شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور عبد الله المعطاني ))
ثم أعطيت الكلمة للدكتور عبد الله المعطاني - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة - فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين..
- قد يكون لي اعتراض على تنظيم إعطاء الكلمات، لأن هناك من هو أقدر مني وأكبر مني، وأعلم مني؛ فيا ليت أني أصبحت في مكاني الحقيقي الَّذي أضع نفسي فيه، ومما يؤزم موقفي أكثر أنني أعقب الأستاذ إياد الَّذي أعدَّ ورقة مدبجة بأسلوب رفيع للحديث عن ضيفنا العزيز، ما كنت مهيأ لأن أتحدث في هذه الليلة إلاَّ أن الأستاذ عبد المقصود أمرني أمراً ولم أستطع أن أرد هذا الامر؛ فدعوني أتحدث عن ثقافة الأديب.
- ففي ليلة البارحة كان الأستاذ الطيب أديباً مبدعاً، كان يجود بأشعار المتنبي ويترنم بها، وكأنه يتمثلها ويتحدث عن التراث حديثاً فيه فكر وفيه عمق، وفيه تمثل، وهذا جعلني أؤمن بأن روايات الطيب صالح لم تنشأ من فراغ وإنما هي الثقافة العميقة والفكر المتميز، والشخصية الأدبية التي برزت من خلال هذه الأعمال الإبداعية؛ وهذا ليس جديداً علينا.. لأن أجدادنا الأوائل قد تحدثوا عنه، وأقرب مثال على هذا ابن طباطبا، وقد وضحت هذا لأستاذنا الطيب صالح في ليلة البارحة على العشاء.
- وفي تصوري أن الأستاذ الطيب غني عن أن أمدحه أو أشيد به؛ فقد حضّرت وأُعِدَّت في أدبه وفي رواياته كثير من الرسائل العلمية الجادة من أكاديميين، وإن كان هذا لا يرضيه كثيراً، ولكني أقول أني حينما كنت أدرس في جامعة إكسترا في بريطانيا كان هناك اثنان يحضران في أدب الطيب صالح، ولعلي ذكرت له أحدهما وهو الدكتور الزاكي، وأدب الدكتور الطيب صالح أو روايات الطيب صالح، وهو دكتور لأنه يحمل دكتوراة أو إنه أكبر من دكتور.
- في الواقع أدبه أثار إشكالاً كبيراً، وحاول النقاد أن يقارنوا بينه وبين كثير من الروائيين الغربيين، وقالوا إن فترة وجوده في لندن كان لها أثر خصب على ثقافته وعلى روايته؛ ولكنه في ليلة البارحة حاول أن يصفع هؤلاء الباحثين صفعة قوية، حينما بين أنه جزء من بيئته وأنه لبنة في كيانه، وأنه نبتة كبيرة أو صغيرة في حقل من حقول السودان العزيز؛ وفي تصوري أن الطيب صالح - وهذا ما أشار إليه الأستاذ عبد المقصود - أن إبداعه كان صورة حقيقية لبيئته، مما جعله يكون صادقاً مع نفسه وصادقاً مع متلقيه، وصادقاً مع التاريخ.
- وحينما نقارن بين النماذج الإبداعية التي جاد بها الطيب صالح، وبين الشعر الجاهلي الَّذي يحضرنا ويشكلنا ونشكله، نجد أن هذا الشعر كان صادقاً في تعامله مع بيئته مع الأشياء الصغيرة والكبيرة، ولذلك لا يشك أحد في أن النموذج الإبداعي الجاهلي تألق في روعته وفي لغته، وفي تناوله لهذه البيئة والأشياء المحيطة إلى يومنا هذا؛ وأستجر من ليلة البارحة براعة الأستاذ الطيب صالح في بعده عن الخطابية المباشرة، حينما طلب منه نادي جدة الأدبي أن يحكي تجربته الروائية؛ وفي الواقع أن الرجل كان مخلصاً في محاضرته أيما إخلاص، ولكن الَّذي جعل كثيراً من الضبابية تحوم حول هذه المحاضرة أنه لم يكن مباشراً ولم يكن خطابياً، ولم يكن ساذجاً في عرضه لجهوده ولآرائه ولتجربته؛ إنما حاول أن يعرضها من خلال ذلك الشعر الجميل للمتنبي وأبي العلاء المعري، وأبي نواس، ومن خلال ذلك الحقل المتميز في البيئة السودانية ومن خلال الشعر الشعبي الَّذي ترنم به وغرد به ليلة البارحة، وختم هذه المحاضرة بآية من القرآن الكريم؛ وكأنه يقول: إنني قد تأثرت بهذه المعطيات وبهذه المقومات، وأنا أرى أنه كان مخلصاً لتجربته الروائية وقال كل ما يريده ولكن بطريقة غير مباشرة.
- مما اكتشفته أيضاً - ولعل غيري قد اكتشفه في ليلة البارحة - أن الطيب صالح كان ساخراً سخرية قربت إليه الناس، سخرية جعلته يتعامل مع الأشياء تعاملاً واضحاً، مجرداً دون أن يكون هناك تكلف، ودون أن يكون هناك شيء من الإعداد المسبق، وهذا دعاني - أو جعلني - أعيد النظر في قراءة رواية الطيب صالح، ولعلي سوف أكتشف كثيراً من إيماءاته ومن نصوصه الغائبة التي كان ليلة البارحة يشير إليها بإصبع خفي، أو بإصبع يراه الناس، فعند الطيب صالح نصوص غائبة وإيماءات رمزية مغرقة، أتصور أنني لو قرأت رواياته - وقد قرأتها - لو قرأتها مرةً ثانية سوف أستشف، أو لعلي أجد آفاقاً أرحب في هذه النصوص.
- الملاحظة الأخيرة، ولعلي أرى أن الوقت لا يتسع لأكثر من ذلك، وليست هنا - أو ليس هنا المكان - مكان الدراسات النقدية الجادة، وإنما هو احتفاء بهذا الضيف؛ أقول بأن المبدع سوف يكون مبدعاً وسوف يبقى مبدعاً، وسوف يبقى سيداً للنقد والنقاد إن أرادوا وإن لم يريدوا؛ ولنا مثل في المبرد الَّذي كان قد بلغ به اعتداده لنفسه؛ أنه إذا رد سلاماً إلى الناس يرده بطرف خفي أو بهزة رأسه؛ ولكن حينما يأتي البحتري يقوم له سعياً ويقول: لا بد أن نكرم المبدعين؛ وأقول: إن هذه الليلة ليلة إكرام المبدعين، ولعل الدكتور منذر العياشي في ليلة البارحة حينما تحدث - أو حاول أن يسقط المقياس الخلقي على روايات الطيب صالح - كان له مندوحة من العذر في ذلك.. التمسها له الطيب صالح؛ ولكننا نقول: إن التعبير قد يكون قد خان الدكتور منذر العياشي في المباشرة التي ترفع عنها الأستاذ الطيب صالح، أو حاول أن يخفيها؛ فالأستاذ الطيب صالح سوف يبقى مبدعاً، وسوف نكرمه لأنه أكرمنا بإبداعه، ولنا أن نحتفي به ونقدره أهلاً لهذا الإبداع أينما حل وحيثما كان؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :846  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 93 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.