لمع اللجين وسال ذوب العسجد |
وسط الصباح على الظلام الأسود |
فانجاب عن صبح الحقيقة ليله |
هي خلسة لاحت فدونك وازدد |
والليل حولك والنهار فسلهما |
عمَّا استقلا من عتيٍّ معتد |
وعن الحقيقة حيث لاحا سلهما |
هل يحفلان برائح أو مغتد |
فاستسق قبل نضوب كأسك خمرها |
من ماء مزن لم يكن من موعد |
واشرب إذا لاح المشيب بفاحم |
لم يبق غير صبابة وكأن قد |
يا صاحب الحانوت حسبك ضجعة |
في ظل دنيا قد غدا كالمرود |
هاتِ الكؤوس لكي نطيب بشربها |
وأجب نداء الطائر المتغرد |
واسمع صرير الباب صاح مرحبا |
بالقادمين لنهلة من مورد |
وانظر لمعتصر المدامة يحتفي |
بالشرب من مثنى لديه وموحد |
يتهافتون عليه قبل رحيلهم |
مثل الفراش على ضياء الموقد |
فقم الغداة لكي ترى أحمالهم |
فالقوم سفر والركاب بمرصد |
عجباً لصرختك التي أرسلتها |
كان الصدى من رجعها المتردد |
فدع الصراخ فإنه من حيرة |
بالأمس تصعق في الفضاء الأربد |
متحفز قلق الوساد لنيّة |
كشفت حقيقة ناقم متعند |
متطلع يبغي المسير بقفرة |
قذف تشق على القوي الأيّد |
كم نأمة من وادع متمهل |
نال الوصال ولم يكن بمزود |
تيه الحياة فكم لها من همسة |
أزرت بصبحٍ ساخط متبلّد |
هيهات ليس الناس في أجداثهم |
إلا حطاماً من هياكل معبد |
صنفان صنف في الجحيم وآخر |
تبرا يسيل من الحفائر في غد |
والروح إن خمدت مضت وكأنها |
برق تناثر في الفضاء الأبعدِ |
تنساب في روض الحياة مضيئةً |
ضوء الزبالة في السراج الموقد |
ولَشدَّ ما استوحيت من أسرارها |
لمًا استقرت في زوايا الموصد |
غرتك أطياف المنى في طفرة |
فتمردت بك شرة المتمرد |
من أمر ربك لست تعلم أمرها |
في كل حال لم تنل بالمرصد |
هيهات ذاك وما أراك بمدرك |
أن تدنو من ملكوتها أو تبعد |
كيف التفتّ وجدت حولك ظلمة |
بغرور نفسك لم تفز بالمنفد |
فغدوت فيها حائراً متخبطاً |
فصببت سخطك كالآتيِّ المزبد |
فذر التعمق لست تسبر غوره |
كالبحر عز على السبوح الجيد |
واترك خفيا لست تدرك كنهه |
ولو استعنت بكل رأي محصد |
كم مغلق هتكته لمحة ناظر |
وإشارة من عالم لم تفند |
ومجاهل قد أدْركت في خطرة |
عرضت وفلّ عزيمة المتعمد |
فاحطط رحالك بين وادٍ ممرع |
وإذا ارتحلت فلا تكن بالمبعد |
فهناك روض لم يدم في حالة |
لبس الربيع وبين جدب الفدفد |
وانزل فثمّ لديك من عطفيهما |
أمل الرضاء وفرحة المتوجد |
لا شيء تخشى فالديار يزينها |
ملهى الخليج ووحدة المتعبد |
فإذا بلغت فليس ثمت يُختشى |
ذل المسود ولاعتو السيد |
صدق العراء فما يروعك عنده |
إلا حصاتك فلتكن كالجلمد |
وإذا افتقدت الجلنار حسبته |
خجلان ذابل من غرور الهدهد |
والنرجس المصفرّ في أكمامه |
جذلان يضحك من صباح الجدجد |
فانثر على الأكمات من أكمامه |
ورداً يفوح بعطره المتبدد |
وانظم لآلئك التي أفردتها |
نذر الحليَّ على صدور الخرد |
وانشر عميم شذاه في أطرافها |
واسكب عصارة دمعك المتمرد |
واترك مطاولة العظيم تأدباً |
واربأ بسيب يديه عن كز اليد |
ودع القلائد في السماء لقبةٍ |
دكناء عزت عن مطاولة الردي |
وانظر إليها وهي في لألائها |
زرقاء كم في جوفها من فرقد |
تلك كما انكفأ الأناء تصوبت |
منه الحقيقة لم تحد عن مقصد |
حتى إذا بلغ النهاية بعثرت |
منه النجوم كلؤلؤ متبدد |
ولئن أظلّك فهو مثلك آية |
تفنى ويفنى في بقاء السرمد |
قد خُط بالأمر الذي قد شاءه |
في اللوح من صنع اليدين مسدّد |
تلك الرواية والمؤلف مخرج |
من لوحة الدهر العظيم الأوحد |
فانظر بعقلك فهو فيها ماثل |
وملقن وممثل في المشهد |
سقياً لموقف ساعة رأد الضحى |
والشمس تبدو في الفضا المصعد |
والليل يعثر في مروط عتوّه |
والروض بين يديَّ مصقول ند |
وقفت هنالك بانة وكأنها |
وقفت لتزكي جمرة المتسهد |
هيفاء تلعب بالعقول لأنها |
حسناء تومىء بالغصون الميّد |
وانساب نحو الكرم من خلل الثرى |
ظمآن بات على اللظى المتوقد |
يغشاه من علقت به أوهامه |
عرق يحوم عليه كالدنف الصدي |
يدنو ليسرق منه واكف قطره |
فاذاد في فهلهوة لم تصعد |
ويمد كفًّا قد تلاشى ظلها |
لمسوّفٍ تحت اللحود موسد |
تتدفق الأجيال يزحم بعضها |
في بقعة عادت فروع أصولها للمحتد |
متناكرين وقد يلاوم بعضهم |
بعضاً عليه فلا يقر بمرقد |
تنقضّ مطبقة فينكص مرغماً |
حيث التراب نهاية المتمرد |
فتراه مذ فقد السعادة حائراً |
في القاع يهبط في الظلام السرمد |
فسل المعالم أين شط قطينها |
ولأي دار قد مضى أو فدفد |
واسألها من بعد النوى عن حالها |
وهل استراح من النكال الأنكد |
وسل النسيم فإن سمعت تنهداً |
من ذي فؤاد حائر متهدد |
وشجاك من ذكرى الأحبة موقف |
في الحي منه عشية فتنهد |
هي أنةٌ فامنُنْ عليه بمثلها |
واحذر فديتك أنة المتبلد |
واذكر لدى أطلاله من قد مضى |
فلقد تكون علالة من مسعد |
وتفرقوا بطن الوهاد لحادث |
هل بعد لوعةٍ بيتكم من موعد |
ملتم عن الإبريق بعد وفائكم |
وبُعيد عهد قد مضى للمنجد |
أنضبتموه فعفتموه ولم يكن |
عكر الشراب ولم يكن بملدد |
وسكبتموه على التراب فهل غدا |
من حق واردكم عقوق المورد |
قد كان يطربكم ويطفىء وجدكم |
ساق يطوف ولم يكن بالأوغد |
ويظل يسعى وسط نادي أنسكم |
بالراح بعد الراح غير مصرد |
فتفقدوا أنساءكم فلعلّكم |
لا تفقدون سوى الذي لم يفقد |
وتحسسوا خلل الديار لعلَّكم |
تجدون بعض السؤر للمتزود |
* * * |
يا ريم ما هذا الجفا أتظنني |
مما يقول عواذل انساكا |
أهواك للخلق الرفيع وعفةٍ |
جعلتك عندي في الوداد ملاكا |
دعني أذكرك الليالي فقبلها |
وعلى العقيق وكيف كان لقاكا |
هل كنت إلا ناثراً لك أدمعي |
والدمع يجريه الجفا لولاكا |
لولاك ما عشت المعذب بالوفا |
ولكنت دوماً ناصباً أشراكا |
وغدوت في دنيا الهوى متقلباً |
لكن نفسي لم تزل تهواكا |
يا ريم حسبك لا تكن متجنياً |
إن الجناية لم تكن برضاكا |
أغراك عذال المودة بيننا |
بئس العذول وما به أغراكا |
بل بئس واشٍ قد وشى ما بيننا |
ومشى بكل دنيئة تشناكا |
قل لي بربك هل بدت لك زلة |
مني فتقضي عندها بجفاكا |
أم رحت تنسى ما مضى من عهدنا |
وليالي (قربان) الذي رباكا |
كم زورة لك زرتَّها متخطياً |
كل الصعاب ولم تخف رقباكا |
قد كنتَ إن جن الظلام وجدتني |
أرعى النجوم وساعة ألقاكا |
وأرى سويعات الفراق كأنها |
دهر طويل يا لها إذ ذاكا |
فتقول حسبك إنني لك صاحب |
خل وفيٌّ لم يَمِلْ لسواكا |
وتؤكد العهد الذي أعطيتني |
عهداً يؤكده الوفا بوفاكا |
فعلام ملتَ إلى الجفا وأنا الذي |
ما كنت يوماً جاحداً لنداكا |
ما زال في وادي العقيق مآثر |
تندى بطيب لقائنا ورضاكا |
أغدو إليه وفي جفوني لهفة |
لترى ملاعب حبنا وصباكا |
حتى إذا لاحت رباه نثرتها |
دمعاً غزيراً حارقاً كلظاكا |
وأقبل الربوات حيث وطئتَها |
ومشت على أكنافها قدماكا |
* * * |
تالله أنك قد ملأت مسامعي |
دراً عليه قد انطوت أحشائي |
زدني فزدني ثم زدني ولتكن |
منك الزيادة شافياً للداء |
أمحمد الشرقين يا ظئر التي |
جلت الظلام بنورها الوضاء |
يا من إذا نثر الحديث حسبته |
درًّا تساقط من بساط ذكاء |
وإذا حكاه منظماً من سمطه |
خِلت النجوم عقوده بجلاء |
واذكر بأني قد وعدتك صادقاً |
أني الوفيُّ لدرة العلماء |
ثم الصلاة على النبي وآله |
ما لاح بدر في سماء علاء |