شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللذة بالألم
ودخلت عليه مكتبه، فما رأيته قد أمسك قلمه يكتب على القرطاس ما كنت أعهده كلما دخلت عليه. كأنما القلم والقرطاس أصبحا في وجدانه عشقاً جديداً ترسيخاً لعشقه القديم.. قارئاً أو كاتباً..
وسمعته لا يتكلم، فالتعبير عبرة في عينيه حبيسة، لم يمنعها الكبرياء، وكثيراً ما كان الألم يمنحها لتعبر على وجنته، وإنما حبسها الحزن الممض.
ورأيته قد سمر المسجل على هذه الفقرة من أغنية وردة الجزائرية ((العشرة غالية الحب أغلى)) فقلت له: ماذا جرى حتى تبكي العشرة بلا دمع.. ويبكيك الحب بهذا الحزن..؟
كان الألم يصنع لك لذة، فالبعاد صانع الألم، وحتى الهجر تخيلت يوماً ما.. أن فيه صناعة الوصل.
فقال: البعاد ظرف لم تصنعه هي، فالقسر فيه اعتذار منها إلي، ومعذرة مني لها، أما الهجر فتصنعها تريد أن تذيقني العذاب بالعذاب.. وما أسرع ما تعود، وما أقرب ما تعودت أن أعود..
أما اليوم فوضع آخر؟
قلت له: لا تضف شيئاً إلى ذلك، فالأغنية التي سمرت عليها المسجل فيها الإِجابة عن ما تريد أن تقول.. فالزمن قد شاخ بكما.. والسنون قد تعرت فلم تعد ذات ظلال عليكما..؟
فقال: إن قلوب العاشقين لا تشيخ.. بل الشيخوخة وحتى العدم تتأتى من عوامل لا يصنعها الزمن.. وليست هي من فعل السنين..
قلت: ومن فعل من..؟
قال: ليس هو الفاعل من.. وإنما الفعل جاء من ما..
فمن الإِنسان سواء الغيران، أو من تتآكل به الأعراض تآكل القراطيس من فعل الفيران.. فما كلفها الغيران شتمي.. ولم يستند لها المليك.. وإنما هو شيء آخر.. هو الإنصراف عن الماضي ولو بقهر الحب.. والاغتراف من الحاضر.. ولو بتصنع الكراهية؟
قلت له: سحابة صيف عن قليل تقشع..؟
قال: نحن في الشتاء.. فإذا ما فقدت الدفء فيه أهلكك برده القارس.
قلت: إن القلوب دافئة سواء بالوصل أو بالهجران.. ولكن المصاب جاءك من الوضع الذي أشار إليه المتنبي فقد قطعت أيام الوصال وثباً فأفحمك وأفحمها الجري حتى إذا انتهى الشوط دعاكما السباق: أيكما العاشق؟
فكانت الإِجابة أن تستريح هي لتعيش لذة جديدة بالألم تسلطه عليك كما سلطته على نفسها. ولكنها تعب السنين قد أضاع الفرصة عليكما جميعاً:
فما الذكرى بنافعة.. ولا بشافعة في رد ما كان.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :564  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 424 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.