شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بقية الأشياخ (2) (1)
جعلوا الأستاذ محمد حسن فقي مساعداً لإِمام الخط في حينه سليمان غزاوي وقد بلغ من عمره أرذله، والأستاذ الفقي بعد تخرجه موصوف ببراعة خطه..
أما الأستاذ علوي مالكي، فقد أصبح مدرساً لنا في الإنشاء، وقد كان نعم الأستاذ، لا في فنه فحسب، ولكن حتى في خلائقه الفضلى..
عندما تعطل يد.. تتحرك يد أخرى للمساعدة والإِسعاد، وحينما ارتعشت يد أستاذ الخط وثقلت، جاءنا أستاذنا الفقي بيده النشطة الفتية ليذكي أوار الخط العربي، وليزيد في ترقيته وتحسينه على أيدينا الغضة، وأقلامنا البوصية، المؤرجة بأنفاسنا اللاهثة!
كنا قد استظهرنا حفظاً أكثر من خمسمائة بيت من ألفية ابن مالك في النحو مع شرح ابن عقيل عليها، وما أزال أذكر منها:
قال محمد هو ابن مالك
أحمد ربي اللَّه خير مالك
مصلياً على النبي المصطفى
وآله المستكملين الشرفا
وبعد: هذي.. ألفية
مقاصد النحو بها محوية (2)
[وتقتضي] رضى بغير سخط
فائقة ألفية "ابن معطي"
وهو بسبق حائز تفضيلاً
مستوجب ثنائي الجميلا (3)
وكما يرى قارئ هذا المثال.. فكل بيت فيها يكسر رأس أكبر فيل في أفريقيا من ثقله، فضلاً عن حفظه مع شرحه..
كنت بدوياً جافياً لا يصحب شماسي لأحد من زملائي، فبقدر ما راموا استئناسي، كنت أنفر منهم "وكيف تحل العصم سهل الأباطح؟" (4)
أولاد الحضر مع الترف والرفاهية، كانوا في رأيي أشباحاً من ورق تذيبها أنفاس الرياح..
كنت أتجنبهم، ففي وقت الفسحة أنحني في زاوية مستفرداً وحداً على شيء من الخبز والشاي.
وفي وقت الغداء كان هناك بالقشاشية "مطعم مصطفى الشامي" الطبق بقرشين ونصف.. كنت آخذ من "دحيم" خادم المرحوم عبد الله الجفالي بالجودرية، يومياً ريالاً فضياً.. فيه إفطاري وغدائي.. وكان الريال يومذاك ينقل ثبيراً ويجعله محل أبي قبيس.. كان للريال وزنه ومعناه.
في أيامها صدر كتابان كانا هامين في وقتهما، وطبعاً عشرات الطبعات على ما فيهما من تفاهة..
جواهر الأدب: للهاشمي.
مجاني الأدب: للويس شيخو اليسوعي.
وكلاهما يحتويان على مختارات ومقتطفات من عليا نصوص البلاغات العربية في كل عهودها.. بحسب ذوق كل مؤلف منها..
وفي درس من دروس الإنشاء التي يمليها علينا أستاذنا علوي مالكي بيَّض الله وجهه من غير سوء، أخذ قلم "الطباشير" وكتب على السبورة كذا.. ارتجالاً:
اكتب نميقة شوق بين خلين
تجرعا من كؤوس الضر والبينِ
وصف ودادهما فيها وشوقهما
واحذر من الحشو والإطراء والمينِ
وباعد النقل، إن النقل مفسدة
يضحى الفتى منه في عجز وفي شينِ
والموعد الغد يا تلميذ فاسع وما
يفوز بالسبق إلاّ ساهر العينِ
وتعال يا سيد..
فقد شمرنا عن أكمامنا كأنها الأخراج، ورفعنا عن رؤوسنا [عمائم] (5) كأنها الأبراج..
وطفقنا نلهث ونلهج فبيننا وبين الموعد أيام.
ثم جاء أمر لم يكن في الحسبان.. ولم يخطر ببال!
لقد مات أستاذنا ومدير المدرسة عبد الله حمدوه السناري، وأقيمت حفلة لتأبينه في كلا مدرستي الفلاح بجدة ومكة.
و [عندها] (6) لممت شعثي.. أي الرجال المهذب (7) ؟
فما دام في الأرض طينة غبراء، وفوقها سماء زرقاء، فإن الزمن لا يمر على الإنسان.
الإنسان هو الذي يمر كالريح..
أما الزمن فثابت ليله ونهاره، وخفائفه وأوقاره، فتعال -يا سيد- قل لي: عندما نهوي إلى الأعماق.. أيتلقانا الثاوون في الأعماق؟
أليست سخرية؟!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :488  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 144
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج