وأَبُثُّهُ ـ أَنَّاتِ قلبٍ وانِ
لم يصغِ ليلي للشَّكَاةِ وللجوَى
بل قال: إنَّا في الضَّنى أَخَوَانِ
ضَيَّعْتَ عمركَ يا جَهُولُ مناجياً
سربَ الحمامِ ـ بنشوةِ الهَيْمَانِ
عجباً ـ لليلِ ـ الصَّمْتِ يشكو بَوْحَهُ
بلواعجٍ ـ شَفَّتْ عن الكِتْمانِ
فيقول إنِّي قد جهلتُ مَسيرَتي
في ناظريَّ غشاوةُ العُمْيَانِ
لكَأَنَّهُ جرعَ الصبابةَ والهوى
كأْساً من الإِسقاطِ والأحزانِ
فرأى الحياةَ مليئَةً بتناقضٍ
وتنافرٍ ـ يغشى بني الإنسانِ
فانسلَّ لا يلوي على معنى الرِّضَى
في عالمِ التَّدْليسِ ـ والنُّكْرانِ
وجد الأنامَ بلا نُهَىً متحفِّزاً
ينقضُّ مثلَ مخالبِ السَّعْرانِ
رسمَ الحياةَ بنُغْلها وشُطوطها
وسقوطها في سلَّةِ الخُذلانِ
ماذا جنيتُ من الحياةِ وزيفها؟
من بعد ـ خَمْسِين ـ سوى الغثيانِ؟
يا حبذا عودُ السَّليمِ إلى الهدىً
في خافقيهِ طلاوةُ الإِيمانِ!
ينسابُ نورُ الحقِّ بينَ شغافهِ
شمساً تُضيءُ ـ بنورها ـ الرَّباني
وتعيدُ للنفسِ الكئيبةِ نبضَها
وتقيلها من ـ حَمْأَةِ الأَشْجَانِ
تستلهمُ ـ التوحيدَ ـ في خفقاتِها
نوراً يشعُّ ـ بخافقٍ ـ حَرَّانِ
فيعبُّ من نهرٍ زلالٍ ـ فيضهُ
كالكوثرِ المعسولِ للظمآنِ
ويغذُّ في ركبِ الحياةِ مصاولاً
بسجيَّةٍ تسمو على ـ البُهْتاَنِ
لا يعتريهِ اليأْسُ في عزماتهِ
ضعفاً ولا ضرباً من الإِذعانِ
تطَوَّفُ الأحلامُ في حدقاتهِ
حِسَّا يقيهِ تخالجَ الألوانِ
ينداحُ في أعماقهِ شطحُ الهوى
وتحيدُ عنهُ لجاجةُ الغفلانِ
يسمو على الأهواء حسًّا مرهفاً
مستهلماً ـ بقداسةِ القرآنِ ـ
يتلو من ـ الآياتِ ـ ما يُسري الضَّنى
متأَمِّلاً في الكونِ في الإنسانِ
فاللَّهُ ـ قد خلقَ الأَنامَ بقدرةِ
حكمتْ زمامَ الكونِ في إتقانِ
يا حبذا أَرجُ الفضيلةِ والتُّقى
نبعٌ من التِّبْيَانِ ـ والبرهانِ
تستنشقُ الأنفاسُ زَهْوَ عبيرهِ
نفحاً شذيًّا فائحَ الأردانِ
يجلو عن النفسِ الضَّياعَ وحيْرةً
كانتْ تنزُّ بخفقها ـ الحيرانِ
فتُرى بذورُ الحقِّ نبتاً مزهراً
في خافقٍ سامٍ على العِصْيَانِ
لا يجتويهِ الشَّوقُ عبرَ شغافهِ
فيقينُهُ أَقوَى ـ من الطُّوفانِ
يفترُّ بالآمال ضاحكةَ الرؤى
في ناظريهِ شفافةُ الأمعانِ
تتكلَّسُ الأحلامُ دون رغابهِ
وتصدُّهُ عن زلَّةٍ وهوانِ
وتعيده للرشدِ حيثُ المجتنى
نبضٌ من الإحساسِ في الوُجْدانِ
مستنفراً قلباً ترهَّلَ بالجوى
يوماً وكان.. ضحيَّة ـ السُّلْوَانِ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :545  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 19 من 75
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.