شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلود وليم دكن فيلد
كانت نقطة التحول في حياته حينما اختط خطة ليثأر من ابيه فيلقي بصندوق فارغ فوق رأسه.
كان نجماً عظيماً من نجوم هوليود، مرح مهذب أصلع قمة الرأس ذو أنف أحمر ضخم بارز بروز الشباك في العمارات القديمة، وفي الواقع لم يكن يتصف من مميزات الجمال بشيء، غير أن أعظم الأستديوهات لم تكن ترضى لتستبدل به ملكة من ملكات الجمال.. هذا الرجل الوقور هو كلود وليم، داكن فيلد. لقد كان قبل أن يكتسب شهرته العظيمة يجلس الساعات الطويلة في غرفة الانتظار ليقابل المديرين ويتحدث معهم، وقد بلي مقعد سراويله من كثرة ما كان يجلس في غرف الانتظار.. اشتغل عشر سنوات في السينما والمسرح ثم تركهما لفترة، وعندما تجددت في نفسه الرغبة للعمل، كانت خيبة أمله كبيرة إذ كان يعرض نفسه على المخرجين ليقبلوه، واستعد أن يعمل أي شيء.. يكتب، يمثل، يظهر في الأفلام دون أي مقابل.. وإنما كان يطلب أن يعطوه الفرصة ليعود إلى العمل، وكان يلتمس ويتمسكن ويزمجر أحياناً - ولكن كان جواب المخرجين واحداً: (لا).. بدون تراجع.
ولكن بعد هذا الجهد والعناء تسلم شيكاً بمبلغ لم يكن ليحلم به مقداره عشرة آلاف من الجنيهات عندما أخرج دواد كوبر فيلد أول إنتاجه ولم يكن قد اشتغل فيه أكثر من عشرة أيام. ألف جنيه في اليوم، أو جنيهان في كل دقيقة. ولو قارنا ما يتقاضاه كلود وليم لعمله في هوليود وما يتقاضاه رئيس الولايات المتحدة لعمله في إدارة شئون الولايات، لوجدنا أن ما يتقاضاه هذا النجم يساوي خمسة وعشرين ضعفاً مما يتقاضاه الرئيس.
إن الأدوار التي مرت بحياة وليم جعلته لا يكترث بإقبال الحياة أو إدبارها.. فلم يكن لديه شيء مثير أن يرى الأضواء تسلط على اسمه كأعظم (حاو) في العالم. كما لم يكن يكترث لو عاوده الفقر والعوز، فلقد مر عليه في حياته أنه لم ينم على فراش لمدة أربع سنوات كاملة.. فكان ينام في الحدائق العامة وفوق دكاك أبواب المحاكم، وفي الصناديق الفارغة، ونام حتى في الجحور يتدثر بقطعة من المشمع البالي. وكان يقول: إن أكبر نعيم تستطيبه نفسه أن يتمدد وينام على فراش وثير تحت غطاء مريح جميل، وعندما مارس ألعاب الحواة الخطيرة، لم يكن أحد من الحواة في العالم يستطيع أن يجاريه في ذلك، فأصبح اشهر حاوٍ، في الألعاب الخطرة في العالم، فقد بدأ يغامر بها منذ كان في الرابعة عشر من عمره، وابتدأ لعبة الحاوي بالتفاح وكرة التنس في مخازن الحبوب وفي دكان الحداد ولم يترك في حياته يوماً تمريناته في ألعابه، وكان يقضي بعض الأحيان ست عشرة ساعة في التمرينات يومياً، ولم يترك تمريناته حتى عندما يكون مريضاً لا يستطيع الوقوف على قدميه.
وكان رأيه أن الحاوي القدير يستطيع أن يلعب بكل ما يقع تحت يده، وأن الحواة يستطيعون أن يقدموا ألعاباً محيرة مذهلة بالبيضة وألواح الكرتون والخشب والعصي والمغلاة والقبعات والصحون والأحذية وكل ما يقع تحت أيديهم.. وقد قدم ألعابه في جميع أنحاء العالم فأدهش وأذهل وقوبل بالترحيب والهتاف من المواطنين في ((جونس يرغ)) في طريقه أيام حرب البوير وقوبل بالتصفير في مدريد بعد الحرب بين إسبانيا وأمريكا.. وقد كان الجمهور يحيط به أثناء تجواله في الهند ومصر وفرنسا وألمانيا وإنكلترا وأستراليا.. يسألونه بإعجاب واندهاش عن الطريقة التي يقوم بها بألعابه المدهشة.. فيغرر بهم ويخدعهم حين يجيبهم بأن عمل الحاوي عمل بسيط لو عرف الإنسان كيف يقوم به.. كثير من الناس كان يتصور أن كلود وليم إنكليزي ولكن هذا غير صحيح، فقد ولد في بنسلفانيا ولكنه لم يكن مواطناً بأكثر من المولد إذ بدأ يطوف حول العالم منذ بلغ من العمر اثنتي عشرة سنة، فقد هرب من وطنه على أثر سوء تفاهم على حد تعبيره حدث بين وبين والده.. وعندما يحدثك عما يسميه سوء التفاهم هذا تضيء عيناه بلمعان غريب.. وتبدأ القصة عندما تعثر الأب في معول كان الابن قد ألقى به على الأرض.. وعندما دعس الابن على المعول قفز المعول واصطدم بساق الأب فجن جنونه وصار يقفز من شدة الألم وأخذ المعول، وهو في هذه الحال المجنونة وضرب به على كتف الابن.. وكانت تلك الخبطة السبب في تغيير مجرى حياته، فقد أحس أن أباه يتحداه فانسل إلى داخل الدار وأخذ صندوقاً فارغاً ووقف على كرسي وعلق الصندوق بعناية على الباب وعندما دخل الوالد بعد دقائق نزل الصندوق على رأسه، فغطى رأسه ووجهه في صفعة قاسية.. ووضع الابن ثوبه في فمه وجرى ما استطاعت ساقاه الصغيرتان أن تمداه بالعون والقوة وابتعد وهو يجري عن الدار، ابتعد بحيث لم يعد إليها مرة أخرى.. ولم ير والده بعد ذلك إلا بعد أن أصبح نجماً عالمياً في ألعاب الحواة.. ومنذ ترك بيته حتى بلغ السادسة عشرة من عمره عاش مشرداً لم يعرف لنفسه قصراً ولا مسكناً، عاش كالجرو التائه، ينام حيث يجد ركناً يستطيع أن (يتكوم) فيه، ويأكل أي طعام يحصل عليه من الشحاذة أو الدين أو السرقة.
فأثَّر منظر كلب الحراسة في نفسه، فكان يرتعد من رؤيته حتى آخر أيام حياته.. وكثيراً ما غافل كلب الحراسة لينسل من الباب الخلفي للمخازن ليخطف زجاجة من الحليب.
إنك عندما تتحدث مع كلود، تشعر وكأنك تتحدث إلى أحد الأبطال في الروايات الخيالية.
وقد اشتغل مرة (غريقاً محترفاً) فكان يخوض غمار البحر ثم يتصنع الغرق ويصيح طالباً النجدة فينتج عن ذلك اجتماع الناس لمشاهدة عملية الإنقاذ، وبينما الغريق في حالة إغماء يزفر ويشهق بصعوبة ليستعيد وعيه، يكون شركاؤه قد اغتنموا الفرصة وباعوا ((الآيس كريم)) والمقلياح والجوز واللوز حيث يغتنمون فرصة تجمع المارة لمشاهدة الغريق (المتصنع) وتطور حالته حتى يعود إليه الوعي.. وفي بعض الأحيان عندما تكون السوق رائجة - كان يغرق - متصنعاً بأربع أو خمس مرات في اليوم، وهو لا يذكر عدد المرات التي قبض عليه فيها لكثرة ما قبض عليه.
ويقول: لو مارس أحد بعض ما كنت أمارسه في هذه الأيام لسرعان ما كان أودع في إحدى الإصلاحيات المنتشرة في البلاد اليوم. وقد اشتغل مدة في عربة بيع الثلج فكان يستيقظ كل صباح قبل الفجر، ولكن طوال وقته كان يقوم بتمرينات على ألعاب الحواة بقطعة من الثلج وبأعواد علف الحصان، وبعد تمرينات شاقة لمدة عامين، أجاب على إعلان في إحدى الصحف بطلب - حاوٍ - وتحصل على العمل وكان الراتب جنيهاً واحداً في الأسبوع - كان يدفع منه ستة شلنات كأتاوة للمدير الطماع الذي هيأ له القبول في العمل، وليوفر هذا المبلغ كان ينام في غرفة تغيير الملابس ويعيش على قطعة من الفطير ذات ثمن زهيد، ثم عمل ثلاثة مواسم من دون أن يقبض شيئاً، وليس ذلك لأن راتبه قد أوقف ولكن بسبب المفاجآت المالية التي كانت تحدث للفرقة التي كان يعمل بها، كأن يحدث ركود في الدخل أو يستولي المدير على أموال الفرقة ويهرب ولكن كلود تحمل كل ذلك بروح الفيلسوف، واستطاع أن ينجح أخيراً فتوفر له أن يأكل ثلاث وجبات في اليوم وينام على فراش وثير، وبعد حياة مريرة شاقة بدأ يعيش عيشة الإنسان.
ويملك كلود داراً أنيقة في هوليود وغرفة خاصة لتغيير الملابس وخمسين قبعة ذات أشكال مختلفة معلقة جميعها في غرفة ملابسه، ويصطف المشاهدون في خط طويل حول أي مسرح يكون له فيه دور ليشاهدوا ألعابه السحرية المذهلة التي قضى أربعين عاماً وهو يمارسها ليكتسب المهارة فيها، وينام في فراش وثير يقول عنه حتى في هذه الأيام: إني - بعد الحرمان الطويل - عندما آوي إلى فراشي الوثير تعلو الابتسامة السعيدة شفتي، أما حين أمتد بين الغطاء والفراش فإني أعيش في حلم عاطفي لذيذ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :810  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 106 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج