شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(8)
دبت الحياة في مسالك الوادي، وبدأ ثغاء الماشية يختلط برغاء الإبل، وأخذ البدو والفلاحون ينسلون من معارجهم في السفوح القريبة. وسمع مَن ينادي باسمها: ((فكرة))، فالتفت فإذا به صاحبها بالأمس يحث أغنامه متجهاً إليها.
وكانت ((فكرة)) في شغل عن ندائه، تلهو في شجيرة من الورد.. تركز أغصانها في عود غرسته بيدها، لتسوِّي فروعها عليه، كما لو كانت تُعنى بشيء يخصها، وصافح النداء أذنيها بعد لأي، فهرعت إليه تستبق خطاها، وانحدر خلفها يدفعه فضول ملحّ في تسنم جديد عنها، فسمعه يبشرها بوصول النفر من أهل خطيب أخته في جماعة من عِلية (الهدى)، وأنهما بعد اتفاقهما على تفصيلات الزواج، عينا ليلة الجمعة المقبلة موعداً لحفلة الزفاف، وأنه آت لِدعوتها ورجائها في أن توافيهم قبل موعد الزفاف بمدة تكفي لمشاركتها الرأي في كل ما يتعلّق بالزفاف.
أنصتت إلى صاحبها الراعي، وفي محيّاها علامات الرضا، وبين شفتيها تنزوي ابتسامة حلوة، ثم زوت ما بين عينيها، كمن يشير إلى ناحية في الموضوع لم تستوف بعد، والتفتت في أدب إلى ناحية الراعي ثم إلى ناحية سالم وقالت:
- أجل.. وسيكون كلانا قبل موعد الزفاف عندكم، ولست أرضى من أخي سالم أن يتأخر عن ليلة الحفل، فنحن أحوج إليه قبل موعده.. وفي سلامة الله يا راجح.
وانصرف راجح الراعي مسروراً بما تضمنه حديثها، فقد أضافت إلى دعوتها شخصاً لم يكن في موضوع الدعوة في أسلوب رشيق ودود.
لم يدرِ سالم أيكبر عليه إقحامه في الدعوة ويستنكفه، ويعترض عليه أم يقبله ويرضاه، ويهنأ به كبادرة من بوادر الحب والولاء والعناية به.
ولم تمهله حتى يستجمع أفكاره، بل أشارت إلى فيء ظليل على حافة جدول ضحضاح، وقالت وهي تضع يدها على كتفه:
- تعال نستفئ ونضع برنامجنا على النحو الذي نراه.
ونسي تردده بين الاستنكاف والقبول، وانساق في صحبتها حتى تخطيا الجدول، واستقرا على حافة تحت أشجار السفرجل.
وقالت وهي تعبث بأناملها الدقيقة في الماء:
- لك يا صديقي زوجة تبيت على مثل نار الغضا انتظاراً لأوبتك، ولك أولاد يستبطئونك ويرقبون عودتك في شغف ولهف، فارجع إليهم وامضِ بينهم ثلاثاً من الأسبوع أو أربعاً، أكون في أثنائها قد سبقتك إلى مكان العرس، وقضيتُ من حقهم عليَّ ما قضيت، إلى أن توافيني ليلة الزفاف؛ فنشترك معاً في ليلة بهجة وسرور حافل.
قالت هذا وهي تربت على كتفه في رقة ولطف، كما تهدهد أم طفلها في دلال وحنوّ، وما ختمت حديثها حتى أشارت بيدها إلى طرف الجادة النازلة في تعرّج إلى فم الوادي، ووضعت يدها في يده تودعه، وتسلمه إلى الطريق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :333  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 186
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج