شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رجلٌ بين العنبريّة وسوق النَّدى يوسف شكري
ـ المكان هو الحي (العنبرية)، اسم طالما تردد على ألسنة شعراء الشوق والوجد إلى بلدِ الحبيب - صلى الله عليه وسلم - من هنا كان يخرج ركب الداغستاني ورديفه حمزة لبان قاصداً بيت الله الحرام، ومن هنا كانت تظهر قباب الحي ومنائره لكل من دفعه الحب الصادق ليصلي في مسجد سيد الأولين والآخرين - عليه صلوات الله وسلامه - ويكرمه الله بالوقوف أمام مثواه مسلماً عليه وعلى صاحبيه - رضوان الله عليهما - وداعياً بالمغفرة والرحمة.. أما الزمن فهو منتصف الثمانينات الهجرية، حيث تقف سيارة سوداء اللون ويخرج منها رجل مضيء الوجه، سمح المحيا، خافت الصوت يستقبله الوالد - رحمه الله - بكل حرارة، ويدخل الدار فيتغير كل شيء. هؤلاء الصفوة من الأصداء عثمان أبو عوف، السيد صالح حلواني، يوسف صيادة، عباس حماد منفلوطي، يأتون - أيضاً من حوش ((عميرة)) وزقاق الطيار، والمناخة ليقابلوا الرجل الذي خرج من المدينة إلى جدة - الشيخ يوسف شكري - والذي انتقل قبل مدة إلى الدار الآخرة بعد عمر حافل بصالح الأعمال، ولقد كان يدفعني - فضول صغار السن لأسمع حديث قوم صفت منهم النفوس، وطاب مشربهم وتهذّبَ القَوْلُ منهم والسلوك - إنهم يا صديقي الأصلاء وليسوا بالوافدين - كما جَمَحَ القلم بالأخ الذي أُحسن الظَّن به، وأتطلع أن يحسن الظن بإخوته وأشقائه من أبناء هذا الوطن المتآلف ويغبطه الآخرون على وحدته وتماسكه وتناسقه.
كان ((يوسف شكري)) لا يكف لسانه عن ذكر الله، وكان القوم من أهل حارة ((الشام)) يرونه جالساً في حانوته الذي اشتهر به، فيطمئنون لرؤية رجل قلبه معلق بالمسجد، ونفسه تحلّق في عالم الطهر والصفاء، يحفظ التاريخ لبلد الهجرة والجوار، وعندما سألته - ذات يوم - في سوق الندى حيث يقيم، هل تعرف حمزة شحاتة - يا أبا سالم؟ أجابني: كان حمزة إذا مشى في أسواق جدة تشرئب الأعناق لرؤية رجل جمع له من المكارم والمحاسن ما لم يجمع لغيره، كانت كلمته الشاعرة في جرسها ووقعها تتواءم مع حسن هندامه ورفيع ذوقه في لباسه وحديثه وكان هو الجواب الذي سمعته من المرحوم الشيخ سليمان لبان في دار أخواله مِنْ آل القُمصَّاني في طريق مكة.
رحم الله الرجل الذي كان إذا قَدِم لزيارة المدينة يوقف سيارته في - عروة - خارج المدينة، ثم يمشي على قدميه ليدخل - العنبرية - حتى لا يجرح شعور القوم من أهل الحي، في زمن كانت القلة من الناس تملك وسيلة النقل الحديثة. قد يرى البعض في هذا شيئاً من الأسطورة، ولكنه مسلك الأدب الذي تربت عليه الأجيال الماضية في بلد الطهر والإيمان، وهي الشمائل التي خلدت الرجال فوقف التاريخ بين يديهم ليسجل شيئاً من مآثرهم، ويرسم صوراً زاهية ومشرقة عنهم، لم أقل شيئاً كثيراً عن الوالد يوسف شكري - رحمه الله - ولكن وداد الآباء يرثه الأبناء، فعزائي لسالم ومختار وعدنان وإخوتهم، وعوضنا الله خيراً في واحد من بقية الناس، أناس عرفتهم وجلست إليهم بين (المظلوم) و(العلوي) و(شارع قابل) و(سوق الندى)، رحم الله، عبد القادر أمير، وطه غيث، وصالح نوار وأحمد طوال وجميل عبده، وعبد الله صعيدي، وحسن إدريس وصالح بن عابد، لقد كانوا كباراً في قاماتهم، وكباراً في سلوكهم، وكباراً في تجربة الحياة ومعانيها السامية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2316  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 318 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج