شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
507- صَلاة الغُربَة!
[أرسل إليَّ الشاعر أحمد المعلّمي قصيدة، هذا مطلعها]:
من الَّذي في هَواهَا ذَابَ واحْترقا
سلُو دموعي؛ سَلُوا الأجفانَ والحدَقَا!؟
 
فقلتُ مجارياً:
لا تعذلي دمعَهُ إنْ غَارَ، أو شرقا
وباتَ يشكو إليك الحزنَ والأرقا!
رفيقةَ العُمر؛ رفقاً إن بكى.. فَلهُ
أشجانُ مَن فقدَ الأحبابَ والرُّفقا
وأنتِ وحدَك من واسى شبيبتَهُ
سيّان في القيدِ أو حُرّا ومُنطَلقا!
تُصْغين، إن قال، تَحْناناً، وإن شَطحتْ
ظُنُونُه ذُدْتِ عَنهُ الخوفَ، والقَلقا؛
دَهْراً يُردِّدُ أشعاراً.. مكرَّرَةً؛
لم تَسأمي مِنه تكراراً، ولا نَزقا!
تُهَدهدينَ الأماني إن غفا؛ وإذا
صَحَا ابتسمت بِلُطْفٍ يَرْحَم الحمقا!
* * *
واليوم لا تعجبي إنْ بَاتَ مُكْتئباً
فَشِعرُ صاحبه كالسهم قد رَشقا؛
رَمَى فؤاداً بغير الحب ما نَبضَتْ
أهواؤه، ولغير الحُسْنِ ما عَشِقَا
مِن "جِلَّقٍ" جَلق الذكرى على كبدٍ
مريضةٍ؛ فهفتْ تَنْثوا الشجا حُرَقا (1)
* * *
يا مَن تغرّب، لا جُبْناً ولا طمعاً
في كسْب مالٍ، ولا خوفاً، ولا مَلقا؛
لكنْ هوى في عذابِ الشوق يَلْسعُهُ؛
إذا تَذكَّر "صنعا" ذاب، واحترقا
وتلك شرعة من لِلْحُب قد خُلقوا
وللهيام؛ ومنْ سَنّوا لَهُ الطُّرقا
وقد بكى صاحب "الكندي" مُدّكرا:
كما بكى "ابن زُريقٍ" بل قضى صعِقا
شعر "الحنين" إذا غنّاه مُنتَجعٌ
تَمَلْمَلَ الليلُ وجداً، وانطوى فَرَقا؛
وأقبل الفجر يسعى خاشعاً ثملاً؛
يَنشوا أحاديث منْ عنهم قدِ افترقا
يأتي بِها من نأى من بَعْدِ غُربتِهِ
أو في "البريد" إذا "السَّاعي" بهِ طرقا
* * *
والشاعرُ الفذّ من يَدْري قوافيهُ
وصَانَ أوزانها باللحْن مُتَّسِقا!
ولَمْ يُمخرق بما لا نَستطيعُ لَه
فَهما ولا جُنَّ بالألْفاظ واخترقا
شعر الحقيقةِ روحُ الفَن نَحْفُظُه
ومن هَذَى صَلَفاً أو خانه انسحقا
"والشعرُ ما لم يكن ذكرى وعاطفة
أو حكمة"؛ فهو لَغوٌ ينثرُ الخرَقا
وللْقوانين في شرع؛ وفي أدَبٍ
قداسةٌ؛ كل مَنْ لَمْ يرعها فَسَقا!
"أخي" أتذكُر إذ كانت قصائدنا
شوقاً إلى الفَجِر تَحدُو للسُّرى الغَسقا؟
وكم أرَقنا لَهُ وَزناً، وقافيةً
وكم نسجنَا لَهُ مِنْ وهمِنا فَلَقَا!
حتى إذا لاح وانثالَتْ قوافلنا
عليه، تَرشَفُ منه الأمنَ والألقا
قضى شهيداً، وعاد الليل مُنْتقما
ومزقَتْنا دياجي رُعبه مِزَقا
ولم نجدْ غير كَهفِ الشعر مِنْ وَزَرِ؛
فيه"نُهندسُ" فجراً صادقاً، لبقا
إذا تمرد وهمٌ راضهُ نَغَمٌ
يسْقِيه راحَ القوافي قَرقفاً، عبقا؛
وإن طغى اليأسُ مزَّقْنا جَحافِلُه
بالشعرِ "مُلْتَزِماً" والشعر مُنْطَلقا!
مَهْلاً، أخي، لا تلُمْ حظّاً، ولا زمناً
وصُنْ دموعك، واصبر، واترِك القَلَقَا
"مافي" الهوادج عن أرْواحنا عوضٌ
إذا هَلكنا.. كما قد قَال من سبِقا
"تَلْقَى بكلّ مكانٍ إنْ حَللْتَ بهِ
أهلاً بأهْل وجيراناً".. ومُرتَفقا؛
هذا؛ إذا اليأس لم يَتركْ لِشاعِره
رجاء وصل، ولا حتى خيال لُقَى؛
أمّا الألى اعتبروا، أو بالهدى عبروا
جسْرَ الضلال. فَهُمْ لاَ يَعْرِفون شقا؛
يَسْتَروحُون نسيم الحُبّ مصطبحاً
ويرْشفون رحيق الخُلدِ مغتَبقا
* * *
لِلْحُب والحُسنُ محراب؛ إذا خشعَتْ
فيه أحاسيس صب بالهدى نطَقا
حبّ البريَّة؛ مَنْ حابى. ومَنْ صدقَا
ومن تغابى، ومَنْ والى ومَنْ أبقا؛
والحسْنُ في نظرةٍ أو في شذى زَهَرٍ
أو في سَنَا قَمَرٍ يُسبي إذا ائتلَقَا
أو في مودة إنسانٍ إذا قَدُمَتْ
صَفَتْ، كما يتصَفَّى الخمر إن عتُقا
من عَلَّم الطير نوح الوُرْقِ؛ إن صَدحتْ؛
غنّى هزارٌ، وطيرٌ آخرٌ نعقا
هو الذي خلق الإِنسان في أمَم
واختار للشَّعْر منهم بعض مَنْ خلقا!
شتى لُغات لمخلوقاته ولها
فيهم ضَجيجُ الذي قد خارَ، أو نهقا
إذا نَفى الحِقدُ حَقي صنتُه حَدَباً
ولو أردتُ مُحاباةً به.. نفقا!
"خمس وعشرون عاماً" ما فَتِئتُ بها
أعاشرُ الخوف والأوهامَ والأرقا؛
* * *
مِن بعدِ "حجة" في أرض "الكنانةِ" قدْ
كنتُ الذي بوعود الحقّ قَدْ وثقا!
نصحْتُ: لكنهم قدْ داهنوا لغتي
فَعْدتُ بالصمت أغشى روضه الغدقا
أخلَصْت ودي؛ وأصحابي على دخَنٍ
يرون أني أغنِّي الصَّمتَ.. والحنقا!
"عبد العزيز"؛ بلادٌ أنتَ شاعرُها:
كم أنجبتْ قبل فذَّا شاعراً، ذلقا (2)
حَبَا "الكنانة" ما يَسْطيع من أدبٍ
وعَلَّم النَّاس فيها الدينَ والخُلقا.. (3)
في أرضِنا منهم "الأحبابُ" قد رشفوا
كأس المودة، لا نزراً ولا رنقا
ولو أردْنا لقلنا ما يشينُ. وقد
نال الذي نال منهم -مَرَّةً- رَهقا..!
فكيف لم يَقْبلوا "حُرا" يعيشُ. وقد
رعَى رياضَ الوفا في أرضهم وسَقَى؟
لكنْ.. وصوتُ دم التَّاريخ يصرخُ في
"قَبْرٍ" "عُمارةُ" قد وافاه منشنقا..!
حتى "الصديق" الذي قد كان يحمده
قد أوصدَ الباب عنه خائفاً، صَفقا (4)
تُعطيك عذراً لِمَن قد كان ذا ملق
منهم وهُمْ -فطرةً- ذو رحمةٍ وتُقى
دَعْوى "اليَسار" شِعارٌ ضدّ مَنْ حذقا
مثل "اليَمين" شِعارٌ ضدّ مَنْ صَدقا!
مكر يُلَفِّقه "السَّوَّاسُ" إن غضبوا
على الألى يُنكرون الزور والملَقا
إن جاءهم "مؤمنٌ قالوا به خَطَلٌ
أو جاءهم عالم.. قالوا لقد مرقا..!
لِلحقِّ ميزان عدلٍ عند شوكته
لا يستقيم سوى من عز أو حذقا
نحن الألى أيقظوهُ من مراقِده
ونحن من ألَّف "الميثاقَ" واعتنقا (5)
ونحن من صاح "بالدستور" نطلبُه
للشعب حُكماً عن الإِسلام منبثقا..!
إن كان خيراً فقد كُنا طلائعه
أو كان شراً فقد خِبْنا، وقد محقا
واليوم ماذا؟ أرى الآمال رابضة
في "مجلس الشعب" ترجو منه منطلقا
يحقق "الوحدة الكُبْرى" على أسُسٍ
حرية الرأي فيها تحرس الخُلُقَا.!
أما الدَّعاوى. إذا كانت مزيفةً
يَحمي بها الظلمُ من داجى ومن سرقا
فسوف يبغتُها في لَيل نَشوتها
من يحطمُ القيد. أو مَنْ ينقض الرّبقا
شقاشقُ الشعر تغلي في دمي ألما!
تستنْكر الظلم، لا طيشاً ولا حمقاً
لكنَّ حرية؛ نادى بشرعتها
من ثارَ أو مَنْ بدين الحُب قد وثقا!
* * *
لا تعذلوا شاعراً يبكي مآسيهُ
وفي "بروملي" أناخَ الهَمَّ وارتفقَا
عُشّ الدُّموع الذي بالدمع قد نسَجَتْ
لها بِهِ من دموعي.. "غُرْبتي" حَدَقا.!
فأصبحت حُرَّةً تبكي. وقد ملكتْ
عُشّا يُكَفكِفُ جفن الحُزن إن شرقا..
حتى "عصافيرها" تهوى مُسَاجلتي
صوتاً بصوتٍ، وتحكيه إذا اخْتَنَقا
* * *
أخي؛ ترى لَو تركنا الشعر "يَعْصدهُ"
من "يعصد" النثر، واخترنا السكوتَ وِقا!
فَهَلْ سيرضى "ضميرٌ" كنتَ شاعره
سقاهُ غيثُ "الزبيريُّ" قَبلَما احترقا؟
هل نتركُ الشعرَ "للسقّافِ" يهدمهُ
نثراً، ويزعمُ حقّاً كلَّما اختلقا..؟ (6)
قد شَوَّهَ الشعرَ تَحليلاً، وترجمَةً
فحادَ عن لُغةِ التَّبيين وانْزلقا؟
لا: سوفَ نحمي حِمَى التاريخ دون هوى
ونشجبُ الدَّجل. والتضليلَ، والخرقا
وليحفظِ الله أرْضاً كنتَ تسكُنها
ويا رَعَى "بَرَدَى" مِنْ غَيْثه، وسقَى
بروملي: 27 ذي الحجة 1398هـ
27 نوفمبر 1978م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :354  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 537 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية الكاملة وأعمال نثرية

[للشاعر والأديب الكبير أحمد بن إبراهيم الغزاوي: 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج