شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ إياد مدني ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ إياد أمين مدني - مدير عام مؤسسة عكاظ الصحفية - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
- أساتذتي وزملائي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
- لقد جئتم وجئنا - جميعاً - للاستماع إلى محاورة الأستاذ الطيب صالح لا إلى الاستماع إلى مطولات ومقدمات إنشائية، قد تصيبكم بالملل وتدفع ضيفنا إلى التثاؤب، وتصرف الأمسية عن محورها الرئيس وعن سببها ومبررها؛ لهذا فسأخرج عن تقليد أصبح من تقاليد الاثنينية الراسخة، وهو الإطناب في الحديث والإطالة في تعديد مناقب الضيف والمضيف.
- فمضيفنا غني عن التعريف، فهو رجل أعمال لامع ووجه اجتماعي ساطع، واثنينيته غدت معلماً من معالم النشاط الثقافي والأدبي والاجتماعي في مدينة جدة؛ وإن كان منا من يجهل شيئاً من ذلك فليس هناك من لا يعرف بسطونه الخشبي المذهب، ولا ندري أكان هو صاحب السبق في حمله أم سبقه في ذلك من تعرفونه وأعرفه؛ أما الضيف فقد هاجر اسمه مع روايته: "موسم الهجرة إلى الشمال" إلى ذرا الشهرة والصيت، ولا ندري إن كان صاحب الصيت غنياً - أيضاً - أم لا. كثيرون منا سمعوا بالطيب صالح أول ما سمعوا، حين كتب عنه الناقد المصري الأستاذ رجاء النقاش قبل سنوات طوال يقول - أي النقاش - لم أصدق عيني وأنا ألتهم سطور الطيب صالح، وأتنقل بين شخصياته النارية العنيفة النابضة بالحياة، وأتابع مواقفه الحارة المتفجرة، وبناءه الفني الأصيل الجديد على الرواية والقصة العربية؛ لم أتصور أنني أقرأ أعمالاً كتبها فنان عربي شاب، ولم أتصور أن روايته "موسم الهجرة إلى الشمال"- الناضجة الفذة فكراً وفناً - قد أخذتني إلى مرتفعات عالية من الخيال الفني والروائي العظيم، وأطربني طرباً حقيقياً بما فيها من غزارة شعرية رائعة.
- فمن هو هذا الفنان؟ تساءل وقتها الأستاذ النقاش - إنه كاتب سوداني لم أسمع عنه ولم أقرأ له شيئاً من قبل، واسمه الطيب صالح، كل ما عرفته عن هذا الفنان أنه من مواليد كذا؛ وأنه تخرج في إحدى الجامعات الإنجليزية.
- ولا أبالغ إن قلت: إن كثيرين شاركوا الأستاذ النقاش رأيه وهم يقرؤون "موسم الهجرة إلى الشمال"، و: "بندر شاه" و: "عرس الزين" و: "دومة ولد جاين" لعلهم رأوا في أبطال الطيب صالح وفي مآسيهم ذلك التناقض الَّذي يحيط بكل منا، ويحاصره. في كل مكان حضارة غربية تهم به وتقهقه في وجهه؛ ولا ندري أتضحك منه أو عليه؟ أتدعوه أم تأسره؟ أترتفع به أم تمسخه؟ وتراثاً يحمله على كتفيه يحاول جاهداً أن يمكنوه من فهمه؟ أم هو جرعة دواء وإكسير بائع سيحوله في لحظة هائلة من حال إلى حال؟ أم هو خارطة بناء لن تتحول إلى واقع مشهور إلاَّ بعد الفهم والتفكير، والتدبير والتنظيم، والعمل والإنشاء؟ يعيش معظمنا - إلاَّ من أراد الله له سعادة الجهلاء - كبطل موسم الهجرة إلى الشمال، حتى ولو كنا قابعين في أقصى أركان الجنوب ليعيش كما عاش، مع نظريات كينز وتوني بالنهار وبالليل يواصل الحرب بالقوس والسيف والرمح كما كتب طيبنا الصالح، ولكن مالنا وما لروايات الطيب صالح فقد كتبها قبل سنوات مضت، يعسر عدها على طلاب المرحلة الابتدائية لكثرتها وطولها؛ لعلها بيضة الديك؟ أو لعله قال كل ما عنده كروائي؟ أو لعل الهم العام قد شغله وهو الرجل الَّذي تقلد المناصب، وأتيحت له فرص العمل الثقافي في الخليج وفي المنظمات الدولية؟
- وفي هذه الأمسية نتوق لأن نسمع منه عن حصيد تجاربه ورؤى آفاقه، عله يحدثنا عما عايشه كسوداني شاب عاش في الشمال، وعن مأزقه الحضاري منذ ذلك العهد البعيد؟ أو لعله يحدثنا عن السودان الَّذي يعرفه والَّذي لم نعد على يقين من أننا نعرفه؟ وهل سودان السماحة والانفتاح، وسلة القمح والطعام المنتظر وهمٌ عربي آخر نسجناه كما نسجنا وننسج غيره من خيوط العنكبوت؟ أو لعله يحدثنا عن الخليج الَّذي عمل به وهل هو صدفة جيولوجيين؟ وهل ثقافته ثقافة صنعتها آمال النفط أم أنه غير ذلك؟ أو لعله يحدثنا عن مختار أمبو ويونسكاهو؟ وهل راح ضحية صراعه من أجل عالم ثقافي أكثر عدلاً وإنصافاً وتكافؤاً واتزاناً؟ أم أنه كان من المشعوذين وأصحاب الفودو الَّذين أضاعوا الوقت والفرص وكادوا أن يضيعوا اليونكسو أيضاً؟
- أيها الطيب وأيها الصالح: حدثنا كما حدثنا بندرشاه حين قال طلعت المئذنة وأنا أبكي لا أعرف لماذا؟ هل من الحزن أم من السرور؟ حديث الآذان يا إخوان طلع الصوت ما هو صوتي صوت مليان بالأحزان، ناديت فوق البيوت ناديت للسواقي والشجر، ناديت للرمال والقبور والغياب والحضور، ناديت للضالين والمهزومين والمكسورين للصاحين والنائمين..، ناديت الله أكبر الله أكبر وأنا أبكي وأنوح، ما أدري أبكي على الَّذي لقيته أم على الَّذي راح مني؟ حدثنا أيها العزيز عن ذلك الَّذي لقيته وذلك الَّذي راح منك، ولعله راح منا أيضاً؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :794  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 92 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج