شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإسلام والمبادئ المستوردة
جانب الأمريكيتين
ما أكثر ما يعانيه اليوم عالم الإسلام، من مشاكل ومعضلات.
ومن هذه المشاكل والمعضلات.. أو في طليعتها على الأصح:
هذا الداء العضال المستحكم: داء الإعجاب بالغرب.. وبكل ما هو غربي:
نعم.. الإعجاب بكل ما هو غربي.. وسواء أكان لازماً لنا أم غير لازم.. مفيداً أم غير مفيد؟
وما أكثر ما قيل تنديداً بهذا الترامي في أحضان الغرب.. بأنه يخرج عن كونه.
"عبودية فكرية".
أجل.. إنها عبودية فكر.. عبودية هؤلاء المدلهين بالغرب.. وبكل ما يفد إلينا من الغرب.. من مبادئ ومذاهب، وفلسفات ونظريات!
لقد كنا نشكو بالأمس من غلبة نفوذ الاستعمار، منذ أن هاجم الاستعمار أكثر ديار الإسلام غير أنه بالرغم من اندحار جحافل الاستعمار في أكثر ديار الإسلام..
فما يزال نفوذ الغرب هو هو حيث كان.. فكأنما الاستعمار لم يندحر.. وكأنما النصر الذي أحرزته الحركات التحررية هنالك.. مجرد سراب؟
وإلاّ.. فما منشأ عبودية الفكر هذه؟
أليس هو الاستعمار؟
أليس هو استعمار الأفكار؟
أليس هو استعمار العقول؟
إننا بكل تأكيد نقولها هنا: لو أن المشكلة.. مشكلة هذه العبودية الفكرية؟
لم تكن تمس حياتنا كشعوب إسلامية.. لما كان الأمر بالنسبة إليها مدعاة لأي اهتمام؟
ولكنها في الواقع المر.. تمسنا في الصميم؟
لأن أساس المشكلة.. هو أن المعجبين بالغرب، قد أفنوا ذواتهم فيه... فهم لا يريدون لشعوبهم أن تعيش إلاّ في الإطار الغربي...
في الإطار الغربي كافة.. لا في ميادينه الحضارية البحتة فحسب...
الغرب.. وليس سوى الغرب؟
والغرب كما نعرف هنا.. يشمل أوروبا بقسميها الشرقي والغربي.. إلى أمام هذه الظاهرة العجيبة حقاً.. ما أجمل أن نرى بين حين وآخر كتاباً وباحثين يضعون لنا الكتب لتحليل هذه الظاهرة.. -أو بعبارة أدق- للرد على هذا التقليد الطاغي المستشري... وعلى دعاته المنتشرين في أكثر من مكان؟
ولقد كان الكتاب الذي وضعه الكاتب العالم المعروف الأستاذ "عبد المنعم النمر" وأسماه: "الإسلام والمبادئ المستوردة".. من خير هذه الكتب الهادفة الإسلامية أو أمثال الكتب، ما أكثر حاجتنا إليها الآن؟
إنها وحدها التي ترسل الضوء وتضع النقاط على الحروف؟
والأستاذ النمر في إخراجه لكتابه القيّم، في هذا الوقت بالذات.. لا شك أنه وفق كل التوفيق؟
بل إنا لنقرأ الكتاب.. فنلحظ من الصفحة الأولى فيه شعور الكاتب العميق بمجيئي كتابه هذا في وقته المناسب.. في الوقت الذي اشتد فيه أوار المعركة.. أو كما يقول هو في تقديمه للكتاب:
"في معركة تدعم الشخصية، التي نخوضها الآن بكل الأسحلة، وفي محاولة الاكتفاء الذاتي: الذي نحاول في صبر وتضحية أن نقيم عليه بناء نهضتنا الفتية".
"فالمساواة التي يتحدث عنها دعاة البحث الرصين سواء وهو يناقش هذه المذاهب الدخيلة المستوردة أو حين يتحدث عن مزايا الإسلام وتشريعاته النبيلة في مختلف ميادين الإصلاح الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية"؟
فلا غرو -إذن- أن نراه وهو يناقش فكرة الانحراف من حيث هي.. أن يتحدث إلينا أول ما يتحدث عن الشيوعية..
إنه يتحدث إلينا عنها حديث الناقد المتتبع.. بل ويشخصها كما يشخص الطبيب المرض.. فإذا هو يرينا حقيقتها البشعة كما هي.. بل أكثر من ذلك.. إنه لا يقف عند تشخيصها كما هي اليوم.. إنما يحرص على أن يعود بقارئيه إلى التاريخ البعيد.. ليكشف عن الجذور الأولى لهذه الشيوعية في عهودها المتناهية في القدم سواء في بلاد الإغريق عندما ظهر فيها "أبيقور" فيلسوف البوهيمية المعروف.. أو في دولة فارس عندما ظهرت فيها المزدكية..
وليس أشد تحدياً، من تحدي الشيوعية للدين الإسلامي، وليس أشنع ظلماً من ظلم الشيوعية للمسلمين؟
إنها الحقيقة التي يعرفها كل مسلم، يعيش في هذا الأوان؟
لذلك.. لن ندهش عندما نقرأ في هذا الكتاب في الفصل الذي عنوانه:
"الشيوعية والمسلمون": كيف تعامل الشيوعية كل من يعيشون في حكمها من ملايين المسلمين؟
يكفي القول هنا: إنه الإرهاب.. ثم محاربة الدين بأقسى الأساليب.. ذلك ما تصنعه الشيوعية؟ ولكن أيمكن للشيوعية؟ أو لغير الشيوعية، أن تنال من الدين الإسلامي مثالاً؟
إن هذا هو المستحيل؟
لأن الدين -وهنا ننقل فقرات المؤلف بنصها- "الدين أمر طبيعي في النفوس، ومهما بالغ الشيوعيون في حربه وانتزاعه من النفوس كما ينتزعون الأملاك من ملاكها.. فسترجع النفوس إلى طبيعتها الأولى في يوم من الأيام...
وإذا كانوا يتبجحون ويعلنون أن العلم يعارض الدين ويحاربه، وأنهم يسلطون على الدين سلاح العلم، فقد حفظوا شيئاً وغابت عنهم أشياء.. وقد وهموا وخدعوا أنفسهم وحاولوا خداع الناس، فالعلم الصحيح لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون معارضاً للإسلام، لأن يعتز بالعقل وبالعلم وكل تفكير صحيح يتلاقى في نهايته مع الإسلام ويعترف بوجود الخالق المبدع. والمفكرون الذين أعلنوا تمردهم على الخالق قد اغتروا بالمظاهر، ووقفوا عندها، ولم يستطيعوا أن ينفذوا إلى ما وراءها..".
وما أكثر ما ضلل الشيوعيون الناس.. وما أكثر ما تشدقوا بنظامهم الاجتماعي؟ وما أكثر ما رددوا كلمة مساواة؟
فلنسمع إلى ما يرد به المؤلف الفاضل على هذا التضليل في فصل عنوانه "الشيوعية والمساواة" يقول:
"إن دعاة الشيوعية.. يغرون الناس بأنها تعمل على المساواة بين الناس، ورفع مستوى معيشتهم، وهي خرافة يضللون بها السذج".
"فقد وجدناهم يتراجعون سريعاً، أمام ما سموه مساواة.. حين وجدوا أن المساواة بين العامل الخامل.. والعامل المجد نتج عنها كساد في الإنتاج الخ".
ويواصل حديثه... إلى أن يقول: الشيوعية، ويغرون بها البسطاء صارت خرافة في نفس المجتمع: طبقات متقاربة حسب دخل كل فرد فيه..".
".. فلا عجب أن تتحطم فكرة الشيوعية في المساواة التامة.. لأنها تناقض طبيعة الحياة..
والمؤلف لا يفوته أن ينحى باللائمة على بعض مسلمين أغرار يظنون أن لا خطر على عقيدتهم وإسلامهم عندما يعتنقون هذا الانحراف على وهم منهم خاطئين فيه مخدوعين.. من أنه يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ومعتنقاً لهذه المبادئ في وقت واحد.. فيقول -وما أصدق ما يقول: إن هذا كذب وتضليل، لأن الشيوعية فكرة تشبه أن تكون ديناً عند أهلها.. وأول ما تقوم عليه إنكار الألوهية وإنكار الرسالات واليوم الآخر تبعاً لإنكارهم الألوهية".
".. فكيف يجتمع الإيمان بالله مع الكفر به، والإيمان برسله واليوم الآخر مع الكفر بهما؟".
والذين يقولون بإمكان الجمع بينهما إنما.. يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ، فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (البقرة: 9-12).
ذلك هو تحليل المؤلف لفكرة المساواة المزعومة في دنيا الشيوعية العاتية إلى جانب ما عرفها به الناس من أقدم عصورها من إنكارها للدين؟
ثم يعود فيتساءل في مرارة وفي ألم:
"من ذا الذي يجازف بأغلى شيء وأقدسه، وهو العقيدة الكبرى والإيمان بالله، وينحدر إلى الكفر والإلحاد والجحود، ولأي شيء يفعل ذلك، وما هو الثمن"؟
"لو كان يطلب الدنيا، والحياة فيها شريفة كريمة عزيزة، فالإسلام بنظمه وتشريعاته ومبادئه يوفرها له".
"وإن كان يريد مع ذلك حياة في الآخرة سعيدة هنيئة في جنة الله متمتعاً برضاه فطريق الإسلام يوصلها...".
وتلك حقائق ليس للشك إليها من سبيل.. ولو أننا موقنون بأن تلك الشراذم من الأغرار والمخدوعين وهم الذين يعنيهم فضيلته في تساؤله هذا.. قد لا يرقى تفكيرهم إلى مثل هذا المستوى من الفهم: وإدراك الحقائق..
ثم يتساءل مؤلف كتاب "الإسلام والمبادئ المستوردة": هل في الإسلام من النظم والمبادئ، ورحابة الصدر ما يكفل قيام مجتمع متكافل قوي.. يسير نحو التقدم العلمي والصناعي، كما نراه في أوروبا مثلاً.. حتى يمكن الاستغناء بهذه النظم عن الاستيراد من الخارج؟!
فتراه وهو يحاول أن يجيب عن هذا السؤال في وضوح.. يحرص على أن يسهب لنا في حديثه عن موقف الإسلام من العلم.. وموقفه من العمل.. وعن نظرته إلى التكافل.. وإلى الضمان الاجتماعي كما يطلقون عليه هذا الاسم في عصرنا الحديث هذا.
بل نجد مؤلفنا النابه لا يغفل أية ناحية تتصل بهذا الموضوع، إذ يحدثنا كذلك عن موقف الإسلام.. أو عن نظرته إلى الحرية والإخاء والمساواة..
فأما عن العلم فإن القرآن والحديث مشحونان بالنصوص التي ترفع من قيمة العلم ومن شأن العقل، وتدفعه دفعاً لأن يتحرك ويتدبر.. وتعيب عليه الجحود والجمود.
لقد جاءت الآيات برفع درجات العلماء الذين يستعملون عقولهم في الوصول إلى ما أودعه الله في كونه وشرائعه من جعل منزلتهم أعلى من منازل الجهال والجامدين.
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (الزمر: 9).
قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (يونس: 101).
وفي الأحاديث النبوية -إلى جانب آيات القرآن الكريم- ما يشهد بأن الإسلام لا يفتح ذراعيه للعلم فقط.. بل يدفع الناس إليه دفعاً..
أما عن موقف المسلمين أنفسهم من العلم فلا نحسب أننا هنا في حاجة إلى أي إشادة أو تنويه.. وإن كنا نرى المؤلف الكريم يفيض القول في ذلك، ويكثر من الاستشهاد بأقوال خصوم الإسلام من الأوروبيين ممن شهدوا للمسلمين بمقدار ما أبدوه من عنايتهم بالعلم وتكريمهم للعلماء..
وفي ميدان العمل.. نجد الإسلام يحارب هذه النزعة: نزعة الرهبانية في المسلمين، ويفهمهم أن العمل في أي مجال من مجالات الحياة: عبادة كذلك.. بل إنه إمعاناً منه في محاربة الرهبنة والتبطل، فضل العاملين لكسب العيش، الكادحين للكسب الشريف لهم ولأسرهم ومن حولهم.. فضلهم على المنقطعين للعبادة ليلاً ونهاراً، أولئك الذين يعيشون عالة على غيرهم من العاملين..
لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو القائد والمربي الأعظم يعنى بعلاج هذه الظاهرة.. ظاهرة الرهبنة.. حتى يجتثها من المجتمع الإسلامي..
والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يقول: ما من إنسان يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلاّ كان له به صدقة.
ويقول: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلاّ السعي على الرزق.
والإسلام حين يأمر المسلمين بالعمل والكسب يأمرهم كذلك بتجويد عملهم وإتقانه والإخلاص فيه.. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه. حتى في مباشرة ذبح الحيوان.. وحتى طريقة أخذ القصاص من المعتدي.
فهل يمكن بعد هذا أن يقال: إن الإسلام يقعد بأتباعه عن العمل والنهوض؟
أو أنه مسؤول عما فيه المسلمون الآن من تأخر وقعود؟!
وحين يعنى الإسلام كل هذه العناية بالعمل لا يهمل من يصابون بسوء الحظ في حياتهم العملية فلا يكسبون ما يضمن لهم معيشتهم، أو لا يستطيعون العمل لمرض أو شيخوخة أو عاهة.. بل يأخذ بيدهم، ويوصي المجتمع بكفالتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم وبذلك يظهر المجتمع الإسلامي كالبنيان المرصوص المتين، يشد بعضه بعضاً.. ويبدو كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر..
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (البقرة: 177).
آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (الحديد: 7).
ومن أقوال الرسول الكريم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به.
مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ.
وَأَيُّمَا أَهْلِ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرِؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تبارك وتعالى.
نعم هذا هو الإسلام.. وهذه هي نظرته إلى البر.. وهذه هي نظرته إلى التكافل.. ففي أي مذهب من هذه المذاهب المستوردة يمكننا أن نتحسس هذه الروح النبيلة، والعاطفة الإنسانية؟
نعم هذا هو الإسلام.. ولست أتردد في القول إن لمؤلفنا الفاضل كل الحق وهو يتحدث إلينا في هذا الصدد.. أن يقول:
".. لو كان للمسلمين ثقة بنفوسهم، واعتزاز بدينهم، لفاخروا العالم بهذا بدل أن ينقادوا من أنوفهم للمدنية الغربية ودعاتها.. ويهاجموا الإسلام من هذه الناحية.
"ولو أن الغرب هو الذي شرع هذا المبدأ.. لعده من أولى مفاخره".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :540  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج