شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زاوية منفرجة
لا جاء يوم شكركم (1)
بقلم: جعفر عباس
أستميح القرّاء عذراً لأنني سأستغل زاوية اليوم للتعبير عن عظيم شكري لنفر كريم من أهل السودان والسعودية شالوني على رؤوسهم وأكرموا وفادتي على الرغم من أنه لم يسبق لي أن التقيت بمعظمهم، وسأغادر جدة مساء اليوم بمشيئة الله عائداً إلى قواعدي في دولة قطر ولساني يردد مقطعاً من قصيدة لشاعر السودان الكبير محمد المكي إبراهيم: يسخو الفؤاد ويغتني فيضاً من البهج المريح.. بساعة تحتاجني فيها سواعدكم.. وأمدد نحوكم كفيّ.. عريانتين إلا من معزّتكم وحب عيونكم.. السودانيون الذين استضافوني وسألوا عني لم يفعلوا أكثر من الواجب وإلا ما استحقوا الانتماء إلى السودان العظيم.. في اللغة النوبية ليست لدينا مفردات مثل: شكراً أو من فضلك أو بعد إذنك.. ليس لجلافة فينا بل لأننا لا نمثّل على بعضنا البعض فالفرد منا ملزم بخدمة الآخرين والآخرون ملزمون بتفهم ظروف وأحوال كل فرد.
السعوديون الذين احتفوا بي لم يسبق لهم معرفتي ومع هذا فإن الاهتمام الذي أولاني إياه الدكتور أنور الجبرتي المشرف العام على المستشفيات التخصصية كان من قبيل اهتمام الأب أو الأخ الأكبر، معالي الوزير علي الجهني لم ألتق به إلى الآن ولكنني أستطيع أن أميز صوته بين آلاف الأصوات بعد أن ألفته من تكرار سؤاله عني وتعقيبه على ما أكتب وتزويده لي بذخيرة من الأشعار والأمثال والحكم، وسلطان باهبري المدير التنفيذي لمستشفى جدة التخصصي غمرني بأدبه الجم وحلّق بي في أجواء الغد بأحلامه الكبيرة لتطوير وتحديث الخدمات الطبية في المملكة، والعاملون في إدارة المستشفى وإدارة التشريفات بها، شباب أكفاء وخلوقون ومهذبون يبتسمون في المواقف التي يقطع غيرهم فيها شعر رأسه من النرفزة والعكننة، ويعمل الكسول منهم عشر ساعات في اليوم ولكن الدوام المعتاد عندهم 12 ساعة، والأطباء الكرام واطسون وباسليم والأهدل وعباس وأطباء الأسنان الذين يخدرونك بأدبهم وحسن معشرهم: هم عبد الهادي أبانمي وسعد الحربي ومساعد باحاذق.. ينقبون في فمك بتلك الآلات البشعة ولكنك تحس بأنهم يهدهدونك فلا تتململ ولا تئن.. في كل أقسام المستشفى لا تجد إلا نماذج مشرفة.. تدخل المستشفى فلا تسمع جلبة ولا صراخاً كما هو معتاد في المستشفيات العربية لأن دور كل مريض محفوظ بالدقيقة والثانية ولأن كل مريض يعامل بالآدمية التي يستحقها.
وسأفارق المملكة وفي نفسي شيء من جدة التي أرهقتني بالسهر ولكنها تسللت إلى ذاكرتي وتسربت إلى قلبي لتسكنهما إلى الأبد فهي بلد أبهة.. وجميلة ومستحيلة ومتحضرة.. وجدت فيها اثنينية وثلوثية كلها للحوار الجاد الراقي ووجدت شلة من السودانيين لهم منتدى أسبوعي يمارسون فيه قول الشعر ويفضفضون بهجاء بعضهم البعض منهم طه وشمس الدين وياسر وحدباي والشاعر الجهبذ الطيب بربر، وعثرت في جدة على كل ما يرمز إلى الإنسان السوداني بنقائه وبساطته وشهامته مجسدة في الدكتور محمد علي عبد الحليم، ووجدت فيها أمين زكريا الرجل الذي يمثل العقلية الجديدة للخطوط الجوية السعودية ببشاشتها وانضباطها، وصار لي فيها أخ لم تلده أمي هو قاسم أبو ملحة الذي تتجسد فيه كل قيم الشهامة والنخوة والكرم وحسن الأدب وتنقصه المهارة في ((البلوت))، وعلى الرغم من أنني كاتب في ((الوطن)) فقد حرص الزملاء محمد الفال وخالد باطرفي من جريدة المدينة وعلي مدهش من عكاظ على استضافتي، وبما أن الشيء بالشيء يذكر فلا يجوز أن يفوتني أن أشكر أسرة جريدة ((الوطن)) من مجلس إدارتها إلى حارس مدخل بنايتها على الحفاوة التي لقيتها لديهم والتي امتدت إلى الرياض بدعوة من رئيس مجلس إدارتها الدكتور فهد الحارثي في منزله البورجوازي الذي ينم ديكوره عن ذوق رفيع، والشكر لـ ((الوطن)) أيضاً لأنها تصدر من أبها فلولا أنها أبهاوية ربما ما تسنَّى لي أن أرى أبها وأعيش فيها وأسقط صريع هواها وأنافس أمير الشعر والإمارة خالد الفيصل في حبها.. ولا يجوز أن أنسى توجيه تحية خاصة لرئيس التحرير قينان الغامدي الذي كان صوته الأجش يأتيني قبل أن نلتقي عبر الهاتف فيعطيني الانطباع بأنه صارم ومتجهم فإذا به دائم البشاشة والابتسام المطبوع وإن كان أكبر أولاده عبد الله يفوقه بشاشة ودعابة!
وكيف أنسى ليلتي ((الأنس الراقي)) في شاطئ نصف القمر في ضيافة الأمير الجنتلمان مشعل بن محمد بن سعود بن عبد العزيز والتحليق في دنيا الفكر والشعر والفلاك والأبراج نتسامر والبحر رمز اللامنتهي من أمامنا وتراث الأجداد من خلفنا فنتكئ على هذا لنجتاز ذاك، ومنها إلى الرياض حيث أوفى من صادقت على مدى ربع قرن صالح عبد الله العزاز الذي ظل كما عرفته عام 1978 عزيز النفس شديد الكبرياء وذا عصامية مثيرة للإعجاب وهو الذي قدمني إلى الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز المثقف الودود الذي من فرط تواضعه يضفي الإمارة على ضيوفه، وفي الرياض عرفت مثقفين ذوي قامات فارعة منهم عبد الرحمن العلولا وخليل الكردي وأحمد البدلي ومحمد العنبر، وصاحب اللسان الفارع الفاره داود الشريان الذي أبلي أخيراً بلاءً حسناً في برنامج أكثر من رأي في قناة الجزيرة وأجاد في التخلص من المراوغ سامي حداد. وفي الذاكرة وجوه كثيرة فلهم المعذرة إن لم تحضرني أسماؤهم، والشكر بعدد الميجابايتات في كل كمبيوتر لعشرات الأصدقاء السودانيين والسعوديين الذين رحبوا بي وزاروني أو راسلوني عبر البريد الإلكتروني.. ويا أخوتي لنا موعد والشروق أتى حينه.. قليلاً وتصحو رياحينه.. ونلتقي بإذن الله هنا أو هناك لنستنشق عبير المودة الصادقة بعد عودتي إلى المملكة سائحاً الشهر المقبل إن شاء الله ومعي العائلة ومن بينهم مروة.. أعانكم الله عليها!! بقي أن أقول إن عنوان هذه الزاوية ((لا جاء يوم شكركم)) تعبير عامي سوداني بليغ الدعوة بطول العمر من زاوية أن شكر الإنسان ومدحه يكون عادة يوم مماته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :614  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 203
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج