شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ما جاء في حفر عبد المطلب بن هاشم زمزم
حدّثنا أبو الوليد قال: حدثني مهدي بن أبي المهدي قال: حدثنا عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري قال: أول ما ذكر من عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً خرجت فارة من أصحاب الفيل وهو غلام شاب فقال: والله لا أخرج من حرم الله ابتغي العز في غيره قال: فجلس عند البيت وأجلت عنه قريش فقال:
لا هم إن المرء يمنـ
ـع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن (1) صليبهم
وضلالهم عدواً محالك
قال: فلم يزل ثابتاً في الحرم حتى أهلك الله الفيل وأصحابه فرجعت قريش وقد عظم فيها (2) لصبره وتعظيمه محارم الله عز وجل فبينما هو في ذلك وقد ولد له أكبر بنيه فأدرك وهو (3) الحارث بن عبد المطلب فأتى عبد المطلب في المنام فقيل له: احفر زمزم خبئة الشيخ الأعظم فاستيقظ فقال: اللهم بين لي، فأتى في المنام مرة أخرى فقيل له: احفر زمزم (4) بين الفرث والدم عند نقرة (5) الغراب في قرية النمل مستقبلة (6) الأنصاب الحمر فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس في المسجد الحرام ينظر ما سمي له من الآيات فنحرت بقرة بالجزورة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت في المسجد في موضع زمزم فجزرت تلك البقرة في مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوي حتى وقع في الفرث فبحث عن (7) قرية النمل فقام عبد المطلب فحفر هنالك فجاءته قريش فقالت لعبد المطلب: ما هذا الصنيع؟ أنا لم نكن نزنك بالجهل (8) لم تحفر في مسجدنا؟ فقال عبد المطلب: إني لحافر هذا البير ومجاهد من صدني عنها فطفق هو وابنه الحارث وليس له ولد يومئذ غيره فسفه عليهما يومئذ ناس من قريش فنازعوهما وقاتلوهما وتناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من عتق نسبه (9) وصدقه واجتهاده في دينهم يومئذٍ حتى إذا أمكن الحفر واشتد عليه الأذى نذر إن وفا له عشرة من الولد أن ينحر أحدهم. ثم حفر حتى أدرك سيوفاً دفنت في زمزم حين دفنت فلما رأت قريش أنه قد أدرك السيوف قالوا: يا عبد المطلب أجزنا مما وجدت، فقال عبد المطلب: هذه (10) السيوف لبيت الله الحرام فحفر حتى أنبط الماء في القرار ثم بحرها حتى لا ينزف ثم بنى عليها حوضاً فطفق هو وابنه ينزعان فيملآن ذلك الحوض فيشرب به الحاج فيكسره ناس من حسدة قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب حين يصبح فلما أكثروا فساده دعا عبد المطلب ربه فأرى في المنام فقيل له: اللهم أني لا أحلها لمغتسل ولكن هي للشارب حل وبل ثم كفيتهم، فقام عبد المطلب - يعني حين اختلفت (11) قريش في المسجد - فنادى بالذي أرى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه ذلك عليه أحد من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته، ثم تزوج عبد المطلب النساء فولد له عشرة رهط فقال: اللهم أني كنت نذرت (12) لك نحر أحدهم وأني أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت، فأقرع بينهم فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب ولده إليه فقال عبد المطلب: اللهم (13) أهو أحب إليك أم مائة من الإبل؟ ثم أقرع بينه وبين المائة من الإبل فكانت القرعة على المائة من الإبل فنحرها عبد المطلب.
حدّثني محمد بن يحيى عن الثقة عنده عن محمد بن إسحاق قال: حدثني غير واحد من أهل العلم أن عبد المطلب أرى في منامه أن يحفر زمزم في موضعها الذي هي فيه فحفرها بين أساف ونايلة الوثنين اللذين كانا (14) بمكة فلما استقام حفرها وشرب أهل مكة والحاج منها عفت على الآبار التي كانت بمكة قبلها لمكانها من البيت والمسجد وفضلها على ما سواها من المياه ولأنها بير إسماعيل بن إبراهيم في الموضع الذي ضرب فيه جبريل برجله فهزمه ونبع الماء منه، قال ابن إسحاق: وكان سبب حفرها أن عبد المطلب بن هاشم بينا هو نائم في الحجر فأمر بحفر زمزم في منامه وهو دفين بين صنمي قريش أساف ونائلة عند منحر قريش، قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد ابن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عبد الله بن يزيد اليافعي (15) أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها قال قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة قال (16) : قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني فرجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر برة، قال: قلت: وما برة؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: أحفر زمزم، قال: قلت وما زمزم قال: لا تنزف أبداً ولا تذم (17) تسقي الحجيج الأعظم عند قرية النمل قال: فلما أبان له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذٍ ولد (18) غيره، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بير إسماعيل وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها، فقال عبد المطلب: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر خصصت (19) به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا: فانصفنا فأنا غير تاركيك حتى نحاكمك فيها (20) قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم (21) قال: نعم وكانت بإشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر قال: والأرض إذ ذاك مفاوز فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة واستسقوا ممن معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: أنا في مفازة نخشى فيها على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فأمرنا بما شئت قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم لنفسه بما بكم (22) الآن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلاً واحداً فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً، قالوا: سمعنا ما أردت فقام كل رجل منهم يحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا لعجز لا نبتغي لأنفسنا حيلة فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قريش ينظرون إليهم وما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها فلما انبعثت به (23) انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشربوا واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم، ثم دعا القبائل التي معه من قريش فقال: هلم إلى الماء فقد سقانا الله عز وجل فاشربوا واستقوا، فشربوا واستقوا فقالت القبائل التي نازعته: قد والله قضى الله عز وجل لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبداً الذي سقاك هذا (24) الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم فارجع إلى سقايتك راشداً فرجع ورجعوا معه ولم يمضوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم، قال ابن إسحاق: وسمعت أيضاً من يحدث في أمر زمزم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قيل لعبد المطلب حين أمر بحفر زمزم: أدع بالماء الرواء غير الكدر فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش، فقال: أتعلمون أني قد أمرت أن أحفر زمزم؟ قالوا: فهل بين لك أين هي؟ قال: لا، قالوا: فارجع إلى مضجعك الذي رأيت فيه ما رأيت إن يكن حقاً من الله بين لك، وإن يكن من الشيطان لم يرجع إليك فرجع عبد المطلب إلى مضجعه فنام فأرى فقيل: احفر زمزم إن حفرتها لم تذم وهي تراث أبيك (25) الأعظم فلما قيل له ذلك: قال: وأين هي؟ قال: قيل له (26) : عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غداً، قال: فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذٍ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين أساف ونائلة فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت إليه قريش حين رأوا جده فقالت: والله لا ندعك تحفر بين وثنينا هذين اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب للحارث: دعني أحفر والله لأمضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيراً حتى بدا له الطي طي البير فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب - وهما الغزالان اللذان دفنت جرهم حين خرجت من مكة - ووجد فيه أسيافاً قلعية وأدراعاً وسلاحاً فقالت له قريش: إن لنا معك في هذا شركاء وحقاً (27) قال: لا ولكن هلم إلى أمر نصف بيني وبينكم نضرب عليها بالقداح، قالوا: وكيف نصنع؟ قال: اجعل للكعبة قدحين، ولي قدحين، ولكم قدحين، قالوا: أنصفت، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم قال: أعطوها من يضرب بها عند هبل وقام عبد المطلب فقال:
لا هم أنت الملك المحمود
ربي وأنت المبدئ المعيد
من عندك الطارف (28) والتليد
فاخرج لنا (29) الغداة ما تريد
فضرب بالقداح فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة وخرج الأسودان على الأسياف والدروع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف على باب الكعبة وضرب فوقه أحد الغزالين من الذهب فكان ذلك أول ذهب حليته الكعبة وجعل الغزال الآخر في بطن الكعبة في الجب الذي كان فيها يجعل فيه ما يهدى إلى الكعبة وكان هبل صنم قريش في بطن الكعبة على الجب فلم يزل الغزال في الكعبة حتى أخذه النفر الذي كان من (30) أمرهم ما كان وهو مكتوب أخذه وقصته في غير هذا الموضع، فظهرت زمزم (31) فكانت سقاية الحاج ففيها يقول مسافر بن أبي عمرو ابن أمية بن عبد شمس: يمدح عبد المطلب.
فأي مناقب الخيرات
لم تشدد به عضدا
ألم تسق الحجيج وتنحر
المدلابة (32) الرفدا
وزمزم من أرومته
وتملأ (33) عين من حسدا
وكان عبد المطلب قد نذر لله عز وجل عليه حين أمر بحفر زمزم لئن حفرها وتم له أمرها (34) وتنام له من الولد عشرة ذكوراً ليذبحن أحدهم لله عز وجل فزاد الله في شرفه وولده فولد له عشرة نفر، الحارث وأمه من بني سِواءة بن عامر أخو (35) هلال بن عامر، وعبد الله، وأبو طالب، والزبير وأمهم (36) المخزومية والعباس، وضرار وأمهما النمرية، وأبو لهب، وأمه الخزاعية، والغيداق وأمه الغبشانية خزاعية وحمزة والمفوم وأمهما (37) الزهرية، فلما تتام له عشرة من الولد وعظم شرفه وحفر زمزم وتم له سقيها أقرع بين ولده أيهم يذبح فخرجت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى فقام إليه ليذبحه فقامت له أخواله بنو مخزوم وعظماء قريش وأهل الرأي منهم وقالوا: والله لا تذبحه فإنك إن تفعل تكن سنة علينا في أولادنا وسنة علينا في العرب وقامت بنوه مع قريش في ذلك فقالت له قريش: إن بالحجاز عرافة لها تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك إن أمرتك بذبحه ذبحته وإن أمرتك بأمر لك (38) فيه فرج قبلته قال: فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوا المرأة فيها يقال لها: تخيبر فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره فقالت: ارجعوا اليوم عني حتى يأتيني تابعي فأسأله، فرجعوا عنها حتى كان الغد ثم غدوا عليها فقالت: نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل قال: وكانت كذلك قالت: فارجعوا إلى بلادكم وقربوا عشراً من الإبل ثم اضربوا (39) عليها بالقداح وعلى صاحبكم فإن خرجت على الإبل فانحروها وإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل عشراً ثم اضربوا بالقداح (40) عليها وعلى صاحبكم حتى يرضى ربكم فإذا خرجت على الإبل فانحروها فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم، قال: فرجعوا إلى مكة فأقرع عبد المطلب على عبد الله وعلى عشر من الإبل فخرجت القرعة على عبد الله، فقالت قريش لعبد المطلب: يا عبد المطلب زد ربك حتى يرضى فلم يزل يزيد عشراً عشراً وتخرج القرعة على عبد الله، وتقول قريش: زد ربك حتى يرضى ففعل حتى بلغ مائة (41) من الإبل فخرجت القداح على الإبل فقالت قريش لعبد المطلب: انحرها فقد رضي ربك وقرعت، فقال: لم أنصف إذا (42) ربي حتى تخرج القرعة على الإبل ثلاثاً فاقرع عبد المطلب على ابنه عبد الله وعلى المائة من الإبل ثلاثاً كل ذلك تخرج القرعة على الإبل فلما خرجت ثلاث مرات نحر الإبل في بطون الأودية والشعاب وعلى رؤوس الجبال لم يصد عنها إنسان ولا طائر ولا سبع ولم يأكل منها هو ولا أحد من ولده شيئاً وتجلبت لها الأعراب من حول مكة وأغارت السباع على بقايا بقيت منها فكان ذلك أول ما كانت الدية مائة من الإبل ثم جاء الله بالإسلام فثبتت الدية عليه، قال (43) : ولما انصرف عبد المطلب ذلك اليوم إلى منزله مر بوهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وهو جالس في المسجد وهو يومئذٍ من أشراف أهل مكة فزوج ابنته آمنة عبد الله بن عبد المطلب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :716  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 130 من 288
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.