شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 10 -
(نسمع صوت تساقطهم في الماء مصحباً بموسيقى مناسبة تحتلط بأنين الجرحى وتلاطم الأمواج بصدور الرجال يعقبه صوت حسّان وهو يقول):
حسان: يا أهالي زيلع. إنني على ظهر السفينة ومعي رفاق منكم فاستولوا على السفن الباقية وأبيدوا أعداءكم ولا تأخذكم أية شفقة أو رحمة بهم.
أصوات: لبيك يا حسان.. لبيك.. لبيك..
خالد: انظر يا إبراهيم إن حسان ومن معه قد وصلوا إلى السفن قبل أن يصلها القراصنة..
إبراهيم: يا له من شجاع.. يا له من قائد ماهر. لقد حال بين القراصنة والعودة إلى السفن فأغرق الموج بعضهم وحصدت سيوف رجالنا من تلقى منهم.
خالد: لقد أخذ القراصنة درساً قاسياً لن ينسوه..
إبراهيم: وهل نجا أحد ممن هاجمنا من القراصنة حتى يستطيع أن يتذكر ولا ينسى لقد حصدتهم سيوف حسان ورجاله ولم تبق أحداً منهم على قيد الحياة.
خالد: كيف رأيت حسان يا إبراهيم؟
إبراهيم: إنه فوق ما كنت أتصور وفوق ما قلت لي. إنه أعجوبة في جرأته وشجاعته وسرعة بديهته وفكره.
(نسمع صوت حسّان يصرخ بصوت مدوي والموسيقى مصاحبة وهو يقول):
حسان: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..
أصوات: (تردد التكبير نسمع بعدها صوت حسّان يقول):
حسان: الحمد لله استولينا على سفن القراصنة وأبدناهم عن بكرة أبيهم قولوا معي يا رجال: الحمد لله الذي صدق وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا هو لا شريك له.
أصوات: تردد ما يقول ثم نسمع موسيقى مناسبة يعقبها صوت إبراهيم وهو يقول:
إبراهيم: بورك فيك يا حسّان وتهنئة من القلب بالنصر المبين..
حسان: شكراً أيها الأمير. ((وما النصر إلا من عند الله)).
إبراهيم: لقد ثبت الله أقدامكم وأنزل السكينة في قلوبهم ثم آتاكم النصر الذي وعد به عباده المؤمنين.
حسان: لا تنسَ أيها الأمير أن وجودك بيننا قد ألهب مشاعرنا وزادنا حماساً فوق حماسنا ورغبة في الاستشهاد في سبيل الله فوق رغبتنا الدائمة.
خالد: لقد ضربتم مثلاً عالياً في الشجاعة والتضحية..
إبراهيم: ورأيت مكافأة لك يا حسان أن أوليك قيادة أسطولنا البحري ولتكن السفن الأربع التي غنمتوها من القراصنة نواة لهذا الأسطول.
حسان: شكراً أيها الأمير ولكني لا أستحق هذا المنصب..
إبراهيم: إنك تستحقه وأكثر. أما إخوانك المجاهدون فقد أوعزت بتوزيع ما كانت تحمل السفن القراصنة عليهم..
أصوات: عاش إبراهيم.. عاش إبراهيم..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عائشة تقول):
عائشة: يا لها معركة ضاربة يا فاطمة..
فاطمة: حقاً يا عائشة وكان عنصر المفاجأة فيها هو المخيف والمرقب ولقد كنت أضع يدي على قلبي وأنا أرى إبراهيم يخوض المعركة مع الأهلين.
عائشة: وخالد أنسيته يا فاطمة. لقد كان دائماً بجانب إبراهيم يقاتل ببسالة وشجاعة نادرة.
فاطمة: وحسان لعمري كان بطل المعركة فلو لم يقيضه الله لها لتغير الموقف ذلك لأن أهالي زيلع أخذوا على غرة وبدؤوا يفرون إلى بيوتهم عندما رأوا القراصنة.
عائشة: أجل. ودوَّى صوت حسان فأعاد الثقة والطمأنينة للنفوس واسترجع أهالي زيلع شجاعتهم فكرّوا على القراصنة وكان ما كان.
فاطمة: يا إلهي لعلي أول مرة أشهد معركة وقتالاً وأرى دماء تسيل ورؤوساً تقطع وجرحى تتساقط كأوراق الخريف حتى خضبت دماؤهم الشاطىء..
عائشة: وكم تمنيت أن أشترك في القتال يا فاطمة..
فاطمة: لقد اشتركنا في القتال. ألم نقم بتضميد الجرحى ونقل الماء للمقاتلين وكان وجودنا خلفهم مشجعاً - ومثبتاً فهم على الصمود. ثم..
