شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
القرمز
ـ وتعوّدت أن أسمع برنامج أستاذنا وصديقنا عبد الله بن خميس الإذاعي حرصاً على أن أفرح بما كنت أحفظ، وإني لأكثر فرحاً بما يورده من الشعر الشعبي، كأنما القبائل في جزيرتنا وفي نجدنا خاصة قد بقيت حفيظة على ميراثها من الشعر، فهي إن تباعدت عن الفصحى لم تبعد عن الإفصاح بما تحفل به من المعاني الشاعرة وكأنما اللغة الشاعرة لم تحرم أبناءها من معانيها وإن جرت الأيام اختلافاً في مبانيها.
سمع بيتاً من هذا الشعر الشعبي يصف الشفاه بأنها ((تقرمزت)) أو أنها ((مقرمزة)) فوقفت، من أين جاءت له هذه الكلمة التركية ((قرمزي)) أي الأحمر خفيف الحمرة؟
كأنما الشفاه قد جاء وصفها بالقرمز وصفاً ثالثاً مضافاً إلى ما جاء في الفصحى ((شفاه لعساء)).. ((شفاه لمياء))، باللعس واللّمى حمرة مسودّة و سواد محمّر توصف به الشفاه الجميلة والقرمزة هي كذلك.
وزعمت لنفسي أن اللفظة القرمزية دخيلة على هذا الشاعر كما دخلت كلمات أجنبية غيرها، ولكني لم أقتنع بهذا الزعم لأني أعرف أن اللغة الفصحى قد تفصح بها كثير من الدخيل، كالزنجبيل وما إلى ذلك وأخذت أرجع إلى ((لسان العرب)) فوجدت أن الفصحى قد فصّحت لفظة ((القرمزي)) فقد جاء في اللسان ما نصه:
((قرمز: القرْمز: صبغ أرمني أحمر يقال إنه من عصارة دود يكون في أجامهم، فارسي معرب، وأنشد شمر لبعض الأعراب:
جاء من الدّهنا ومن أرابه
لا يأكل القِرْمازُ في صنابه
ولا شِواءَ الرَّغْفِ مع جُوذابه
إلا بقايا فضل ما يؤتى به
من اليرابيع ومن ضبابه
أراد بالقرماز الخبز المحّور، وهو معرب، وورد في تفسير قوله تعالى: فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (القصص: 79) قال: كالقرمز هو صبغ أحمر، ويقال إنه حيوان تصبغ به الثياب فلا يكاد ينصل لونه، وهو معرّب)).
فالحصيلة أن الفصحى أخذت لفظة القرمز تصف به الحمرة في كل شيء، وتخص الشفاه تصفه به.
حرصت على ذلك أنشره، أتثبت لأثبت عمق صلة هذا الشاعر القبلي بلغته الشاعرة يتعامل بها، فإذا لم نشرح ذلك يتغافل السامعون فلا يطبقون الوصف في جماله على الموصوف في جماله..
كما وصفوا الشفاه بالعنّاب، واستشهدوا بالبيت من قصيدة يزيد ابن معاوية التي مطلعها:
نالت على يدها ما لم تنله يدي
نقشاً على معصمٍ أوهت به جلدي
وأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت
ورداً وعضت على العنّاب بالبَرَد
ولون العنّاب هو لون اللمى!
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :724  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 358 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج