شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رسائل أدبية الصديق السيد الدكتور غازي عبيد مدني
لم أكتب إليك كمسؤول ولن أخاطبك بغير ما تعوّدت أن أخاطبك به في ماضي الأيام. فعراقة النسب، وطيب المنبت وكريم التَّنشئة جعل منك الإنسان الذي يحسن اصطفاء الخلان ويسلك سبلاً شتى ليشعرهم بصادق الحب وخالص الوداد، وإنك في هذا كله - يا صديقي - لا تتصنع مذهباً ولا تتكلف مرقى. وإنني لأذكر اليوم الذي خاطبتك فيه بلقب المنصب الذي تبوأته عن جدارة فإذا أنت تطلبُ مني - بصوت خافت - أن أعود إلى لقب قريب إلى نفسك كنت أناديك به من قبل، وهنا تكمن المفارقة فمن الناس من يكبر بالمقام، ومنهم مَن يكبرُ به المقام، فلم يزدك المقام يا صديقي إلا تواضعاً وقرباً من الناس.
.. إنني أعلم بأنك درجت في هذه الحياة وسلكت دروبها يحدوك صوت آسر من أبيك، ورأيت في سلوكه القدوة والمثال، فلقد كان عُبيد مدني قريباً من نفوس الناس، وصاحب حظوة لديهم. ولقد حدثتك ذات يوم عن المشهد الذي رأيت فيه أباك لأول مرة. لقد كان يؤم المناخة يتفقد صديقاً له، هذا الصديق الذي طالما جلست إليه منصتاً وهو يحدثني عن رجال كانوا الصفوة في بلد تشد إلى مسجده الرحال وتحيط ملائكة الرحمة بمقامه ومنبره ومُصلاَّه ولطالما ردَّد على مسمعي - رحمه الله - هذا النشيد الذي عمق في ذاتي حب النفوس التي عاشت بالناس وللناس ولم تبخل يوماً على من حولها بما تحوز وتملك والناس في دنيانا الفانية هذه أحوج ما يكونون إلى حب تصفو مشاربه وتطيب أنفاسه وتسمو في الآفاق معانيه نعم يوم حدثتك عن السيد ((عُبيد)) رأيت دمعاً يترقرق في عينيك لقد كنت تستعيد صورتَه في نفسك فيهتزُّ منك قَلْبٌ ووُجْدان.
لقد رأيته وأنا في مطلع العمر لا يغيبُ عن عيني مرأى ((للمناخة والعينيَّة))، والحياة بين جوانبهما تصطخب وتتطلع النفس مني ((للحارة)) وفَرْش الحجر و ((العالية)) أعلل بذلك كله نفساً دأبت على عشق صوت يرتفع بالحداء، ويترنَّمُ بالكلمة وشغفت بسماع شعر حفظته رواية بين سواري المسجد الطاهر، ثم قرأته في ((المدنيات)) بعد أن كان محفوظاً في صدور الناس. وكان مما حفظته ذاكرة أوهنتها متاعب الأيام، وأثقلتها أطياف من كدورات الحياة، قصيد يفيض بمشاعر يمتزج فيها الحزن والحب معاً وتصور إحساس نَفْس صادقة قد أمضَّها الفراقُ، إنه الإحساس الذي يتبدَّى مِنْ خلال هذه الألفاظ المموسقة والكلمات الهامسة:
كيف ارتضيت بأن أوسدك الثرى
في مضجع من أعْظُمٍ نخراتِ
وأروح عنك، وأنت بين جنادل
وصفائح مِنْ جيرةِ الأموات
وأنا الذي لا تجهلين حُنُوَّهُ
أين الحنو اليوم في ((المعلاةِ))؟
أتموت ((عَزَّةُُ)) لا ((فعزة)) لم تَغِبْ
عن ناظري يوماً ولا خطراتي
ربَّاهُ هذا ما أردتَ قَضاءهُ
فأنقذ يقيني من ردى النَّزغات
صديقي أبا عبيد، لقد رأيت المرحوم الأستاذ محمد حسين زيدان - رحمه الله - يسعى للصديق علي حسون - يحمل سفر ((المدنيات)) بين يديه، ويتحدث باكياً وكثيراً ما بكى هذا شِعْرُ بقيَّة الناس في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن دعني أسألك: ماذا عن السفر الذي يتحدَّثُ عن تاريخ البلد الطيب وآثاره وعلمائه ومفكريه؟ إنه السفر الذي حدثني عنه العلاّمة الأستاذ عبد القدوس الأنصاري وكان - رحمه الله - الأقرب لأبيك إخاء وصداقةً، فقال: إنه يَحْملُ بين - دفّتيه - كل ما تتطلع لمعرفته النفوس المؤمنة عن بلد الطهر والإيمان، ولقد طال انتظار النَّاس لرؤية هذا العمل الموسوعي الذي كتب سطوره واحِدٌ من الذين شاركُوا في صناعة تاريخ هذا الوطن الغالي، وما دونه يراعه جدير بأن يأخذ مكَانهُ بين ما ورثناه عن الرواد من فكر وأدب وبيان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :606  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 310 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج