الحَلْقَةُ السَّابعَةُ |
أقبل الفتى هاشَّا باشَّا على أستاذه الشيخ فحياه بتحية الإسلام. ورد الشيخ بأحسن منها.. قال الفتى لأستاذه الشيخ.. عندي سؤال جد مهم بل وحيرني كثيراً فما وقفت على جواب له. قال الشيخ ألهذه الدرجة سؤالك مهم؟ قال الفتى: نعم يا شيخي العزيز. قال الشيخ اطرح سؤالك المهم هذا، فقد شوقتني إلى سماعه. |
قال الفتى قرأت في مجمع الأمثال للثعالبي مثلاً غريباً يقول ((تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه)) قال الشيخ وما سبب حيرتك فيه؟ قال الفتى: حيرتي كيف نصب فعل المضارع ((تسمعَ)) وهو خال من أي أداة نصب قبله؟ |
هنا أحس الشيخ بأهمية سؤال الفتى. فكأن السؤال أخذه على غرة.. فجال بفكره سريعاً في مطالعاته الواسعة، وبدت حبات العرق تتساقط من جبينه الوضيء فأدخل يده اليسرى في جيب جبته وأخرج منديله الأبيض يمسح حبات العرق.. وفجأة تفتحت أسارير وجهه وقال لفتاه: سؤالك جيد يدل على دقة ملاحظتك أثناء الاطلاع. وهذا ممتاز فيك. |
أما الجواب عليه فهو.. جاز لنا نصب الفعل (تسمعَ) لأن أداة النصب محذوفة دل على حذفها دليل.. فالأصل: ((أن تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه)) فإن الثانية التي دخلت على فعل تراه تدل على حذف أن في تسمعَ.. وهذا كثير في الأسلوب العربي شعراً ونثراً. |
لاحظ الشيخ على تلميذه انكبابه على كراسته يسجل فيها هذه الملاحظة ـ ثم رفع الفتى رأسه وقال لأستاذه الشيخ: زادك الله علماً ومعرفة فقال الشيخ: وأنار الله لك طريق العلم وشد أزرك فيه. |
ثم استطرد الشيخ يكمل نواصب المضارع بأن المضمرة جوازاً فقال: أي بني كنا قد تحدثنا في الدرس السابق عن نواصب المضارع بأن المضمرة وجوباً وقلنا إنها خمسة مواضع ـ فهل لك أن تذكرها بإيجاز مع التمثيل لكل موضع؟ |
قال الفتى: أجل.. أيها الشيخ. |
1 ـ بعد لام الجحد المسبوقة بكون منفي نحو قوله تعالى مَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ (الأنفال: 33). |
2 ـ بعد حتى التي تحمل معنى الغاية نحو لا تقوم الساعة حتى تشرقَ الشمس من مغربها. |
3 ـ بعد فاء السبب التي تصدر بنفي أو طلب نحو: (أتدعو الناس إلى الخير فتبتعدَ عنه؟). |
4 ـ بعد واو المعية التي يسبقها نفي أو طلب مثل: (لا تنه عن الكذب وتقعَ فيه). |
5 ـ بعد أو التي تكون بمعنى إلى.. أو إلا.. نحو (لا أصاحبك أو تخلصَ في وفائك للجميع) ربت الشيخ على كتف الفتى وقال له أحسنت أحسنت أيها الفتى النجيب. |
الآن يمكننا أن ننطلق إلى شرح بقية النواصب.. قال الفتى: تقول أيها الشيخ بقية النواصب هل هناك بقية؟ |
فرد الشيخ: هناك مواضع ينصب فيها المضارع بأن جوازاً وهما موضعان فقط. |
1ـ بعد لام التعليل أو لام العِلَّةْ كما عنَّ لنا أن نسميها نحو قولك: جئت إلى المسجد لأصليَ الفجر جماعة.. فاللام التي دخلت على فعل (أصلي) تسمى لام العلة لأنها تفسر علة المجيء إلى المسجد وتنصب الفعل المضارع بعدها جوازاً بتقدير أن المحذوفة.. يمكننا إظهارها فنقول: ((لأن أصليَ)) بدلاً من ((لأُصليَ)) . |
2 ـ أن يقع المضارع بعد عطف على اسم صريح نحو قولنا.. اجتهادك وتنالَ النجاح ففعل تنال مضارع منصوب بأن الواقعة بعد حرف العطف على الاسم الصريح وهو اجتهادك وهو الواو. |
قال الفتى: هل العطف على حرف الواو فقط؟ رد الشيخ: بل على أي من حروف العطف الواو.. الفاء.. ثم.. أو.. |
تحفز الشيخ للقيام بعد أن سأل فتاه: هل عندك سؤال فيما سبق درسه هذا اليوم؟ قال الفتى شكراً جزيلاً أيها الشيخ وأقفل الفتى كراسته وودع شيخه ثم ذهب كل منهما إلى منزله على أمل اللقاء غداً إن شاء الله. |
|