شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة العلم والإيمان
الدكتور محمَّد جمال الفندي
ما أحوج المسلمين اليوم، وقد أصبحوا يتعرضون -كما هو مشهود- لأكثر من مواجهة، وأكثر من تحدٍ.. بل ولأكثر من غزو.. ما أحوجهم وقد أحاط بهم أعداء من كل لون.. ظاهرون ومستترون.. متبوعون وتابعون.. أصلاء وعملاء.. وما أحوجهم أيضاً وقد أضناهم تخلف مرير.. ورثوه في جملة ما ورثوه عن عهود الظلام والركود، بعد أن كانوا سادة أهل الأرض حيناً من الدهر وكانوا هم الناس.
ما أحوج أبناء الإسلام، وهم يعانون ما يعانونه اليوم وأصبحوا يشعرون به ويدركونه، وأصبح قادة الفكر فيهم ينددون به، وينبهون إليه.. ما أحوجهم إلى وقفة جادة يطلبون فيها التأمل باحثين فيها عن السر: سر تخلفهم.
ولعله -أو هو بالتأكيد- السبب الذي أطمع فيهم الأعداء على اختلافهم في أغراضهم ومشاربهم.
سر تخلفهم، وأضيف إليه: سر اختلافهم، هو انحرافهم -إلاّ من رحم ربك- عن منهج رسالتهم الخالدة، أسمى الرسالات: رسالة العلم والإيمان.
الانحراف عن رسالة الإسلام، هو أمر يبعث في النفس الأسى، وهو سر ما وصل إليه العالم الإسلامي من تخلف.. هو سر الضعف، وبالتالي هو السر الذي جلب الهزائم، وجاء بالاستعمار، وجعل من "الأفعى اليهودية" في نهاية المطاف دويلة جاثمة على أرض فلسطين.
الانحراف عن رسالة السماء هو الذي أوجد التخلف، وأوجد الخلاف.
ولقد بحت أصوات العلماء والكتّاب المفكرين من أوائل هذا القرن، من كثرة ما بحثوا ونددوا.. في هذا المجال.
الأفغاني، محمد عبده، الكواكبي، فريد وجدي، ابن باديس، حسن البنا، سيد قطب.. وغيرهم وغيرهم من الدعاة المناضلين.
ما من شك في أن دعوات هؤلاء الدعاة، لم تذهب سدى.. فقد تركت أثرها، ولو إلى حد.. وما يزال الكتاب والمفكرون الإسلاميون يواصلون خدمة الدعوة عقيدة وثقافة وحضارة، كل بأسلوبه الخاص، على نحو ما نرى في هذا الكتاب.
إن مؤلف هذا الكتاب عالم متخصص في علم الفلك وأستاذ بجامعة القاهرة، وهو حالياً أستاذ الأرصاد الجوية في جامعة الملك عبد العزيز، وهو في هذا الكتاب يقدم لنا دراسة وافية عن الإسلام من حيث صلته بالعلوم على أنواعها، وتشجيعه لها، وما أنشأه كل ذلك من حضارة شامخة كانت المثل الفريد بين الحضارات مما يدحض قول القائلين عن الإسلام إنه ضد العلم وإن سر تأخر المسلمين الحاضر هو استمساكهم به إلى آخر ما ملأوا به الكتب، وغرروا به صغار النفوس مما كانت نتيجته ابتعاد الكثيرين من شباب المسلمين في أكثر أرجاء البلاد الإسلامية عن دينهم وأصالتهم، ثم إيمانهم بالغرب، وبالحضارة الغربية المادية جعل منهم أتباعاً أذلاء.
إنه غزو صليبي فكري في البداية.. تبعه غزو من نوع آخر، هو الغزو الإلحادي الماركسي كما نراه الآن ماثلاً للعيان.
في كتاب "رسالة العلم والإيمان" تعريف شامل للإسلام من جانبه العلمي والفكري تعريف بأسلوب علمي مبسط لا يدع مجالاً لمكابر أو مضلل، أو منحرف..
