شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ
كلمة الناشر
إن اختزال الزمن بما فيه من تجارب ثرية وصداقات وطيدة وتجارب حية أمر ليس باليسير إذا ارتبطت هذه المعطيات بأية شخصية عادية؛ فما بالك إذا كانت هذه المعطيات لشخصية مثل معالي أستاذنا الكبير السيد أحمد محمد الشامي الذي بلغت صداقتي له عمق ما يزيد عن ربع قرن من الزمان.. وهو المعروف بشخصيته النادرة المتعددة الجوانب التي تتيح للباحث الدارس الذي لا تربطه علاقة شخصية حميمة – أن يبحر معه شرقاً وغرباً، ويكتب الكثير في كل أو معظم ضروب المعرفة والنقد والتحليل. فهو سياسي ومؤرخ وأديب وشاعر وباحث ودبلوماسي، وفوق هذا وذاك مجاهد كبير له مواقف رجولية جعلته من أبرز الشخصيات في اليمن خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
لكل ذلك يصعب تناول شخصية وأعمال معالي السيد الشامي دفعة واحدة.. أو الاكتفاء بجانب واحد!! فالشخصية التي تتمتع بهذا الثراء والحيوية ينبغي أن نفرد لها صفحات ونوفر لها الوقت الكافي حتى تستفيد الأجيال القادمة من تجاربها وعلمها. وبما أننا بصدد دراسة الشعر باعتباره نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كثير من القضايا التي شغلت الشاعر وترجمت عواطفه وأفكاره وحسه الوطني خلال حياته الحافلة – أمدَّ الله في عمره ومتَّعه بالصحة والعافية – فلا بأس من أن يكون مركز دائرة هذه المقدمة ومنتهاها الشعر ولا غيره في حياة هذه الشخصية المتعددة المواهب.
الشعر، كما يقال، أبو الفنون وعلى رصيده انطلق المسرح الإِغريقي القديم وشهد المسرح الروماني الملاحم الأدبية الشهيرة التي أكسبت المسرح فيما بعد قيمته الحضارية المعروفة. وبصفة عامة الشعر بالنسبة لمعالي السيد الشامي يعكس مرآة نفسه ونفسيته، يترجم لنا ما خفي واعتمل في داخله تجاه مختلف القضايا الفكرية والسياسية والأدبية، وللنواحي العاطفية نصيب فيما قال من شعر رومانسي رقيق.
لقد اشتهر معاليه –شاعراً– بين كبار الشعراء، عندما كان في شرخ الشباب.. فقد شق شعره طريقاً واضحاً بين فطاحل عصره عندما كان في العشرينات من عمره المديد بإذن الله. وشغل في ذات الوقت أرفع المناصب.. وجاهد من أجل مبادئه حتى دخل السجن.. لم يركن لحياة الدعة والرفاهية التي أهلتها له مكانته السياسية والاجتماعية والثقافية.
ولست بصدد التوسع في مواقفه السياسية البطولية وجهاده الذي سطع نجمه أثناء السجن ومواقفه المعتدلة بعد خروجه من السجن.. فتلك وغيرها مواقف سجلتها الكثير من الكتب والدراسات، ولعل أوفاها كتاب (أحمد الشامي شاعراً) الذي أصدرته الدار اليمنية للنشر والتوزيع وحوى الكثير من ذكريات الأستاذ الأديب قاسم بن علي الوزير مع شاعرنا الشامي. ويكفي من خلال هذه الكوة أن ألقي بعض الضوء على زوايا تنفرج وتضيق من شعره بقدر ما تيسر لي من اطلاع لا بقدر عطائه الكبير.
شعر معالي السيد الشامي واسع الآفاق مترامي الأهداف كثير المعاني والمضامين والأغراض.. وفيها كلها تَرفُّع عن الصغائر والكلمات النابية التي تخدش الحس والحياء. فجاء شعره عذباً سلسبيلاً يبل الصدى ويروي الغليل.. وبكلمة نقول إن شعره في الأساس نتاج موهبة فذة صقلها بالمران المتواصل والعطاء الجاد. وبالتالي استحق أن يقترن اسمه مع كبار الشعراء في الوطن العربي وليس في اليمن فقط.
وإذا كان الناس، وما زالوا، يحتفظون بمفكرات ومذكرات وكراسات لتدوين شؤون حياتهم فإن معالي أستاذنا الشامي قد جعل من الشعر أداته الطيعة للتعبير عن كوامن نفسه، عبَّر به عن كل ما يود أن يقوله.. وما لا يود أن يقوله.. ولكنه نفثة يراع يودعها الطرس بعد أن يجوب بصره الأفق ويرتد إليه ظافراً بما تجود به قريحته الأخاذة وذاكرته القوية وشاعريته الرقيقة. كما أن أسفاره ورحلاته المتعددة لم تكن متعة بقدر مـا هي استقراء للواقع من بعيد والبحث عن بعض الهدوء النسبي والانفراد بالذات لتتجلى شاعريتها العبقرية فتأنس بالطبيعة والطيور والناس.. تحلق في آفاق الكون وتعود خفاقة الجناح تسكب أحاسيسها شعراً يغرد بين جوانح الوجدان.
ولمعالي السيد الشامي كما ذكرت آنفاً شعر جيد في مختلف الأغراض ليس هناك مفاضلة بينها، وترتيب تناولها بالبحث والتحليل ليس له مدلول سوى التذوق الذاتي لهذا العطاء الفني الجميل.
ولنبدأ بالشعر السياسي: فقد واكب معاليه فترة حرجة في تاريخ اليمن المعاصر وكان له دور فاعل وبارز صعد به إلى سدة الحكم ثم هبط به إلى غياهب السجن وقد عبر عن جميع حالاته شعراً.. ومنه شعر المديح الذي مدح فيه بسخاء نادر ووفاء جميل الإمام أحمد رغم اختلاف المواقف السياسية وضروب التعذيب المختلفة والإيذاء المبرح الذي تعرض له الأديب الشاعر، إلاَّ أن وفاءه ظل في مكانه وقال شعراً رقيقاً في المدح والاستعطاف قد يرى غيره إنها مدعاة لوصفه بالضعف.. لكن الضعف صفة بشرية وهل إلى مفر من سبيل؟
العبرة في هذا المدح الذي انطلق من الفؤاد أنه يضع حداً فاصلاً بين الوفاء وإيفاء الحق وبين الملق المريب.. لم ينكفئ الرجل على جروحه يلعقها ويقتات بالحزن والحقد.. كلا فهو كما عرفته ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذئ.. إنه خيار من خيار أبت نفسه الكريمة إلاَّ أن يعطي كل ذي حق حقه ويبقي شعره للتاريخ شاهداً له أو عليه.
أما شعره الغزلي فهو رصين موطد الأركان نابع من القلب شأنه شأن جميع شعره.. ولا يمكن إلاَّ أن يكون عن تجربة أو أكثر فهو شاعر غرد طليق يطير من فنن إلى فنن ناقلاً فؤاده حيث شاء من الهوى ويبقى الحب للحبيب الأول.. لكنه في مجمله شعر حزين يجد القارئ بين سطوره خيوط مأساة شاعر يحاول إخفاء ما تنبئ عنه الآهات.
وفي النهاية يبقى حبه لوطنه (اليمن) فوق كل اعتبار وقد كتب المطولات يبث فيها يومه وغده لواعج فؤاده لذلك الوطن الكبير الذي غذى روحه وغرس فيها الثورة وحب الناس والأرض والحرية.
لم يقتصر شعر معالي أستاذنا أحمد الشامي على الشعر العمودي لكنه كان من أوائل الذين تناولوا النظم الشعر (الحر) رغم اختلاف وجهات النظر في كونه شعراً أم لا.. إلاَّ أنه في النهاية كلام جميل يستحق التأمل وقناة لنقل المشاعر، وإذا كان الشاعر يمثل لسان قومه وسفيرهم في كل مكان تصل إليه ورقة مطبوعة فهو في نفس الوقت صاحب رسالة هي في الأساس رسالة حب لكل الناس.. ومن سولت له نفسه اتخاذ الشعر أداة لأي غرض غير ذلك فهو ساقط لا محالة في مستنقع (المنسيين) طال الزمان أم قصر.
وهذا اللون من شعر معالي السيد الشامي عفيف نظيف يحمل موسيقاه الداخلية الخاصة التي تميزه عن الأشعار المرسلة الكثيرة التي ملأت الساحة وأضعفت من قيمة هذا اللون الشعري حتى حسبه البعض هروباً من الشعر وعدم تمكن من أدواته، غير أن شاعرنا الشامي متمكن ومتمرس في أدائه مما ينفي عنه صفة الهروب من العروض الشعرية والقوافي والوزن التقليدي.
ولعل مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام (لزوميات الشامي) التي أجهد فيها نفسه وبرهن من خلالها على تمكنه من أدواته حيث انتهج فيها منهج لزوميات المعري.. الذي ترك أثراً كبيراً في شعر الشامي من حيث جزالة اللفظ وعمقه. إن من يقتفي أثر المعري جدير بأن ننظر في شعره بكثير من الإكبار لأننا للأسف نعيش في زمن أصبح الكثيرون لا يقرؤون.. حتى مجرد قراءة مثل شعر المعري. وقد سجل من خلالها مجريات حياته وجعلها دفتر مذكرات مفتوح للجميع وصاغ من خلالها شعراً صافياً رقراقاً سجل ما قابله من أحداث سياسية واجتماعية وتاريخية عكف على تدوينها عبر سنوات طوال لتكون في النهاية بين يدي القارئ الكريم رمزاً لفحولة هذا الشاعر الرقيق.. الإنسان.. الذي حمل رسالة الشعر والشعراء وأدى أمانته على أحسن وجه.
عَبْد المقصُود محمّد سَعيْد خوجَه
جدة: 25/6/1412هـ
31/12/1991م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1566  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج