يا دروةَ الأيامِ.. إني متعبُ! |
أَجترُّ آلامي.. فَأَيْنَ المَهْرَبُ؟ |
أأعيشُ في دنيا كئودٌ لفحها |
تجتاحني.. بعواصفٍ.. تتقلبُ! |
وأهيمُ لا أدري مساراً هادياً |
فَبِشاطِىءِ الإعْتَامٍْ ضَلَّ المَرْكَبُ |
ما بالها أمست خثاراً لاهثاً؟ |
في زحمةِِ الأوْكاسِ فهي تَغرُّبُ |
هل مَّسها جَفْوٌ فصارتْ دميةً؟ |
لا حسَّ فيها ـ للمشاعرِ يُسكبُ؟ |
أم أنَّها باتتْ خيالاً ماحِلاً |
لا يُرْتَجَى منها فوَاحٌ طيِّبُ؟ |
أَفَلَتْ فما ذكرى لوصلٍ غابرٍ |
كان الصَّفَا فيه.. وكان المَطْلَبُ |
ما بالها جرداءَ لا نبضٌ بها |
عشيتْ رؤاها ظلمةٌ.. تتغَلَّبُ |
هي دورةُ الأَيَّام تصفو ساعةً |
فَتَرَى كَأنَّكَ خالدٌ لا تَذْهَبُ |
فإذا رعتكَ بظلِّها وصفائها |
أولتك غَدْراً ماكراً يَتَشَعَّبُ |
تولي جهولَ القومِ شَأْناً زَائِفاً |
وتحطُّ مِنْ قَدْرِ الذَّكيِّ وتَلْعَبُ |
هَلْ دامتِ الأيامُ إلاَّ للذي |
أَرْخى العَنَانَ تواطُؤاً ـ يَتَقَرَّبُ؟ |
وانْدَسَّ بينَ شِعَابها نهبَ الغَوَى |
يَقْتَاتُ من شَهَوَاتِها ويُكَبْكَبُ! |
يا دورةَ الأيامِ حسبكِ أَنْ تَرَيْ |
عزمَ الأَبيِّ سجيةً لا تُغْلَبُ |
ما غَرَّهُ يوماً رفاهُ معيشةٍ |
كلا ولا وهجٌ لمجدٍ يوُهَبُ |
فالحقُّ ذو صوتٍ يَشِفُّ طَلاَوَةً |
لا يُلْجَمَنَّ بِسَطْوَةٍ أَوْ يُرْهَبَ |
هَلْ تَحْجُبَنَّ الشَّمْسُ في رَأْدِ الضُّحَى |
ضَوْءاً يَعُمُّ الكوْنَ لا يَتَسَرَّبُ؟ |
فَبِدَايَةُ الإنْسَانِ حُبٌ طَاهِرٌ |
يَأْبَى هَوَانَ النَّفْسِ لا يَتَنَكَّبُ |
لا يَرْتضي ذُلاَّ ولا وَطْأً إذا |
رَكِبَ المَطيَّةَ جَاهِلٌ يَتَكَسَّبُ |
فَتَرَاهُ عَفًّا ذا صَيَالٍ شَامِخاً |
كالنَّجْمِ يَزْهو سَاطِعاً لا يُحْجَبُ |
يَنْأَى عن السَّقْطِ الرَّخيصِ ويَجْتني |
فَيْضَ الإبَاءِ فَدَفْقُهُ لا يَنْضبُ |
مُسْتَمْسِكاً بالدِّينِ إِنْ جَلَّ الأسى |
فَيَقِينُهُ أَمْضى سِلاَحاً يَضْرِبُ |
في مُقْلَتَيْهِ بَسَامةٌ وَهَشَاشَةٌ |
لا تُنْزَعَنَّ بِطَارقَاتٍ تُعْطِبُ |
يطفو على الإِذْلالِ مَوْجاً ثائراً |
مُسْتَعْلياً في الكوْنِ لا يَتَذَبْذَبُ |
يُفضي إلى اللَّيلِ الكَليمِ إذا دَجَى |
أَلماً يَعَجُّ ـ بَخَافِقَيْه ـ ويُلْهِبُ |
فتزيدهُ الأَيَّامُ طَحْناً قَاسِياً |
لكَنَّهُ صَعْبُ المِرَاسِ مُجَرِّبُ |
عَزَمَاتُهُ أَقْوى من الوَخْزِ الذي |
في مُقْلَتَيْهِ كَمَا سِهِامٌ تَنْشِبُ |