يبدأ الكتاب بمقدمة، ثم بتمهيد يقول فيه المؤلف:
"هذا عصر تحيرت فيه الأفكار وانطمست معالم الحقيقة في وضح النهار، وظهرت مبادئ وآراء ضلّ في بيدائها الصغار والكبار.
وماذا يفعل المرء مثلي إذا أراد أن يحاج الناس سوى أن يمسك القلم ويكتب، أو يعتلي المنبر ليخطب. ها أنذا أكتب لعلّي أعيد الصلة بين الحاضر والماضي، حتى إذا ما نظر المرء منا إلى الوراء، وعاد بالتاريخ عبر الأجيال، لم يجد فراغاً ممقوتاً، ولا هوة سحيقة، وإنما وجد بنياناً عظيماً، وأساساً قويماً.
إني أكتب لأظهر تلك الدفعة العظمى التي دفع بها الإسلام العرب ليحملوا راية العلم عالية خفاقة إبان العصور الوسطى، أو العصور المسلمة كما يسميها الفرنجة.. ولم يكن المسلمون مجرد قنطرة عبرت عليها الحضارات القديمة إلى عصر النهضة العلمية، بل إنهم صححوا كثيراً من أخطاء تلك الحضارات وأضافوا إليها الشيء الوفير.
ومهما قيل عن تلك الحقبة من الزمان التي أدرك فيها المسلمون معنى الإسلام على حقيقته فربطوا بين العلم والإيمان..
ومهما قيل عن دور العلماء المسلمين في هذا الصدد، فإن ما أخطه في هذا الكتاب إنما هو للحقيقة والتاريخ، أكتبه مبسطاً متوخياً الدقة والأمانة العلمية، ومستعيناً بكثير من آيات القرآن الكريم بوصفه صاحب تلك الدفعة ودستور المؤمنين والمسلمين الذي يستمد كثيراً من حكمه وأمثاله من هذا الكون الذي من حولنا.. من سماء ونجوم وكواكب وماء وهواء وجبال وأنهار ورياح وأحياء.
في الباب الأول يتحدث عن معلومات أساسية في مجال العلم.. يقول:
لقد سحرت الكشوف العلمية عقول الناس في هذا العصر.
ولا أظن أن مجلساً ينفض، أو سهرة تنتهي، ما لم يتعرض فيها البعض للتعليق على آخر التطورات العلمية، مما تنشره الجرائد والمجلات، أو يذيعه الراديو أو التلفزيون.
نعم أيها القارئ، ولقد حقق الإنسان باتباعه "الطريقة العلمية" وأخذه بالحقائق دون سواها في مدى قرنين فقط تقدماً عظيماً، وبنى لنفسه حضارة ضخمة، تبلغ عشرات بل وربما مئات أضعاف ما بناه في ظل ما مضى من حضارات عبر آلاف السنين.
ولا يمر يوم لا نسمع فيه أخبار كشف جديد في عالم الذرة، أو ارتياد الفضاء.. أو التحكم في الأجور، أو زراعة الأجواء، أو زراعة الأعضاء، أو محاولة مخاطبة ما في العوالم الأخرى من إيحاء.
.. ثم يقول:
وكما قدمنا كان الإسلام أكبر قوة دافعة حفزت المسلمين على البحث والدراسة فطوروا العلوم واستحدثوا منها الشيء الكثير ولم يكونوا مجرد قنطرة عبرت عليها الحضارات القديمة إلى عصر النهضة.
والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تحض على العلم وتعلي من شأن العلماء، وتضرب أمثلة من حقائق العلم وقضاياه العامة.
ثم يمضي المؤلف في حديث مفصل عن معنى العلم -الذي هو تلمس الحقائق في عالم الحس- ثم الطريقة العلمية وهي تتضمن طرق البحث.. وما يكشفه ذلك البحث من معالم الوجود المادي.. إلى أن يقول:
إن العلم المادي لا يستطيع أن يسبغ على كوننا أي لون، أو يستخلص منه أية حكمة، أو يعطيه معنى يستسيغه الفكر أو ترضى به الإنسانية، أو ترتاح إليه النفوس، ومهمته تقف عند حد وصف الظواهر والكشف عن النظم والقواعد أو القوانين الطبيعية.
والدين هو الذي يعطي هذا الوجود تلك المعاني كلها، ومنه تنبثق كل المبادئ، لأنه الأساس، وليست المبادئ والنظم الاقتصادية -مثلاً- هي أساس الشعوب، ولنتذكر بأن علمنا هو للظاهر فقط نردد قوله تعالى:
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (الروم: 7).
القرآن يخاطب العقل
ما دام الكون كتاب الله المنظور -هو من عمل الله- والقرآن الكريم كتاب الله المسطور -هو كلام الله- فلا بد أن يتطابق القول والعمل. والذي يبصرنا بهذا التطابق الرائع الأخاذ، ويجعلنا نلمسه في كل آن وحين، هو العلم الذي يوصلنا إلى معرفة آيات الخالق وعنايته ورعايته.
ولهذا حض القرآن على العلم والتعليم، بل إن أسلوب القرآن هو نفسه الأسلوب العلمي.. وهو لا يقتصر على إثارة النفس، وإثارة الوجدان، وإنما يوجه الحديث إلى العقول الواعية وأهل العلم والمعرفة، ويقيم الحجة بالدليل والبرهان كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (البقرة: 242).
والقرآن الكريم -رغم كونه معجزة خالدة- لا يقف إعجازه عند عصر معين ولا يحد بثقافة بالذات، نجد أنه لا يخرق نواميس الطبيعة وقوانينها بل يثبتها. ولم تعد بعد نزوله فرصة للمعجزات الخارقة لنظام الله في كونه أو سننه في خلقه، ولم يعد ثمة مكان للخوارق والهواجس بل هو يرد كل شيء إلى العلم السليم العام التطبيق.
قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ (الأنعام: 148).
ويسخر القرآن الكريم ممن يتوقعون أو يتطلبون الخروج على الناموس الطبيعي ونظام الكون الثابت الذي لا مبدل له فتجده يقول مثلاً لأمثال هؤلاء:
وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلاَلَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا (الإسراء: 90-92).
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (يونس: 36).
القرآن يأمر بالعلم
هذا هو التاريخ يبين في جلاء ووضوح أن الذين فهموا كتاب الله وعملوا به كانت لهم قوة دافعة جعلت من المسلمين الأُول قادة الشعوب في كل الميادين، وعلى رأسها ميدان العلوم، فقد ألزمنا كتاب الله بدراسة ما حولنا في هذا الوجود دراسة علمية واعية، فقال مثلاً في أسلوب رائع أخاذ:
أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (الأعراف: 185).
وقال بصفة الأمر:
قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ (العنكبوت: 20).
تشير الدراسة بالنظر والفكر إلى كل من الدراستين العملية والنظرية.
وهكذا دفع القرآن المسلمين إلى الرصد والقياس، ثم استخدم قوى العقل، فظهر منهم العلماء في شتى المجالات وهم الذين وضعوا أسس العديد من العلوم مثل علم الجبر والكيمياء والفيزياء ونحوها.
مميزات الحضارة الإسلامية:
بعد أن يتابع حديثه في الباب الأول.. ينتقل إلى الباب الثاني، وقد خصه بالحديث عن مميزات الحضارة الإسلامية. يقول فيه:
استمدت الحضارة الحديثة دعائم بنائها من حضارة المسلمين، تلك الحضارة التي حررت الفكر أو أطلقت العقل من عقاله، ومن قيود فلسفة الإغريق ووثنيتهم وأغلال محاكم التفتيش.
ولم ينحصر فضل العرب أو المسلمين بصفة عامة في مجرد المحافظة على التراث العلمي القديم، أي أنهم لم يكونوا قنطرة عبرت عليها الحضارات القديمة لتصل إلى عصر النهضة العلمية، بل إنهم أنشأوا الوفير من فروع العلم المختلفة، كما أضافوا إلى الموجود منها الشيء الكثير.
والدليل على ذلك أنهم نقلوا التراث العلمي القديم بعد شرحه والتعليق عليه، وبعد أن جنبوه العثرات، وخلصوه من الهفوات، ولهم ابتكاراتهم في الجبر واللوغاريتمات، والفلك والفيزياء والفلسفة.
المجتمع الإسلامي يساير الفطرة
الذي يدرس المجتمع الإسلامي الأول، أو يدرس ما جاء به القرآن الكريم من آيات بينات في شتى المجالات، يجد أن الإسلام ظل مجتمعاً يساير الفطرة ويتمشى مع الناموس الطبيعي، سواء من حيث ما جبل عليه الناس، أو ما فطر عليه الوجود.
فمثلاً ينادي القرآن بالطاعة: أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (النساء: 59). في نفس الوقت يعلي من قدر المسلم فلا يخاف أحداً من الناس.. وَأَقَامَ ٱلصَّلاَةَ وَآتَىٰ ٱلزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ (التوبة: 18).
أما العلم، فلعلّ أبسط ما قاله بعض الفلاسفة المحدثين عنه أو عن الحضارة إن "نهاية المدنية العلمية هي بدء الوحشية".
ويرى فريق من العلماء أن الإنسان سوف يدمر نفسه وحضارته العلمية بل والأرض التي يسكنها بالتفنن في أنواع الأسلحة النووية، والقنابل الهيدروجينية.
إنها الوحشية التي تتجلى بإظهار معانيها في عصر العلم، وعصر الفضاء، لتثبت بصفة قاطعة أن التقدم العلمي من غير عقيدة تسنده أو أخلاقيات تنظمه وتحكمه.. إنما هو وبال على البشرية.
القرآن والعلم:
وينتقل المؤلف إلى الباب الثالث، ويمضي في حديثه عن القرآن والعلم، ويقول:
إن التاريخ لم يعرف أمة اهتدت بالعلم، ورفع دينها من شأن العلماء كالأمة العربية في عصورها الزاهرة الزاخرة بالفنون والآداب، ولقد صارت العواصم العربية: القاهرة ودمشق وبغداد والخرطوم وقرطبة مراكز إشعاع احتل العلماء فيها درجات مرموقة لدى الخلفاء والأمراء والحكّام الذين لم يبخلوا على العلم، وصارت أعظم هوايات الأمراء والأغنياء، وصار ميدان التفاخر بينهم هو جمع المخطوطات، والحرص على اقتناء النفيس من المؤلفات.
والذي يقرأ القرآن عن تدبر وفهم لا يمكن أن يركن إلى الوهم والخيال، ولكن لعب العدو ولعب الاستعمار دوره خلال فترة مضت من الزمان.. وها قد آن الأوان لنأخذ تعاليم الدين الحنيف من جديد.
ولقد فصل القرآن في مراحل الوحي المختلفة المقصود بالعلم، كما أشار إلى ما انقسمت إليه العلوم في عصرنا الحاضر من فروع وتخصصات، تلك الفروع الأساسية التي بالبحث والتنقيب فيها تزداد الشعوب درجات من البأس والقوة، ودرجات من الإيمان والتقرب من الله تعالى.
ويفيض المؤلف في هذا الباب حديثه عن آثار المسلمين الأوائل في مجالات العلوم المختلفة، وما للقرآن الكريم من أثر في الميدان العلمي.
من تاريخ العلوم عند العرب
وفي الباب الرابع بعنوان "من تاريخ عند العرب" يحدثنا عن بعض أعلام العلم من أمثال "ثابت بن قرة" و "جابر بن حيان" ومنهجه العلمي وأهم كتبه ثم عن "الحسن بن الهيثم" أشهر المهندسين العرب إلى جانب علمه بالفلك والفيزياء ثم عن غيرهم من المشاهير.
وفي البابين الخامس والسادس.. نمضي مع المؤلف في أحاديث ممتعة عن عصر الفضاء، وما تحقق فيه للإنسانية من أمان وأحلام وعن الوصول إلى القمر.. وعن الأرض وكسوف الشمس والأعاصير والحياة على المريخ، والكهربائية الجوية.. والجاذبية الأرضية وانعدام الوزن.. وحدود البصر ثم يستطرد إلى الإنسان.
والدولة العصرية، وعنها يقول: الدولة العصرية هي الدولة القائمة على أساس القيم العلمية، والأخذ بمبدأ البحث العلمي.
بمعنى أنها نبذت الخرافات وتجنبت الأوهام وأخذت تعالج مسائها بالطريقة العلمية القائمة على الرصد "أو المشاهدة" والقياس "باستخدام وحدات خاصة".
ثم يقول: والمعروف أن نهضة أي أمة نهضة علمية حديثة إنما تبدأ من اللحظة التي فيها يؤمن قادتها بضرورة الأخذ بالبحث العلمي، ويحكمون العلم وبراهينه الصادقة السليمة.
وهذا المبدأ هو نفسه الذي نادى به القرآن حين قال مثلاً:
قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ (الأنعام: 148).
قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 111).
يَآ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (النساء: 174).
والمراد أنه قد جاءكم دليل من الله يسلم به العقل ويقطع بصحة رسالة الإسلام.
والحقيقة التاريخية أن هذه الحضارة العلمية الضخمة التي بهرت أعين الناس في هذا العصر، وحيرت عقولهم، وأغرت نفوسهم بما عملت من إنجازات في شتى المجالات، إنما هي امتداد لحضارة المسلمين، وامتداد لرسالة القرآن.
فلقد حرر الإسلام الفكر من قيود الوثنية القديمة، وأغلال الكهنوت، وطالب الناس بضرورة البحث والكشف عن أسرار الطبيعة المنبثقة في كل ركن من أركان السموات وكل جزء من أجزاء الأرض على أساس المشاهدة والتتبع السليمين، والقياس باستخدام الحواس.
وفي ظل النهضة العلمية الإسلامية الكبرى، في عهد العباسيين وأواخر عهد الأمويين منذ نحو ألف سنة مضت، كان العلماء العرب، من أمثال البيروني والحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وابن يونس المصري وغيرهم كثير في شتى مجالات العلم، يربطون بين العلم والإيمان، وقد ابتدعوا كثيراً من فروع العلم الحديث.. الخ.. الخ..
وإنك لا تجد تفرقة بين العلم والإيمان في مؤلفات أولئك العلماء العرب.
فمثلاً يقول الحسن بن الهيثم: "واشتهيت إيثار الحق وطلب العلم، واستقر عندي أنه ليس ينال من الدنيا شيئاً أجود، ولا أقربه إلى الله من هذين الأمرين".
ويحدثنا التاريخ الصادق أن فصل العلم عن الإيمان إنما حدث وتم في أوروبا أثناء العصور الوسطى. عندما أخذ الأوروبيون ينقلون علوم العرب عن طريق الأندلس وعن طريق التبادل التجاري.
ولهذا عندما يعود إلينا العلم لا يعتبر دخيلاً علينا ولا غريباً عنا.. ويجب أن نعيده إلى أصله كما نشأ أول الأمر بين ربوعنا أي في أحضان الإيمان.
ثم يقول المؤلف: "لا يتوفر العلم والإيمان إلاّ على أساس من الأخلاق والآداب القويمة. ولهذا أمر الله المسلمين بالتحلي بمكارم الأخلاق.
وحقيقة أن خلق الأمة يبدأ بتربيتها، ولهذا فالقرآن يقول: يآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (الصف: 2-3).
أي أنه لا بد من أن يكون المرء أميناً صادقاً في قوله، منجزاً لوعده، والله تعالى يقول في سورة الرعد الآية (11) إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ.
وهكذا يمضي المؤلف الفاضل في كتابه الشائق "رسالة العلم والإيمان" وكان يمكن أن نمضي لولا أن الحديث قد طال معه إلى نهاية الكتاب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1128  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 28 من 49
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج