شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عبد الله بغدادي ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ عبد الله بغدادي فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ورحمة الله للعالمين.. فلعل واجب الوفاء لصاحب الاثنينية بعد عام حافل بالنشاط، وعلى أمل اللقاء في عام قادم إن شاء الله أن أقول هذه الكلمة.
- لقد تحقق لدى أرباب القلم وصُناع الكلمة في بلادنا، أن هذه الاثنينية ندوة أدبية متطورة، ومصنع من مصانع الفكر والثقافة في بلادنا، ومعلم من المعالم الحضارية البارزة، وشخوص من الشخوص العملاقة، وصار حقاً أدبياً نلتزم به أن نطلق على هذه الندوة الأدبية المتفردة من الآن وصاعدا اسم صالون الاثنينية الفكري والأدبي، صاحبه ومنشئه عبد المقصود خوجه، وهو أديب متأثر بالأدباء، عارف بأقدار العلماء، خبير بمجالسة النبغاء، ملك البيان عليه كل فؤاده، واستولى الإِحساس الغامر به على كل مشاعره، فتأثر بالأدباء والشعراء، وتأسى واقتدى بالعلماء، وارتفع إلى مرتبة شامخة في تجربة الأدب والأدباء، فأخذ يبشر بهم وينشر آثارهم وينتقي أسالبيهم في الرقة والجزالة، ويتحسس المجودين والنبغة منهم في بلادهم وفي أقطار شتى من العالم، فيقدم أحدهم تلو الآخر على مسرحه الفكري المتفرد لعرض أفكارهم، وطرح رؤاهم الثاقبة في موازين الفكر، ومسارح الأدب، ومجالات العلم والثقافة، والدخول معهم في مساجلات ومطارحات للوصول إلى أفضل الطرق وأنجع السبل إلى تحقيق عالم أفضل وطريق أجمل وأكمل لصناعة الكلمة، وبناء فكرنا على أساس متين من التجديد والابتكار.
- وفوق ذلك تميز صاحب فكرة الاثنينية ومؤسسها ومنسقها بالأدب العالي والخلق الوافي.. فيه شغف نابغ، وطبيعة مؤاتية، ونفس جياشة، يرتدي حلل الوفاء للأصدقاء والمحبين له على أن لا يحيد عن ذلك أو يميل، ولا يفرط في عرى الصداقة قيد أنملة.
- له فكر ثاقب وعقل راجح وحكمة نافذة، يجلله برد الإِيمان ونور اليقين وسراج العافية واستقامة السيرة، فكان بكل هذه المزايا والسجايا العقل البصير والسراج المنير والفكر المستنير والأديب الخبير، وكان بحق إمام هذه الندوة الأدبية المتفردة، بل صاحبها وفارسها ومنسقها، لا يجارى في هذا التنسيق لأنه مقسم إلى أحسن التقاسيم وأروع الأنغام.
- وكان ما أصابها من نجاح بهر موضع الثناء والتقدير من كافة الأدباء الشعراء والعلماء، وصار حقاً له أن يزهو بها على الدنيا؛ ويفخر بها على الأيام، ويتيه بها على عالم الفكر؛ فقد غدت منبراً من منابر الثقافة، ومشعلاً من مشاعل العلم، ومنارة من منارات المعرفة، يدور بين رحابها ويقام على مسرحها نقاش علمي محبب إلى النفوس على مستوى أكاديمي مرموق، فهي تضاف من اليوم وصاعداً إلى عداد الصالونات الأدبية الرفيعة، التي عرفناها في كتب الأدب، والتي كان يدور فيها نقاش مستفيض، وتقام فيها المناظرات بين أرباب الكلام وعلماء اللغة وفحول الأدباء والشعراء.
- وتذكر كتب الأدب أن هذه الصالونات الأدبية كانت تقوم مقام الجامعات اليوم، ذكر ذلك العلامة أحمد أمين في كتابه "ظهور الإِسلام"، لأن ما دار فيها من حوار أدبي ماتع ارتفع إلى صف النقاش الأكاديمي العالي، فقد تحدث ابن عبد ربه في "العقد الفريد" والمقري في "نفخ الطيب" والمقريزي في "الخطط" تحدث هؤلاء حديثاً رائعاً عن آداب الخاصة في هذه الصالونات، وحيث كان الحضور إليها في موعد محدد، والانصراف منها عند إشارة خاصة يشير بها صاحب الصالون.. فإذا قال ذهب الليل قام من حضر، وأظن أن الليل لم يذهب. ومن المناظرات الطريفة تلك المناظرة الشهيرة التي حدثت بين سيبويه والكسائي، حين زعم الكسائي أن العرب تقول كنت أظن أن الزنبور أشد لسعاً من النحلة، فإذا هو إياها، فقال سيبويه: بل الصحيح، فإذا هو هي.
 
- وأورد المسعودي في "مروج الذهب" طرفاً من هذه المناظرات فقال: إن يحيى بن خالد قال لهم مرة: قد أكثرتم الكلام في الكمون والظهور، والقدم والحدوث، والإِثبات والنفي، والحركة والسكون، والماسة والمياسة، والوجود والعدم، والأجسام والأعراض، والتعديل والتحرير، والكمية والكيفية، وسائر ما نريده من الكلام في الأصول والفروع، فقولوا الآن في العشق فقال علي بن الهيثم: أيها الوزير العشق سبب المشاكل وهو دليل على تمازج الروحين.
 
- ومن الأمثلة على تلك المجالس، مجلس الوزير ابن الفرات، وفيه جرت المناظرة الشهيرة بين أبي سعيد السيرافي، وبين بشير بن متَّى، وهي التي يذكرها أبو حيان التوحيدي بالمعضلة في كتابه "الإِمتاع والمؤانسة" غير أن أكثر الصالونات الأدبية شهرة تلك التي خلَّدها المتنبي في شعره وازدهى بوجوده ينشد شعره الخالد في مجلس كافور بمصر:
ولكن بالفسطاس بحراً أزرته
حياتي ونصحي والهوى والقوافيا
تجاذب فُرسان الصباح أَعنَّة
كأنَّ على الأعناق منها أفاعيا
قواصد كافور توارك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
فتى ما سرينا في ظهور جدونا
إلى عصره إلا نرجي التلاقيا
 
- عفواً بعد هذا الاستطراد أعود إلى صالون الاثنينية الأدبي، وفيه دارت مساجلات ومناقشات ومداخلات على هذا المستوى الفكري الرفيع، والطراز الأكاديمي العالي الرصين، والنسق المتقدم من النقاش الهادف البناء. فقضية مثل قضية الغزو الفكري الثقافي للأمصار والأقطار العربية هي بلا شك على أرفع المستويات الفكرية، كما أن تكريم رجل مفكر بارز من أبرز رجالات العصر على مستوى العالم الإِسلامي كله، ومن أحسنهم في الدعوة إلى الله على هدى وبصيرة وإيمان مستقيم، هو تكريم للعلم والعلماء في شخصه. فالأستاذ محمد ناصر العبودي رحالة عبر القارتين الأفريقية والآسيوية، وله رحلات في أمريكا الوسطى، ومشاهدات في المكسيك وكولومبيا وبنما وكوستريكا وغيرها. يتحسس أحوال المسلمين هناك، ويكتب عن شؤونهم وشجونهم، ويدعوهم إلى الرجوع إلى أعظم المناهج وأفضل السبل، لكل مسلم في هذه الدنيا يريد أن يستقيم على شرعة الإِسلام ويهتدي بهدي أفضل رسل الله وأفضل البشر أجمعين والدعوة إلى الله وإلى دينه الحق وظيفة كبرى ومهمة عظمى، ينهض بها العلماء أمثال الأستاذ العبودي، وقد قام بها خير قيام، جزاه الله عن إسلامه خير الجزاء؛ وشكراً.
 
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :772  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 176 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الثاني: تداعيات الغزو العراقي الغادر: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج