شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ميلاد طفل
لا يذكر ((سالم)) يوم ميلاده بل لا يعرف اسم القابلة (الداية). وإنما قيل له فيما بعد وبدون جزم، إنه ولد في شهر جمادى الأولى عام 1328هـ وإنه سمي باسم حاكم بلده تيمناً أو نفاقاً.
وأثار ميلاد صاحبنا موجة فرح طاغية بين أفراد الأسرة، فأعتقت جدته العبيد والجواري، وأقامت الولائم والمآدب، وانهالت الهدايا من الأقرباء والأصدقاء والمنح والعطايا من الأمراء. وتوافد المهنئون والمتزلفون، فوالد صاحبنا كان (شمندر) تجّار مكة المكرمة أي رئيس التجار وكبيرهم.
كان والد ((سالم)) عريقاً في عروبته وأرومته، أمّا والدته فكان أبوها من أصل هندي وأمّها من أصل مصري، ومن هذا الخليط كانت عجينة صاحبنا.
ولما بلغ ((سالم)) الثانية من العمر، رأى مولد شقيقة له ورأى والدته تغالب حمّى النفاس التي أصيبت بها إثر الولادة. وظلت تعاني آلامها مدة سنة حتى تغلب المرض عليها، فذهبت إلى بارئها وخلفته وشقيقته يتجرّعان كؤوس اليتم والحرمان.
ومن المتناقضات ألا يذكر ((سالم)) شكل أمه ولا صورتها، وإنما يذكر بوعي أنه يوم وفاة والدته، حمله خاله إلى سطح جيران لهم وأجلسه مع أخته على الأرض، وتركهما يلعبان في تراب السطح يخطان على صفحاته مصيرهما المجهول.
ليس اليتم فقدان الأب بل فقدان الأم. وهكذا تذوّق صاحبنا مرارة اليتم ولوعة الحرمان في أولى مراحل طفولته.
ويشاء القدر أن يمعن في سخريته وقسوته، فيتزوج والد ((سالم)) ولما تبلَ عظام زوجته الأولى في جدثها. ويشهد صاحبنا حفل زفاف أمه الجديدة فيعجب بملابس الزفاف فيطلب من والده أن تبقى العروس مرتدية هذه الملابس.
ويتلهى والد سالم بعروسه الجديدة ومشاغله الرسمية، فيترك صاحبنا وشقيقته لرعاية والدة جدتهما، وكانت عجوزاً عمياء في حدود المائة من العمر، شهدت مصرع ابنتها وحفيدتها وعشرة من الأولاد والبنات، بالإضافة إلى زوجها، فلقد كان لهذه العجوز تسع عشر ولداً وبنتاً من ذلك الزوج.
ومع كل هذه المشاكل والمصائب، فقد كانت العجوز على حيوية غريبة وكأنها في حدود الخمسين لا المائة من العمر. ولعلَّ ذلك من حسن حظ اليتيمين، وقد حدبت عليهما تساعدها جارية كانت أمها اشترتها حين تزوجت بوالدهما ودخلت بهما ضمن ما دخلت من جهاز عرس.
وحملت أمه الجديدة (زوج أبيه) فاستدعى ذلك دخول والدتها التي كانت مطلقة أبيها وخلفت منه بنتين وولداً. كبرى البنتين زوجت لأبي سالم والأخرى ما تزال صغيرة تعيش مع والدها. وهنا بدأ الصراع بين الوافدة الجديدة في جهة، وبين الجدة العمياء والجارية الأمينة من جهة أخرى. ومن جراء هذا الصراع ذاقت الجارية صنوف التعذيب، كالجلد بالسياط والخيزران. وذاق اليتيمان ((علقات)) أليمة خاصة عندما ولدت زوج أبيه وليدها الأول والأخير. وانشغلت زوجة أبيه ووالدتها بأخيه المولود الجديد وتركا العناية بسالم وشقيقته إلى الجدة العجوز والخادمة الرؤوم.
ويمعن القدر في قسوته فتموت العجوز (الجدة) العمياء حزناً وكمداً، فأعصابها لم تكن بها القوة الكافية لتحمل هذا الصراع العنيف. ويحس اليتيمان لأول مرة، بمرارة اليتم؛ فقد كان سالم في السابعة من العمر وأخته في الخامسة منه. وتحاول الجارية المخلصة (الدادة) أن تمسح بحنانها آلام الطفلين وبكل ما لديها من طاقة وإمكانية. فلم تنس في زحمة عملها كخادمة أن ترعى بعينيها الساهرتين هذين اليتيمين في الهزيع الأخير من الليل، فتدخل إلى ((ناموسيتهما)) تغطيهما إن وجدتهما مكشوفين أو تصلح وضع رأسيهما إن كانا معوجين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1476  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.