شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أخي حمزة شحاتة ..
.. لعلّ من سخرية الأيام أن أكون وأنا أول صديق لأخي الأديب الشاعر المرحوم الأستاذ حمزة شحاتة في حياته آخر من يعرف .. بعد مضي عدّة أيام على الوفاة .. بوفاته.
لقد فجعت بالنبأ .. حين فاجأني به صديقنا العلامة الكبير الأستاذ حمد الجاسر أثناء حفلة الغداء بدار معالي سفيرنا ببيروت الشيخ محمد منصور الرميح تكريماً لسمو الأمير سطام بن عبد العزيز وكيل إمارة الرياض.
فكان الذهول .. وكان الأسى .. وكانت هذه المرثية العفوية.
فإلى نفسي .. وإلى أهل الفقيد .. ولصحبه جميعاً.. أحسن العزاء وله من الله عفوه ورضاه.
نشرت بجريدة البلاد
في 28 / 12 / 1391
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر والمنى
ودنيا فنون الشِّعر، والفكر، والحبِّ
أتسمعني .. طبعاً!! فأنتَ بجانبي
حياة بها عشنا الحياة .. على الدَّرْبِ
غريبين .. في الدُّنيا .. تباعد أهلها
تباعاً .. ولمَّا ينأَ جنبك عن جنبي
نطوف بأكوان العوالِم .. حرَّةً
ونأوي لركن ساحر الشَّدِّ والجذبِ
نقضي سواد اللَّيل .. للصُّبح .. نجتلي
أمانينا موصولة البعد .. والقرب
على الرَّمل ..كم نصغي لسقراط والألى
أقاموا صروح الفكر.. بالشرق، بالغرب
على الصَّخر .. كم نبني من الشِّعرِ جنة
نفتت بعض الصخر بالألسن الذُّرْب
على البحرِ .. كم نمشي مع الموجِ ساكناً
وفي الصدر موج هادرُ النَّبض والوثب
نريدُ لأهلينا الحياةَ .. طليقةً
فيسخرُ أهلونا .. ونأسف للجَدْبِ
* * *
أخي .. يا رفيق الدّرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشعر والفكر والحب
أتذكرُ؟! طبعاً!! أنت تذكر جدَّةً
وشطآنها .. واليمُّ يمرح في عُجْبِ
ونحن نرود الشطِّ .. والشعر بينها
نغازلها .. أو نمزِجُ العفو بالذَّنب
غريبَيْنِ .. عشنا بين سور يحُدُّها
وبين خلاء يطلب الرِّيَّ للعشبِ
نصوغ لها حر اللآلئ تارة
ونقذفها .. حيناً بأحجارها الصُّلبِ
لقد أصبحتْ .. يا صاحبي .. اليوم جدَّة
عروساً .. فماذا كان كسبُك أو كسبي
لقد نَسِيتْنا .. والحياة سريعةٌ
فحسبك منها ما تجدَّد .. أو حسبي
* * *
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ
أتذكر؟. طبعاً!! أنت تذكُر مكَّةً
وحاراتها .. من جرول .. وإلى الشِّعب
ونحن نماشي العمر فيها .. وحولها
مرابع .. من صوبٍ تقود إلى صوب
نعيش مع الأترابِ طول نهارنا
شباباً .. تغنَّى بالشبابِ وبالحبِّ
ونسعى إلى (المركاز) ليلاً بلهفةٍ
نمد له كعباً تشدَّدَ بالكعبِ
تدير شؤون الرأي جدًّا .. أعدته
إليك مزاحاً .. فالدعابةُ من دأبي
فنحيا .. كما نهوى .. الحياة نظنُّها
لدى مجمع (المركازِ) مدرسة الشَّعب
أتدري بأنَّ اليوم .. مكة أصبحت
تثاؤب غاف في الملالة .. والعَتْبِ
ولكنها في معرض الذِّكر قد غدتْ
على نسق حلو التوثُّبِ .. والوثب
فإن نحن قلنا: كيف أصبحتِ، أطرقتْ
وقالت: ومن ذا أنتما في المدى الرَّحب؟
فقلنا: على بعد .. بوجد وغصَّةٍ
محبَّيْن .. قالت: فات ركبكما .. ركبي
تعالا إليَّ الآن .. روحاً .. وراحة
وذكرى .. لعلِّي أذكر الصعب بالصعب
فمالي .. (بالمركازِ) علم .. لعلَّه
بقايا عزاء الأمس من أمسنا العذب
* * *
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ
أتذكر لما قلت: إني مهاجرٌ
وإن كنت بعض الشهب .. عن بلد الشهب
فسافرت مكلوما لمصر .. معذَّباً
بمصر .. على حرف تعيش .. وفي دأب
وخلفتني وحدي .. فكانت رسائلي
إليك.. ومنك الأمس تطرب.. أو تسبي
فأمسيتَ مكروبا .. وجئتك كارهاً
حياتي .. فهل ذقنا الحياة بلا كرب؟
صديقين .. عشنا .. لا يفرِّق بيننا
على البعد بعدٌ .. فالقرابة في القلب
يحن كلانا للتُّرابِ .. نشمُّه
نسيماً على بعد التراب .. وفي القرب
وبالطَّائف المزهوِّ كانت حياتنا
زهوراً على الركبان تنبت عن كثب
وفي طيبة الفيحاء .. كنا سويَّةً
نردِّدُ أصداء النُّبوَّةِ .. كم تصبي؟
وفي جوف أرباض الكنانة .. قلتَها
على مضض .. حتَّام أبعد عن إربي
تقول ليومي: سوف نرجع .. في غد
إلى الأرض.. سوت روحنا من ثرى رطب
فأطرقُ محزوناً .. وأبسم ساخراً
وأهمس: ما جدوى الصبابة للصَّبِّ
إذا بات بين الناس ذكرى ضئيلةً
تلوح كلمحِ البرق من خلل السُّحْبِ
مثالك .. مهجوراً .. وإن كنتَ هاجرا
سعى .. وارتضى القاع البعيد من الجب
* * *
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ
أخيراً .. على كرِّ الزمان .. وفرِّه
وفي غفلة قادتك طوعاً .. وفي غصْبِ
لقد عدت للمعلاة: نعشاً .. وجثَّةً
فوارتك في صمت المقابر والرَّكب
جنيناً ببطن الغيب عاد .. كما أتى
من الأمس.. ذكرى لن تضيع مع الغيب
وسفراً بأذهان الرجال .. سطوره
مبعثرة حول الرفوف .. بلا كتْبِ
وهبت لهم دنياك: كنزاً من الحجى
فواروك .. دوني .. بين هول وفي رعب
سألقاك روحاً .. أو أحاذيك جثة
تنام بساح الأرض غالية التُّربِ
متى جاء ميعادي .. فكلٌّ لحينه
وما الموت إلاَّ السلم أو هدنة الحرب ..
* * *
أخي .. يا رفيق الدرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ
وهبت شباب الأمس لليوم لم يزل
يلوح مناراً للشَّباب .. لدى شعبي
وإن كنت عند الرأي بالرأي .. حائراً
بدنياك ما بين الترقب .. والنَّدْب
وقفت به عند الزَّهادة .. مذهباً
تلاشى به الإيجاب .. في رنة السَّلْبِ
وعشت عنيد الرأي .. كوناً بحاله
غريباً بكون النَّاس .. مالوا عن الصعب
تبيت على شكٍّ .. وتصبح شاكياً
فأمسيتَ في الحالين نهباً .. بلا نهب
وأقفلت دون الصحب باباً تراكمت
عليه سدول الصمت.. والظن.. والريب
وكنت لدى ماضيك روحاً طليقة
وطبعاً رقيق الطبع في الجد .. في اللَّعْب
أنيقاً .. مديد الجسم والعقل .. شاعراً
أديباً من النوع الفريد .. بلا ريب
أنيساً من الطِّرز الرفيع .. محدِّثاً
بليغاً بلا زيف .. صريحاً بلا كذبِ
لكم بدَّلَتْ دنياك منك فلم تعد
كما كنت في الأحياء .. للأهل .. للصحب
وكم قلت: إني عائدٌ .. ثم عائدٌ
لأرضي .. لعادتي .. لسربك أو سربي
فعدت .. ولكن لا كما أنت تشتهي
وما أشتهي .. هل كان ذنبك أو ذنبي؟
لقد عدت .. محمولاً لجدة .. طائفاً
بمكة .. جثماناً يلوب بلا لَوْبِ
وخلَّفتني ما بين بيروت ضائعاً
وجدة.. رهن الشدِّ.. طال .. بلا جذب
أعاني صراع الحي .. يومي وليلتي
وأعلو بإحساسي على الهون والكربِ
وأحيا بروح الفنِّ .. هان فلم يعد
سوى الفنِّ: درباً للتكسُّب .. للكسبِ
* * *
أخي .. يا رفيق الدَّرب، والعمر، والمنى
ودنيا فنون الشِّعر .. والفكر .. والحبِّ
هنالك ملقانا .. لدى السَّفح .. قمَّةً
بها الرَّوح لاذت في حمى البيت والربِّ
هنالك ملقانا الجديد متى انتهى
مع العمر مشوار الحياة.. على الدَّرب؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 9 من 173
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.