شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة - 3 -
عائشة: المطر شديد يا فاطمة.. أسرعي قبل أن يداهمنا السّيل.. فمكاننا بعيد.
فاطمة: لقد تركنا الرجال وانشغلوا بضيوفهم المسلمين..
عائشة: حتى إبراهيم نسي في غمرة فرحه بالقادمين..
فاطمة: إبراهيم لا شك فرحته لا حد لها بالمسلمين ولكنه لن ينسى واجبه نحو أعز إنسانة لديه..
عائشة: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان..
فاطمة: صدقت وسيكون إبراهيم عند حسن ظنك به..
(نسمع زخات المطر ووقع أقدام إبراهيم وهو يركض وينادي ويقول):
إبراهيم: عائشة! فاطمة! مكانكما.. السيل يسد طريقكما..
عائشة: هذا صوت إبراهيم..
فاطمة: إنه نغمة نجاحه في الامتحان.. أليس كذلك؟
عائشة: الحمد لله الذي لم يخيب ظنك فيه..
فاطمة: وحسن ظنك به..
(يصل إبراهيم وهو يلهث ويقول):
إبراهيم: كان المطر شديداً على أعالي الجبال وقد انحدرت السيول بشكل جارف.. وأصبح من المتعذر أن نقطع الوادي الذي يفصل بين دورنا وهذا المكان..
عائشة: ما العمل يا إبراهيم؟..
إبراهيم: نقضي الليلة في دار خالي وفي الصباح يخلق الله ما لا تعلمون..
عائشة: أهذا رأيك أم هو توجيه من والدي..
إبراهيم: بل أمر عمي والدك..
عائشة: ووالدي أين سيبيت الليلة..؟
إبراهيم: مع ضيوفه وفي المكان الذي أعده لهم..
فاطمة: ولكن عدد الضيوف وفير..
إبراهيم: والأمكنة كثيرة يا فاطمة وبيوت هذه البلدة مسلميها ووثنيها مفتوحة على مصاريعها لاستقبال هؤلاء الضيوف العظام..
فاطمة: وأنت؟ هل ستبيت عندنا يا أخي؟
إبراهيم: لا..
فاطمة: كيف.. أين ستبيت في هذه الليلة الشاتية؟..
إبراهيم: بمجرد إدخالكما بيت خالي والاطمئنان عليكما سأعود إلى حيث يبيت عمي لأسهر على راحته وراحة ضيوفه..
عائشة: بورك فيك.. ها قد وصلنا بيت خالك.. وسنقرع الباب وندخل فاذهب أنت مشكوراً والله معك..
فاطمة: الله معك..
(نقلة صوتية تشير إلى طلوع الفجر نسمع بعدها صوت الأذان يخترق آذان السماء معلناً الله أكبر.. الله أكبر.. نسمع بعدها صوت عقيل يقول):
عقيل: الحمد لله يا سهيل.. الحمد لله.. ما كنت أظن أننا سنقابل بهذه الحفاوة البالغة والترحيب المنقطع النظير..
سهيل: وهذا الكرم الذي لم أر له مثيلاً يا عقيل..
عقيل: إنه كرم أصيل نابع من معدنه والشيء من معدنه لا يستنكر..
سهيل: وإني لموقن إن ما لاقيناه من صنوف الترحيب والتكريم لا يقل عما كنت تقصه علينا إن لم يفقه.. إنهم يجلونك يا ابن أبي طالب وهذا مثل رائع من وفائهم وكرم شمائلهم..
مسعود: كيف لا يا سهيل وعقيل بن أبي طالب هو الذي وضع اللبنة الأولى لصرح الإسلام في هذه البلاد..
سهيل: لقد أحب أهل هذا البلد وأحبوه وهاهو يعود إليهم على رأسنا بالرغم من إلحاح أهله وبنيه عليه بعدم السفر..
عقيل: لقد نذرت نفسي للدعوة لدين الله وتبليغ رسالته..
سهيل: نِعْمَ ما اخترت يا ابن أبي طالب..
مسعود: بل نعم ما سيختتم به حياته المديدة إن شاء الله..
سهيل: أترانا نسير على سننه فيكون مصيرنا كمصيره..
مسعود: نعم المصير ونَعِمَتِ الخاتمة.. وهاهي بوادرهما تبدو ظاهرة كالعيان في تزاحم الناس الذين يدخلون في دين الله أفواجاً أفواجاً..
عقيل: صدقت يا مسعود فقد دخل أهل البلد في دين الله طائعين مختارين بعد أن تبين لهم أنه دين الهدى والمحبة والسلام..
مسعود: أرى أن الأمر يقتضيك يا عقيل أن تفكر في تعمير مسجد ليكون مكاناً للعبادة وندوة يلتقون فيها للتشاور فيما يعود بالخير على أنفسهم وبلادهم..
عقيل: رأي سديد وسأبدأ من اليوم للدعوة له..
مسعود: الإحساس بالحاجة إلى بناء مسجد يشغل تفكير الناس هنا..
عقيل: كيف؟
مسعود: لقد أفضى إليَّ عثمان الزيلعي بهذا وأنه ينتظر منا تعيين المكان والتخطيط له حتى يبدأوا في العمل..
عقيل: هيا بنا نطوف بالبلدة لنختار المكان المناسب لإشادة المسجد..
مسعود: ما رأيك في الاستعانة بحامد المزني فإن له خبرة واسعة في بناء المساجد..
عقيل: لا بأس.. وعثمان الزيلعي.. أنسيته؟
مسعود: كيف ننساه وهو كما رأينا زعيم هذا البلد. وأهل زيلع أدرى بشعابها..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت القسيس جورجيوس يقول بأسى وحزن):
جورجيوس: ما رأيت في قوة هذا الدين يا ماركوس؟
ماركوس: أيَّ دين يا جورجيوس..؟
جورجيوس: وهل أعني ديناً غير الدين الإسلامي..
ماركوس: بل قل أيها القسيس أيّ سحر في هذا الدين.. إنه يغزو القلوب والعقول فيستولي عليها في سرعة البرق..
جورجيوس: صدقت.. صدقت.. ما أسوأ حظنا..
ماركوس: أجل.. ما أسوأ حظنا.. فقد قضى على مهمتنا بالفشل.. إن الناس هنا يتسابقون للدخول في هذا الدين..
جورجيوس: حتى الذين أغريناهم بالأمس بالدخول في النصرانية وقبضوا منا مبالغ من المال لهذه الغاية انفضوا من حولنا وأسرعوا في الدخول في دين محمد..
ماركوس: أما قلت لك إني أكاد أجنُّ من هذا الدين وسرعة تأثيره على الجماهير..
جورجيوس: لعلّه دين الحق يا ماركوس؟
ماركوس: أتقبل إنه دين الحق أيها القس؟
جورجيوس: إذن ما هو السر الذي يكمن في هذا الدين؟
ماركوس: إنه السحر أيها الأب..
جورجيوس: (يضحك بسرعة): لو كان سحراً لأبطلناه فلدينا كهنة يبطلون السحر وكيد السحرة..
ماركوس: ما دام دين الحق فلماذا لا تتبعه؟..
جورجيوس: وهذا النعيم الذي أرفل فيه كيف أتركه؟..
ماركوس: ألا يضمن لك الدين الإسلامي هذه الرفعة وهذه المكانة إذا دخلت فيه..
جورجيوس: المسلمون سواسية كأسنان المشط لا فرق بين غنيهم وفقيرهم وأميرهم وحقيرهم فكلهم أخوة وأكرمهم عند الله أتقاهم..
ماركوس: ما أروع وأجمل ما تقول أيها القس هل هنالك أحسن وأكمل من المساواة.. أراك عليماً بهذا الدين..
جورجيوس: لقد درسته على أحد علماء المسلمين الذين كانوا يترددون على الحبشة بين الحين والآخر..
ماركوس: ألا تخشى بتمجيدك للإسلام أن أدخل فيه..
جورجيوس: ما أنت أول سار غرَّه قمر ورائد أعجبته خضرة الدّمن..
ماركوس: إذن فأنا سائر إلى معسكر المسلمين..
جورجيوس: وأنا عائد أجر أذيال الخيبة إلى الحبشة..
ماركوس: ولم لا تأت أيها القس.. وتدخل في دين الحق..
جورجيوس: أأصبحت داعياً للإسلام يا ماركوس من قبل أن تدخل فيه..
ماركوس: من فمك أدينك أيها القس..
جورجيوس: ولم تلوث هذه الآية من الإنجيل وأنت على وشك أن تصبح مسلماً.
ماركوس: لقد دعوتني أنت للإسلام قبل أن يدعوني أهله إليه.. حين اعترفت بأنه دين الحق..
جورجيوس:لقد أراد الربُّ لك الهداية على يدي..
ماركوس: وعسى أن تكون هدايتك أنت على يدي..
جورجيوس: والله ما أدري يا ماركوس.. عوامل كثيرة تتنازعني حتى ضلَّت طريقي..
ماركوس: أسلك طريقي فإنك لن تضل بعدها أبداً..
جورجيوس: وماذا نفعل بمن معنا؟..
ماركوس: إذا دخلنا نحن في الإسلام فسيتبعوننا.. لقد سمعتهم بالأمس يتحدثون عن عظمة هذا الدين.. وفي رأيي أنهم مستعدون للدخول فيه ويريدون القدوة..
جورجيوس: هيا بنا إلي معسكر المسلمين.. هيا..
(نقلة صوتية نسمع بعدها صوت فاطمة تقول):
فاطمة: لم يبق بيت في مدينة زيلع إلا وقد أصبح من فيه ينطقون أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
عائشة: الحمد لله يا فاطمة الحمد لله..
فاطمة: سرور والدك يا عائشة لا يعدله سرور..
عائشة: كيف لا وقد كان قبل مجيء المسلمين مهموماً مغموماً يهمس إليَّ بمخاوفه على المسلمين القلائل بهذه المدينة أن يرتدوا..
فاطمة: كان والدك على حق.. ولا سيما بعد أن أرسل نصارى الحبشة مبشرين منهم..
عائشة: صدقت فقد كان الخطر محدقاً بالمسلمين في هذا البلد لو لم يقيّض الله لهم تلك الحملة البحرية من المسلمين..
فاطمة: أجل لقد كانت إنقاذاً من الله سبحانه وتعالى لدينه في هذه البلاد..
عائشة: وستظل راية الإسلام خفاقة بهذه البلاد إلى الأبد بإذن الله..
فاطمة: أترين جهود المسلمين في الدعوة لدين الله ستقتصر على مدينة زيلع..
عائشة: لا يا فاطمة بل ستشمل جميع مدن البنط..
فاطمة: أخشى أن يجرنا ذلك إلى الصراع مع النصارى في الحبشة..
عائشة: فليكن.. إننا مع الحق ولا نخشى في الحق لومة لائم..
فاطمة: ولكن الخليفة سيتدخل إذا ما وقع الصراع..
عائشة: وسيكون معنا ضد أعداء هذا الدين..
فاطمة: أقصد..
عائشة: تقصدين ماذا؟
فاطمة: ستلعب السياسة دورها في هذا الصراع..
عائشة: كيف؟..
فاطمة: قد يتدخل الخليفة لإيقاف الصراع حفاظاً على الجميل الذي أسداه نجاشي الحبشة للمسلمين حين هاجروا إلى الحبشة فارين بدينهم من إيذاء كفار قريش..
عائشة: تدخُّل الخليفة إذا ما وقع الصراع وارد ولكن ثقي إنه لن ينصر كافراً على مسلم..
فاطمة: أنظري يا عائشة..
عائشة: أنظر ماذا؟
فاطمة: إبراهيم يسعى حثيثاً إلينا..
عائشة: لعلّ في جعبته أخباراً سارةً..
فاطمة: من يدري أرجو أن تكون كذلك..
عائشة: كوني دائماً متفائلة يا فاطمة فلا يأس مع الإسلام..
(يدخل إبراهيم تصاحب دخوله فتقول له فاطمة):
فاطمة: ما وراءك يا أخي؟
إبراهيم: الخير كله..
عائشة: قله وأسرع..
إبراهيم: النصارى الذين كان عمي يتوجس منهم..
عائشة: ماذا وقع منهم..
إبراهيم: دخلوا في الإسلام من دون أن نبشرهم به..
فاطمة: الله أكبر.. إنها معجزة من معجزات هذا الدين..
عائشة: والقسيس أيضاً يا إبراهيم..
إبراهيم: بلى يا عائشة والقسيس على رأسهم..
عائشة: بشّرك الله بالخير.. بشّرك الله بالخير..
إبراهيم: ولهذا أسرعت أعدو لأزفّ إليكما البشرى وأزفّ أيضاً..
فاطمة: تزفّ ماذا؟
إبراهيم: لقد اختار عمي وكبار المسلمين المكان الذي سيشيدون عليه أول مسجد في هذه المدينة..
عائشة: إنها والله بشارة تستحق عليها المكافأة..
إبراهيم: لقد حصلت على مكافأتي..
عائشة: ممن حصلت عليها..
إبراهيم: من عمي والدك يا عائشة..
فاطمة: وكم كانت يا أخي..؟
إبراهيم: إنها لا تقدر بثمن..
فاطمة: أفهمت يا عائشة..
عائشة: (باستحياء) فهمت.. شكراً..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1056  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.