شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رسائل أدبية الصديق الأستاذ محمد عمر العامودي
((حديث الأربعاء))
لم أشاهدك بالقرب من بركة ((ماَجِن))، أو في المسيال وأنت في مطلع العُمر، حيثُ نشأت بالقرب من بيت الله الحرام، ولكنني شاهدتك وأنت تدخل من باب أول كلية ((علمية)) وهي كلية الشريعة، كان يُحيط بك الصّاحبان، عبد الوهاب أبو سليمان، وإبراهيم مُحمد علي، ولم أكن لأُجرؤ - يومها - لأقترب منك وأقولُ لك إنني واحد من الذين يعشقون الحرف الذي تسطره والكلمة التي تكتبها. ولن أنسى - يوماً - داعبت فيما تكتب ذلك الأديب الراحل الطيب القلب الذي حفظ تُراث ((العوّاد)) و ((شحاتة)) ورواه ودوّنه، وأعني به المرحوم - بإذن الله - الأستاذ عبد السلام الساسي. وكتب الأستاذ (عبد العزيز الربيع في أدب - رحمه الله - واصفاً غضبه بأنه ((الغضب الجميل))، وأكبرت فيك وأنت تعترف في الدّار العامرة لصديق الجميع السّيد أحمد زكي يماني، أن المرحوم الساسي وابن أخيه أستاذنا الدكتور ((عمر الطيب الساسي)) قدّما للفكر والأدب ما لا يُمكن لباحث أن يشيح عنه لو رغب في دراسة هذا الإبداع، أو ذاك النتاج مما كتبه جيلُ الرواد، ومن أتى بعدهم، وإنني لمتيقنٌ بأنك واحد من الذين يعرضون رأيهم على مرآة العقل - مراراً قبل أن تجهر به أمام الآخرين.
وإذا كان الآباء يُورّثون أبناءهم شيئاً من متاع هذه الدنيا وحطامها الزّائل، فإن بعض الآباء يورّثون فلذات أكبادهم ما هو باقٍ أثره ودائمة مزاياه، لقد ورثت عن ذلك الرّائد الذي كتب بعقلية الباحث، ولغة الأديب، وخيال الشاعر، كتب ذلك الأثر الكبير في تاريخنا الأدبي المعاصر (من تاريخنا). وأعلم أنه ليس الأثر الوحيد الذي كتبه، ولكن كثيراً من المُبدعين لم يتركوا إلا قصيدةً واحدة أو أثراً يتيماً من مقدمتهم صاحب البائية الخالدة المشهورة: (مالك بن الرّيب) والتي يقول فيها لأهله متشوقاً، ولنفسه راثياً:
تذكّرت مَنْ يبكي عليّ فلم أجد
سوى السّيف، والرّمح الرّديني باكياً
وأشقر محزون يجرّ عنانه
إلى الماء، لم يترك لهُ الموت ساقياً
ولكن بأكناف ((السّمينة)) نِسوةٌ
عزيزٌ عليهنّ - العشيةَ - مابيا
.. نعم لقد ورثت عن أبيكَ كيف يجتمعُ الأدب والوقار، وكيف تقترن الكلمة مع نظافة السّلوك وشهامة النفس، وإنني لألمح هذه الشهامة فيكَ والتي لم يمنعها من أن تبدو جليّة أمام أعين الاخرين، ما طبعت عليه من ((أناقة)) لم تكن حجاباً بينك وبين الذين يقصدون مجلسك، ولا يطيبُ لهم - مساء الخميس - إذا لم يُعرِّجوا على دارتك، ولقد خالطتُ القوم - يا أبا علاء - في الشامية والمسفلة، والنقاء وسوق الليل، فعشقت فيهم ذرابة اللسان، و ((نخوة)) الجار، و ((بذل)) الصديق وبساطة ((العالم)) و ((طراقة)) ابن الحارة وشهامته. وشاهدتك - يا صديقي - قبل عقدين من الزمن تسعى لتصافح ذلك الرّجل الطويل القامة، العفيف اللسان ((اليابا رجب)) أتعلم أيها الحبيب أن صورته لا تفارق مخيلتي وهو في ((الميدان)) يهابه الصغار، ويوقّره الكبار، وهو يقف في الأفراح مشاركاً وفي الأتراح مؤازراً، لم يعش ((رجب)) للمسفلة وحده، ولم يعش ((عبد الله بصنوي)) للشامية وحدها، ولم يعش ((محمود الجنقلي)) للقرارة وحدها، ولم يعش ((الحابس)) للنقّا وحده، ولكنهم عاشوا لأجل الناس جميعاً في بلد الرحمة والأمان ولهذا كانوا الضَّمير، والوُجْدان، والمثال بين من عرفُوهم عن قُرب، أو سمعوا بمآثرهم عن بُعد، وفي كل مرَّة أراك فيها - يا أبا علاء - تُذكّرني بهؤلاء الأفذاذ حقاً من الرّجال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :776  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 311 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.