شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اعتيادات في غير أيامها! (1)
اعتدت دائماً قبل أن أنام أن أقص على نفسي حكاية غرامية أو بوليسية، حتى إذا هوِّمت نسيت كل شيء..
ولقد أعلنت الصحف يوماً أن هناك مجرماً هرب من قبضة العدالة..! فلم أنم أياماً وليالي، وشغلت نفسي بمطاردته والبحث عنه في الأرض السابعة، وفي القمر مع أبوللو، وحفيت عيناي، قبل أن تدمي قدماي، ولم أسترح حتى ألقيت عليه القبض!
كيف..؟
لقد كان مغلولاً داخل السجن، وأنا أبحث عنه خارجه، ووضعت يدي على رأسه، وقلت.. لقد جاء بك الله يا خبيث.
ومنذئذ تواريا "شرلوك هولمز، وأرسين لوبين" خجلاً مني، واعترفا بأني قد أكون نبياً جديداً من أنبياء التوراة الذين لا عداد لهم!
وأنا أحب "الدم"! أحب منظره فقط لا سفكه؛ ولذلك ينتابني لون من الوجد العارم كلما رأيت لوناً دموياً في خد أو في عنق أو في زهرة.. من دموية الطين الأحمر في الأرض إلى شفق السماء!
ولقد أرقت ليالي كاملة إلى الصباح -ولا أرق الأعشى (2) - ذلك لأني لم أجد حكاية أقصها على نفسي، واستنجدت بكل قصاصي الدنيا من تودد الجارية وقمر الزمان وشهرزاد ودنيا زاد إلى موباسان وفلوبير وتوفيق الحكيم، فصفعتني قبضة من الغبار أدارت رأسي من رمحهم البالية..
وأذكر مرة -في عقدة نفسية- أني قصصت على نفسي قصة الذئب الذي لم تأكله النعجة، وأشاحت عنه عفة وتكرماً، ولم أجد في نفسي أي داعٍ لتعليلها، وهل هي قصة حقيقية أو سوريالية أي ما فوق الواقعية.. ولكني نظرت إلى الذئب نظرة رثاء، ورمقت سيدتنا النعجة ببالغ الإعجاب!
حتى الحُمّى الشوكية لا تفرز هذا الهراء، وإذا أفرزته غلطاً، فإنه لا يكون متصلاً على هذا النحو الذي انتحر فيه الكسائي ومات سيبويه!
قصة واحدة قرأتها طيلة سبع وخمسين سنة، ثم بصقت عليها، ومزقت أوراقها، إنها قصة حياتي!
ما هي قصة حياتي؟!
كلب لهث أكثر من خمس وخمسين سنة، ثم بصق التراب بلسان غير أحوذي!
ونظرت إلى نفسي وأنا غير جاهل أدرس في ساحة باب زيادة في الحرم الشريف، كل متبلج صباح على المرحوم محمد العلي التركي شرح زاد المستنقع في الفقه الحنبلي، ومعه محمد الضبيب، بالتصغير، وكانا يسكنان برباط بباب زيادة مما يلي سويقة.
وأخذت أفكاراً عن المذهب الحنبلي، وعن الفروق بينه وبين المذاهب الأخرى..
ثم أقلعت، وربطت جوادي عند مكتبة أحمد حلواني تحت مدرسة الفلاح بالقشاشية، وصرت آخذ منه الكتب بالعشرات مع دفع قيمتها..
وفي مرة من المرات، سرقت منه كتاباً لم أستطع دفع قيمته، فلاحقني وسدد إليَّ صفعة بكفه تطاير منها الشرار من عيني، واسترجع الكتاب بعد أن وصفني بكل المذمات والإهانة!
وقد تقبلتها بكل سعة، ولم أذب عن نفسي، ولم أدافع.. لقد كنت سارقاً!
.. سارقاً ثقافة، لا أستطيع أن أبذل ثمنها من جيبي الخاوي.. أريد أن أجلو نظري وقلبي وعقلي وبصيرتي في الاطلاع على كل شيء.. هناك جحيم يحرقني إلى المعرفة.. إلى اكتناز الأشياء، إلى فلسفة الوجود.. إلى الخبايا.. إلى الزوايا.. إلى أخيلة تمنعني من ارتياد أطرافها..
ما هو جحيم المعرفة؟
أن تعرف كل شيء.. هذا خواء قواء!
اللهفة على العلم بماذا تُعرّفها؟ وليس هناك من يبيع نفسه للشيطان ليخلد على الزيف والأكاذيب..
وإذاً ماذا يبقى عندي؟
من كل هذه الحسابات.. بكل ألوفها وملايينها.. بقي عندي الصفر (0، 0).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :493  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.