عائشة: ثم ماذا؟
فاطمة: هل كنت تستطيعين القتال وسط الماء؟
عائشة: لا. وهذا هو العائق الوحيد..
فاطمة: المهم انتصرنا والحمد لله..
عائشة: الحمد لله وكسبنا أربع سفن ستكون نواة لأسطولنا البحري كما قال إبراهيم.
فاطمة: وكسبنا قائداً فذاً هو حسان بن سهيل فقد كشفت المعركة مواهبه الدفينة.
عائشة: صدقت. ولقد أعطينا القراصنة درساً لن ينسوه بعدما تكررت تعدياتهم على موانئنا حتى أصبح سكان هذه الموانىء في رعب دائم منهم.
فاطمة: رب ضارة نافعة.
عائشة: سأطلب من إبراهيم السماح لي ولك بزيارة السفن التي غنمناها.
فاطمة: فكرة يا عائشة وإني مثلك تواقة لذلك.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت البطريق كرياكوس يقول):
كرياكوس: ما هي أخبارك أيها القس مرقص؟
مرقص: أخباري سارة يا جناب البطريق.
كرياكوس: هات. بشرني..
مرقص: تسير الأمور وفق المخطط الذي رسمناه؟
كرياكوس: كيف؟ قل. وافصح..
مرقص: استطاع عملاؤنا في شرق إفريقية أن يتصلوا بالمهاجرين المسلمين ويتعاونوا معهم.
كرياكوس: يا لها بشرى مفرحة جداً. جداً.
مرقص: وقد بدأ جو من الاطمئنان والثقة يخيم على سماء تلك الجهة أرجو أن يؤدي إلى النتائج التي نسعى إليها.
كرياكوس: هذا يعتمد على براعة عملائنا هناك. المهم..
مرقص: المهم ماذا؟
كرياكوس: أن يحول عملاؤنا هناك دون قيام أية دولة إسلامية في شرقي إفريقية.
مرقص: حتى الآن البوادر تدل أنه ليس لدى المهاجرين المسلمين هناك أي تفكير في إقامة دولة إسلامية أو أي كيان إسلامي لهم.
كرياكوس: شيء جميل. واتجاه يدل على نجاح خطتنا ثم.
مرقص: ثم ماذا؟
كرياكوس: أن يظل سكان البلاد الأصليين حذرين من المهاجرين الغرباء.
مرقص: هذا عنصر مهم في الخطة يا جناب البطريق.
كرياكوس: بالرغم من إشاعتك السرور في نفسي يا مرقص فإني أخشى.
مرقص: تخشى ماذا؟
كرياكوس: أن يتصل مسلمو الصومال بالمسلمين في شرق إفريقية ويكونوا اتحاداً بينهم يدمر خططنا ويقضي عليها.
مرقص: هذا لن يكون..
كرياكوس: كيف؟
مرقص: المسلمون في الصومال من قبائل مضر أو جلهم من المضريين والمسلمون في شرقي إفريقية من قبائل حمير.
كرياكوس: لا أفهم ما تقول يا مرقص؟
مرقص: المضريون والحميريون لا يتفقون كل منهم يريد الزعامة لنفسه. أما سمعت؟
كرياكوس: سمعت ماذا؟
مرقص: إن من أسباب سقوط الخلافة الأموية هو التنافس على الزعامة بين المضريين والحميريين.
كرياكوس: أتعني العصبية القبلية؟ ها. الآن فهمت. ما أوسع إطلاعك وأغزر معارفك.
مرقص: العفو. العفو. ولذلك فمن المستحيل أن يكون هنالك تقارب بين المسلمين في كلا البلدين حتى لو فرضنا وتم فإنه لن يدوم طويلاً..
كرياكوس: ولكن كيف اتحدوا أيام نبيهم محمد؟
مرقص: النبوة وشخصية نبيهم محمد الفذة. الشخصية المعجزة.
كرياكوس: حقيقة إنها شخصية معجزة استطاعت أن توحد بين الحفاة العراة وذوي النزعات والعصبيات المتباينة المختلفة.
مرقص: وقد لعبت شخصيات الخلفاء الراشدين من بعد محمد والفتوحات الإسلامية دوراً عظيماً في الإبقاء على وحدة الصف الإسلامي.
كرياكوس: هذا شيء ملموس ظاهر..
مرقص: حتى إذا ما توقف الانسياب الإسلامي وخلد المسلمون إلى حياة الترف والنعيم ظهرت عنعناتهم القديمة إلى الوجود وكان من أثرها سقوط الخلافة الأموية العباسية.
كرياكوس: تحليل رائع يا مرقص. إذن فلنطمئن إلى استحالة قيام تعاون بين المسلمين في الصومال وإخوانهم في شرق إفريقية.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت إبراهيم يقول):
إبراهيم: أرى ظلال أيامي تقاصرت وإني لسعيد أن ألقى ربي وأنا مرتاح الضمير لأني عهدت إليك يا خالد بعدي وأنت نعم الخلف واستطعت بعون الله أن أثبت قواعد الدين الحنيف بهذا البلد.
خالد: أنت بخير يا إبراهيم وأنها وعكة طارئة ستبرأ منها بمشيئة الله تعالى.
إبراهيم: إني أحس بدنو أجلي ولم تبق إلا حفنة في السراج سيلفظها. فأوصيك بتقوى الله وبأهل البلد وأوصيك بعائشة من بعدي فكن لهم الأخ الشقيق.
خالد: إنك تتعجل الموت يا إبراهيم إنك بخير. ثق إني سأكون عند حسن ظنك حتى نتلاقى في يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتى الله بقلب سليم.
(نسمع بكاء عائشة ونشيجها مصحباً بموسيقى حزينة يعقبها صوت إبراهيم يقول):
إبراهيم: أتبكين يا عائشة؟
عائشة: ولم لا وهل أبقت كلماتك مكاناً للتجلد والصبر في قلبي..
خالد: هوني عليك يا عائشة فإن إبراهيم بخير بإذن الله..
إبراهيم: الله هو الشافي والمعافي..
عائشة: جعلني الله فداء لك يا إبراهيم.
خالد: ادع له بالبرء والعافية..
إبراهيم: وماذا عن حسان يا خالد؟
خالد: الآن أعجبتني يا إبراهيم. إنها علامة من علامات الصحة والعافية الحمد لله الحمد لله. أما عن حسان فهو مشغول بأسطوله وتجهيزه وخاصة بعد شرائك السفن الثلاثة الأخرى.
إبراهيم: الأسطول ضرورة ملحة يا خالد لحراسة شواطئنا الطويلة. ضع نصب عينيك تنميته وتقويته واحرص على حسان ما استطعت فإنه شعلة من الذكاء وفلتة قلما يجود بها الزمان.
خالد: سأفعل كن مطمئناً يا إبراهيم. والآن..
إبراهيم: والآن ماذا..؟
خالد: متى ترى نفسك مستعداً لزيارة الأسطول فحسان قد هيأه وجهزه لتصلي بالناس فيه وتدعو الله لهم بالنصر والسلامة.
إبراهيم: متى ترين يا عائشة.
عائشة: عندما يأذن الطبيب المداوي.
خالد: إذن نترك ذلك لرأي الطبيب.
إبراهيم: وهو كذلك.
خالد: استأذنك في الانصراف..
إبراهيم: إلى أين؟
خالد: إلى أم سليمان فقد خرجت من الصباح الباكر وحان وقت الظهر وأنا لم أعد..
إبراهيم: كيف سليمان؟
خالد: إنه بخير يدعو لخاله بالصحة والعافية والعمر المديد. ويسأل عن مزينة دائماً.
إبراهيم: قل له إنها له إذا بلغ مبلغ الرجال..
خالد: وعائشة ما رأيها؟
عائشة: وهل عندي لها أحسن من سليمان وإني لأدعو الله أن تلد فاطمة بنتاً لتكون من نصيب ولدنا عثمان..
خالد: ربنا يتقبل دعاءك يا عائشة.. بحفظ الله وأمانه..
إبراهيم: بحفظ الله وأمانته.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مرقص يقول وهو حزين):
مرقص: فجيعة. فجيعة يا جناب البطريق..
كرياكوس: كفانا الرب شر الفواجع فجراحنا لما تندمل بعد. هل من فاجعة جديدة.
مرقص: أجل وأي فجيعة..
كرياكوس: قل يا مرقص فقد حطمت أعصابي..
مرقص: القراصنة. القراصنة.
كرياكوس: ماذا عن القراصنة؟
مرقص: هاجموا ميناء زيلع فأبيدوا عن بكرة أبيهم وغنم المسلمون سفنهم وجعلوا منها نواة لأسطولهم البحري..
كرياكوس: يا لها من فاجعة أليمة. مرقص. أحس بدوار فظيع أسندني..
مرقص: إنها صدمة الفجيعة.. هوّن عليك. سنعرضهم عنها.
كرياكوس: (يدخل في دور الاحتضار) ومن يعوضني حياتي..
مرقص: (يصرخ) أغيثونا.. أدركونا.. بالطبيب. بالطبيب. حالاً..
(نسمع هرجاً ومرجاً وركضاً يدخل الطبيب مسرعاً والموسيقى مصاحبة وهو يقول):
الطبيب: ماذا حدث؟ أين المريض..
مرقص: كرياكوس.. أسرع إليه.. أسعفه أيها الطبيب..
(يفحصه الطبيب فيتبين له أنه فارق الحياة فيقول):
الطبيب: لقد مات. قبل دخولي. مات..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :690  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 33 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج