شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأخوان: مايو الدكتوران وليم وجاك
عاصفة هوجاء اكتسحت مدينة بأكملها ودمرتها، ومع ذلك فإنها كانت سبباً في تجنيب العالم ويلات الأمراض العقلية التي انتشرت بصورة مريعة مفزعة.
ربما إن البشرية لم تكن لتحظى باكتشاف عظيم سجل انتصاراً كبيراً في تاريخ الصحة والطب في هذا العالم، لولا تلك العاصفة الهوجاء التي اجتاحت مدينة صغيرة في ولاية مينيسوتا بأمريكا قبل نصف قرن تقريباً - والمدينة التي اكتسحتها العاصفة هي مدينة روجستر المشهورة اليوم بمدينة الدكتورين مايو أخوان أكبر وأعظم جراحين في عصرنا الحاضر. والاكتشاف العظيم الذي لا يزال الأخوان مايو يبحثان ويعملان لتضخيم الاستفادة منه هو عقار لشفاء الأمراض العقلية. وهذا العقار يحقن في جسم المريض المصاب بضعف العقل أو فقدان الوعي - فيحدث الأمر المدهش إذ تتغير حركة الدورة الدموية ويعود المريض إلى الوعي.
وليدرك القارىء ماذا يعني هذا الاكتشاف الخطير لسكان هذا العالم، أضع بين يديه هذه الحقائق ليستنتج بنفسه مدى خطر هذا المرض على البشر لو استمر يفتك بهم من دون مقاومة تقف في وجهه.
إن عدد المصابين بالأمراض العقلية في مستشفيات أمريكا ضعف عدد المرضى بالأمراض الأخرى مجتمعة، والمعدل بين التلاميذ، تلميذ من كل ستة عشر تلميذاً لا بد أن يقضي جزءاً من حياته في مستشفى الأمراض العقلية، أما فرص الشفاء فهي واحد لكل عشرين ممن قضوا سبع سنوات من حياتهم في المستشفى، وفي السنوات العشر الماضية تضاعف عدد المرضى تقريباً، ولو استمرت هذه النسبة المفزعة لمدى قرن من الزمن، لأصبح نصف السكان من نزلاء المستشفيات العقلية والنصف الآخر من دافعي الضرائب للعناية بهم.
والأخوان مايو اللذان ما زالا يوليان أبحاثهما ويبذلان جهدهما وحياتهما لمكافحة هذا المرض، يعتبران أشهر جراحين في عالم اليوم، يقصدهما طالبو المعرفة من الأطباء من لندن وباريس وبرلين وروما والكبتون وطوكيو ليتربعوا أمامهما في احترام ليستفيدوا من علومهما.
ويتجه نحو روجستر في كل عام ستون ألف مريض معظمهم يواجهون فرصتهم الأخيرة في الحياة يقصدون مستشفى مايو أخوان.
عندما هاجر الدكتور مايو الأب قبل سبعين سنة إلى مدينة روجستر، كان سكانها لا يزيدون على عشرين ألفاً، وكان أول من عالج فيها الدكتور مايو بقرة مريضة وحصاناً مريضاً، وعندما اشتعلت نار الحرب بين الهنود الحمر والبيض كان الدكتور مايو الأب يتناول بندقيته ويقتحم الميدان يدافع وينتصر، وبعد المعركة يأخذ طريقه بين الأشلاء يضجع الموتى ويعالج الجرحى. وعلى طول المدى أصبح مرضاه الذين كان يزورهم بانتظام ينتشرون في مساحة تقدر بخمسين ميلاً بين المروج، وكان الكثيرون منهم يسكنون في أكواخ بنيت من فروع الأشجار وطين المروج؛ ولم يكن هؤلاء المرضى قادرين على دفع أجرة الطبيب، ومع ذلك فإن الدكتور العجوز الطيب كان في بعض الأحيان يسير الليل الطويل ليخفف آلام هؤلاء المرضى، وفي أحيان أخرى كان يقتحم زوابع الثلوج والضباب القاتم الذي لا يستطيع المرء من شدة قتامته أن يتبين يديه أمامه في وضح النهار.
وقد خلف الدكتور مايو الأب ولدين: هما الدكتور وليم والدكتور جارلس المشهوران الآن في جميع أنحاء العالم بالأخوين مايو، وقد بدءا حياتهما بالعمل في إحدى الصيدليات المحلية يتعلمان تركيب الوصفات الطبية وتكوير الحبوب الطبية ثم التحقا بالمدرسة الطبية.
ووقعت الكارثة التي قدر أن يكون لها الأثر الأكبر في عالم الاكتشافات الطبية في هذا العصر، وهذه الكارثة هي ذلك الإعصار الذي اكتسح المروج وكأنه غضبة إلهية، دمر وهدم وضرب كل شيء في طريقه. لقد هاجم الإعصار مدينة روجستر وضرب كل شيء فيها، مئات من السكان قد جرحوا وعشرات منهم ماتوا.
واشتغل الدكاترة مايو أخوان والدكتور مايو الأب، أياماً كثيرة بين الأطلال يجبرون الكسور ويضمدون الجروح ويقومون بإجراء العمليات الجراحية اللازمة. إثر هذا الجهد الإنساني الكبير الذي قام به الدكاترة في نفوس أعضاء جمعية الراهبات ((فرانسيس)) فعرضت رئيستها عليهم بناء مستشفى شريطة أن يقوموا بالعمل فيه والإشراف عليه، فوافقوا وافتتح المستشفى في عام 1889 وكان الدكتور الأب قد بلغ حين ذلك السبعين من عمره ولم يسبق للأبناء أن أدارا مستشفى أو حتى عملا داخل حدوده، وقد تحدثا يصفان حالتيهما في ذلك الوقت: إننا كنا أقل نصحاً وتجربة وكان وضع عبء العمل وإدارة المستشفى على عاتقنا أشبه ما يكون بوضع عبء وقيادة سفينة في عرض البحر على أحد البحارة الذي وجد نفسه قد أصبح فجأة رباناً رغم أنفه.
أما اليوم، فإن هذين الدكتورين الناضجين يعدان من أشهر دكاترة العالم الذين قهروا مرض السرطان العتيد، ويعتقد كل من الأخوين في الآخر أنه هو الأعظم وكلاهما أشهر وأنظف دكتورين جراحين عرفهما العالم. إنهما يمارسان عملهما بعلم يبلغ درجة الصحة والتوكيد ويقومان بالعمليات بخفة وسرعة ورقة ونعومة، رقة وسرعة ونعومة أدهشت جراحي العالم وبهرتهم.
يبدآن العمل في المستشفى من الساعة السابعة صباحاً ويقومان بإجراء العمليات الجراحية مدة أربع ساعات كل يوم ينجزان فيها من خمس عشرة إلى ثلاثين عملية في اليوم. ومضيا في ذلك سنوات متواليات، وإلى جانب ذلك فهما لا يزالان يواليان أبحاثهما لإحراز تقدم أكبر، ومع كل هذا فإنهما يتحدثان دائماً عن حاجتهما إلى المزيد من العلم.
إن مدينة روجستر اليوم تعيش بكاملها في خدمة مستشفى الأخوين مايو، فلم يصرح للترام أن يسير في شوارعها، وتسير الأتوبيسات بهدوء وأحاديث البيع والشراء تدور في الأسواق بهمس ورقة.
ويعامل المرضى في هذا المستشفى بالرقة والمساواة التامة؛ فالمعوزون ورؤساء البنوك والفلاحون ونجوم السينما ينتظر كل منهم دوره في غرفة الانتظار، فإذا حل دور أي واحد منهم يجد من العناية والاهتمام ما ناله من قبله مهما كانت مكانته وكان غناه، ويدفع الأغنياء أجرة العمليات حسب قدرتهم وكذلك الفقراء، ولم يحدث أن منع مريض من دخول المستشفى لعدم قدرته على الدفع.
إن الثلث من أعمال الدكتور مايو أخوان أعمال خيرية، وهم لم يرفعوا قضية أبداً على مريض تخلف عن الدفع، ولم يحدث أن قدم مريض شكوى ضدهم وأنهم لم يسمحوا لأحد من مرضاهم أن يستدين أو يرهن عقاره ليدفع أجرة معالجته. إنهما يقبلان ما يقدمه المريض من النقد الذي يستطيعه عند العلاج مهما كان مقداره ولا يكتبان عليه ديناً يسدده في المستقبل لعدم وفاء وما يملكه عند العلاج ولا يشارطان المريض على العملية قبل إجرائها:
وحدث مرة أن رهن مريض عقاره لدفع أجرة عملية أنقذت حياته، وعندما علما بذلك فماذا كان الإجراء الذي اتخذاه؟ لقد أعادا الشيك ومعه شيك آخر من عندهما ليسدد المريض الدين الذي تحمله أثناء مرضه.
إنهما مثالان رائعان من المواطنين.. ولدا في مدينة صغيرة وارتفعا بجهدهما وعملهما وإخلاصهما إلى الأوج ولم يحسبا حساباً للمادة في جميع أعمالهما، ومع ذلك فقد انصبت عليهما النقود في شكل ينبوع متفجر. إنهما لم يسعيا يوماً إلى الشهرة ولكن سعت نحوهما حثيثاً، فهما اليوم اشهر جراحين في الولايات المتحدة.
إن كل ما يسعيان إليه في حياتهما ويصرفان نشاطهما فيه هو تخفيف ويلات البشرية.
وإن الشعار المكتوب في اللوح الجميل الموضوع في إطار بديع على المكتب في غرفة انتظار المستشفى يوضح أسباب نجاحهما المستمر، وهذه هي العبارة المخطوطة في ذلك اللوح: ((إذا اكتسبت علماً وخبرة تساعد بهما الناس وتسد حاجتهم، فإن أهل الحاجة سيشقون طريقهم إليك ولو كنت تسكن في وسط الصحراء فاحرص على أن تكون أداة نافعة يحتاجها الناس ولا تبخل بفضلك على الناس)).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :581  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج